الساحلي في وقفة رمزية وفاء للشهيد محمد عفيف ورفاقه: سنبقي لأجل المقاومة
الإعلامية رنا الساحلي
أهلاً وسهلاً بكم في منزل الحاج محمد عفيف.
بالأحرى أهلاً وسهلاً بكم في حياة الحاج محمد الذي أمضى سني عمره في العمل بينكم، ومعكم، فأمسى شغله الشاغل ومملكته التي اهتم بها حتى آخر ثانية من غمضة عينيه، وآخر شهقة من أنفاسه العطرة..
سأبدأ من حيث انتهي الكلام الذهبي…
والسلاح الذي أصابهم بمقتل بتاريخ 11 ـ 11. كيف لا، وهم يواجهون الرجال المتجذرون في أرض الجنوب، ليتردّد الصدى في كل حجر وزاوية من الضاحية الصامدة، إلى بيروت الأبية، والبقاع الشامخ.
في تلك الروضة الشريفة، كانوا يشهدون على الحق، وصولاً إلى مجمع الشهداء، حيث غصاته لا زالت تخنقنا، تهز وجداننا.. أيبكي الرجال؟!
نعم… بكى العفيف على الشريف الأسمى.. بكى وأبكانا… لكنه أدخل في قلوبنا القوة والإيمان والكرامة والعزيمة.
أدخل في وجداننا العنفوان. أَلَسنا أبناء هذه الأرض؟! لا نبالي أَوَقَعْنا على الموت أم وقع الموت علينا.
لا نبالي طالما أننا أبناء هذا الوطن، ولو قطعونا إرباً، ولتهنأ الأرض بأبنائها.
لن أدخل في السياسة، بل سأحمل بعضاً من حبه إليكم، من شوقه، من ابتسامته، من غضبه، وحزنه السرمدي الذي أجّله لِلّحاق بالسيد الأسمى.
كيف لا وهو صديق الصبا، ورفيق اللحظات الصعبة، هو من يبث الروح، ويشحذ الهمم.
قالها عفيفنا في خطابه الأخير. عندما وقف الحسين وحيداً “ألا من ناصر ينصرنا”، وقد استشهد حسين عصرنا. وها أنت يا سيد الإعلام، يا حامل الراية، يا من وقفت بكلماتك وبصوتك الشجي، يا من أرعبت العدو وهزأت بكيانه المصطنع، التحقت سريعاً مقبلاً مبتسماً تنتظرها، ولهفة الفؤاد سابقت كل عقارب الوقت، لتلتحق برفيق الدرب وأنيس الروح.
نعم، اشتقتَ للسيد، واشتقتَ للهاشمي الجميل، اشتقتَ للحاج جهاد والحارس الأمين. اشتقتَ يا حاج محمد ان تلتقي بالقادة العسكريين وتستأنس بهم، فاستعجلت الرحيل، رويت قصصاً تُجمَع في مجلدات، وكم تمنيتك أن تكتبها، لكنك كنت تبتسم وتقول “الوقت سيمضي سريعاً ولن أستطيع إنهاء الرواية”…
نعم يا حاج محمد.. كنا ننتظر منك أن تُنهي حكايانا، حكايا الانتصار.. أن تقصّها.. أن تكتب خاتمتها.. لنرويها لأحفادنا.. لنخبرهم أن العالم كله اجتمع لكسر المقاومة وإذلالاها، لكنه لم يستطع أن يتجاوز كيلومترات، أو أن يربح الحرب.
سيفتقدك المنبر.. ستفتقدك الصالونات السياسية.. سيفتقدك مراكز صناع القرار والسياسيون…
بكل تاكيد سيفتقدك الشاي ذو النكهة العراقية التي كنت تتغنى بها.
لقد انتصرت يا حاج محمد، يا نصير المقاومة ورافع رايتها، خافوا وقع كلماتك، فاسكتوا الصوت لعلهم يعيثون فساداً…
نبشّركم أننا قوم لا نُهزم، فالراسخون ثابتون، فكل رجل فينا كرّار غير فرار.
مزروعون في الأرض كشجر الزيتون، وعطر البرتقال يفوح من وجناتهم…
هناك هُم، في الخيام وشمع وطيرحرفا والناقورة.. هناك هُم، في كفركلا والطيبة وميس الجبل وطلوسة.. هناك هُم، في بنت جبيل ويارين ومارون.. هناك هُم في كل ذرة تراب، سينبت الزرع ولو بعد حين، وسينتصر أصحاب الحق.
أصدقائي، زملائي الشهداء: الحاج موسى، الطيب الصبور المحترم. والحاج محمود، صاحب الضحكة التي لا تختفي. والأخ هلال، الطموح صاحب الأفكار المجنونة. وحسين، الهادئ كالبحر… هنيئاً لكم هذا النصر الجميل، فزتم أنتم وخسرنا نحن…
يا إخوتنا، كل الكلمات لا تفيكم حقكم، يا من أدّيتم المهمة حدود الرقي والارتقاء، شكراً لانكم كنتم معنا، شكراً لأنكم أوفيتم الامانة.
نعاهدكم أننا سنبقى معاً، نواجه كل الحملات الكاذبة المضللة. سنبقى للدفاع عن المظلومين ولإعلاء كلمة الحق.
سنبقي لأجل المقاومة، بالقلم والصوت والمنبر..
هل تذكرون هذه الجملة؟
إذا سمعتم يوماً ما عن مفاوضات سياسية لوقف إطلاق النار، فاعلموا أن سببها الوحيد هو الميدان وصمود أبطال المقاومة في الميدان.
أليس هذا ما حصل؟ ما الذي حققه الإسرائيلي طوال هذه الفترة؟ ابحثوا عن الهزائم في أقوالهم. ابحثوا عنها في كل نفوس المستوطنين. هم منهارون… وفي المقابل، أنظروا إلى الشعب الجنوبي. البعض انتقل إلى قراه عند الساعة الرابعة فجراً، أي عند الإعلان عن وقف إطلاق النار.
تُرى، كيف تُهزم مقاومة وشعبها أبي لا يساوم؟ تُرى، كيف تُهزم مقاومة وأبناؤها يقفون في وجه العواصف العاتية؟
نشكر كل الأهالي الذين تركوا قراهم وانتقلوا إلى مناطق أخرى. نشكر الأهالي الذين استضافوا وفتحوا بيوتهم للضيوف. نشكر كل فرد ومؤسسة ساهمت بسند الأهالي. ونعاهد أننا سنبقى عل النهج، وستستمر المسيرة، وسينتصر الحق، وسنكمل الطريق حتى ننال إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة.
ليبقى لبنان عزيزاً كريماً، وليبقى أبناؤه أسياد هذه الأرض.
(*) كلمة ألقيت في الوقفة الرمزية التي دعا إليها “اللقاء الوطني الإعلامي” أمام مكتب العلاقات الإعلامية لـ”حزب الله” في الضاحية الجنوبية وفاء للشهيد محمد عفيف ورفاقه الذين استشهدوا معه.