الزلزال والانزياح السياسي
صحيفة الوطن السورية-
منذر عيد:
بين السياسة والجغرافيا، استطاع الزلزال الذي ضرب المنطقة في السادس من الشهر الجاري أن يفعل فعلته، وإذا ما استطاع بحسب العلماء أن يزيح تركيا خمسة أمتار غرباً، فإنه استطاع سياسياً أن يزيح المواقف العربية لجهة التقارب مع سورية عشرات الأمتار، وليرسم خريطة سياسية جديدة، فيها شيء من الإشراق والأمل بولادة مرحلة عربية جديدة، تختلف برمتها عما كانت قبل الحدث، وإن كانت خطوط تلك الخريطة قد رُسمت بدماء وآلام السوريين.
من الواضح أنه كان لابد من حدث كبير بحجم زلزال، لعودة الصفائح التكتونية السياسية في المنطقة العربية إلى وضعها الطبيعي، وبما يشكل ذاك الحدث رافعة لعودة العلاقات العربية- السورية إلى ما كانت عليه، وهذا ما بدا جلياً إثر حدوث الزلزال في سورية إذ تقاطر العرب، بخلاف الأعراب منهم، للوقوف بجانب دمشق سواء عبر اتصال أو قافلة مساعدات أو برقية تعزية، أو حتى تغريدة عبر «تويتر»، لتعزز الأطراف التي على علاقة جيدة معها تلك العلاقات بخطوات ومواقف إضافية جديدة وجريئة تحدت من خلالها الحصار الغربي الظالم، وتجاوزت التهديدات الأميركية بالتقارب من دمشق، على حين عملت الأطراف المقاطعة على إعادة النظر في مواقفها، وسارت خطوات نحو دمشق، سالكة طريق الدبلوماسية الإنسانية.
إذا كان من الطبيعي أن نشهد قوافل الإغاثة وتداعي جميع مكونات المجتمع العراقي ومؤسساته الرسمية لمساعدة سورية، وألا نتفاجأ بموقف الجزائر وتونس والإمارات وسلطنة عُمان، لمواقفهم الثابتة منذ بدء الحرب الإرهابية على سورية، فإن اللافت هو تشكل المنعطف الحاد بفعل الزلزال، لجهة موقف المملكة العربية السعودية عبر المساعدات التي أرسلتها، وكلام وزير خارجيتها فيصل بن فرحان آل سعود، أن إجماعاً بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سورية، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما، وقال «سترون أن إجماعاً يتزايد، ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار»، وهو المنعطف ذاته برز على الطريق بين دمشق وعمان الذي شكلته زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ولقاؤه الرئيس بشار الأسد.
في ظل التطورات الحالية، وكما في كل وقت يسبق انعقاد القمة العربية، تكثر التحليلات عن إمكانية حضور دمشق القمة، لترنو الأنظار إلى الرياض التي تستضيف القمة المقبلة في نهاية آذار المقبل، ويبدأ النسج من خلال المعطيات الجديدة وتطور الأحداث، إلا أن ثمة مقاربة أخرى تنتهجها دمشق منذ تعليق عضويتها في الجامعة عام 2011 بقرار لا يتوافق مع ميثاق الجامعة حينها، رؤية مختلفة مبنية على مبدأ تقوية العلاقات الثنائية مع الدول العربية، تكون أكثر نجاعة وأمتن في روابطها خاصة، مع وجود خلل في النظام الداخلي للجامعة يمكّن «حارة» تسمى تجاوزاً دولة، من الاعتراض على عودة دولة مؤسسة عريقة وكبيرة ومؤثرة بحجم سورية إلى الجامعة.
وعليه نسأل من حيث أعربت صحيفة «عُمان» في مقالة لها بالأمس: «وكأن سورية تستمد عروبتها من عضويتها في الجامعة العربية، لا من ترابها العربي وتاريخها وجذورها العربية الضاربة في الأعماق»، وتأكيدها أن قوة سورية واستقرارها هما قوة للأمة العربية.