الروس يذكرون «بندر»: لن تحققوا هدفكم في سوريا، قررنا ذلك وانتهى الأمر
موقع سلاب نيوز ـ
جمال شعيب:
تكفلت وكالات الأنباء والصحف والمواقع التي تفيض ببركات «المكرمات» السعودية بنشر رواية «بندر بن سلطان» عن تفاصيل لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، محاولة من خلال حملة اعلامية منظمة اظهار الموقف الروسي من قضايا المنطقة على شكل «مستثمر عجول» يقبل النقاش في الصفقات ذات العائد المالي، متجاوزاً حساباته واستراتيجياته الخاصة إقليمياً ودوليا.
الرد الروسي الذي كان مقتضباً وحاسماً، اكتفى بالإشارة إلى أن «النقاش لم يتناول أي صفقات أو عروض»، ولم يتطرق لا سلباً ولا إيجاباً إلى كل ما تم تداوله، فعندما تطفأ الأنوار يسود الصمت.. رواق الكرملين.
الرواية التي انتشرت بسرعة قياسية، كتقرير هام وموثوق، لم تهز صمت الكرملين، الذي اعتاد التعامل مع الإعلام ببرودة قياسية، بعيدة كل البعد عن ردات الفعل، وأثبتت سياسات لافروف في هذا المجال نجاعتها محولة مؤتمراته الصحفية إلى حدث ينتظره الجميع، خاصة وأنه اعتمد سياسة الإشباع بعد التجويع، فأصبح يترك للخصوم كل مساحة «الفوضى» في التصريحات والمواقف، ويجمعها في سلة واحدة، ثم يعتلي المنبر ليراشق بتفاحاته أهدافاً، ثبت بالدليل الدبلوماسي دقة تصويبه عليها وارباكه لها، واسقاطها بالضربة القاضية عند الحاجة، من خلال «التسليح النوعي» تارة، وقبضة «الفيتو» الحاسمة تارة أخرى.
مر أسبوع على نشر «الرواية السعودية» للقاء بندر – بوتين، تعامل فيها الروسي مع «أحداثها» على طريقة المسرح الإيمائي، بسمة من هنا، علامات تعجب بإسدال الشفتين ورفع الحاجبين من هناك، وفي كثير من الأحيان كان الضحك سيد الموقف، لا شيء يستدعي الضحك أكثر من فكاهة هذا «العرض».
المحللون الروس الذين تأخروا في الإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع، استغربوا الطريقة التي تم تداول تفاصيل اللقاء فيها، ونقل أحدهم عن جلسة ضمت اليهم بعض السياسيين الروس، أن بوتين الذي كان مستمعاً معظم الوقت بداية الجلسة، توجه الى «بندر» المستفيض في شرح الموقف السعودي ورؤيته للحل في المنطقة وخصوصاً في سوريا، بجواب دبلوماسي مفتوح وغير مباشر، بتأكيده أولاً على الثوابت الروسية من الأزمة في سوريا، وأن روسيا غير معنية بما لم يتفق عليه كأجندة لمؤتمر جنيف، خاصة وأن التطورات الإقليمية لا تؤشر إلا إلى توسع دائرة النيران لتطال دولاً تعتقد أنها آمنة، وإلى المزيد من الحروب التي لن تستطيع دول غنية ومزدهرة حماية نفسها منها، الأمر الذي يستدعي الإسراع في عقد مؤتمر جنيف ضمن الآليات المتفق عليها مسبقاً.
ويلفت الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط إلى أن دلالات ما بعد اللقاء أصدق تعبير عن ما دار فيه، وهي تؤشر دون لبس لحقيقة الموقف الروسي، فالأميركي الذي فهم جيداً جواب بوتين، كان بانتظار مزيد من الشرح ولم يكن الاتصال الذي اجراه «بندر» من موسكو كافياً بالنسبة لهم، فانتظروا عودته الى الرياض ولقائه العاهل السعودي، لترتفع بعدها وتيرة الاتصالات السعودية – الأمريكية التي حملت توجساً سعودياً كبيراً، كان لا بد لأوباما من اتخاذ موقف مطمئن تجاهه، فقام بنقل الإنزعاج الأمريكي من نتائج الإجتماع إلى الشاشات الأمريكية ووسائل الإعلام مستعيناً بباقة أزمات عالقة أولها قضية سنودن، وممهداً من خلالها لخطوة إلغاء اللقاء مع بوتين، في خطوة لم يندم عليها غيره.
ويصف الخبير الروسي ردة الفعل الروسية على إلغاء اللقاء المتفق عليه بالعادية، إذ أنها لم تغادر برودة الموقف الدبلوماسي الروسي المعتمد، الذي يعتبر أنه «بمثابة رسالة تأكيدية أن موسكو لا زالت على استعداد لعقد اللقاء وهي تعتبر الغائه مجرد تأجيل إلى موعد آخر، إدراكاً منها للحاجة الأميركية الماسة إلى انجاز التفاهمات المدرجة على جدول أعماله، وارتياحاً إلى التطورات العسكرية في المنطقة، وثقة تامة بقدرة روسياً على تحريك أوراقها الكثيرة التي لم تستخدمها بعد، ويدلل على ذلك بعودة الحديث عن قرب تسلم سوريا لمنظومة الآس ٣٠٠ بعدما طوي الحديث عنها لأشهر»، مذكراً بحديث للسياسي المخضرم يفغيني بريماكوف قال فيه «لن يحققوا هدفهم في سوريا قررنا ذلك وانتهى الأمر»، ويختم متسائلاً، «هل يعتقد الأمريكيون وحلفاؤهم أن بوتين مستعد للتخلي عن سياسته والتزاماته الإقليمية لأجل لقاء قمة يعلم جيداً أنه كلما تأخر انعقاده كلما ازدادت حاجة الأمريكي إليه؟».
إقليمياً، يؤكد مصدر دبلوماسي عربي متابع لتطورات ما بعد «لقاء بندر – بوتين»، أن ردة الفعل السعودية على جواب بوتين كان مبالغاً في «اجرامها» فبعد لبنان والدور المشبوه الذي لعبته «مخابرات بندر» في تفجيره، وتحريك أدوات «الإرهاب النائم» فيه عبر العبوات والصواريخ وعمليات الخطف العابر للحدود، انتقلت لا بل عادت كما يستدرك «الى العراق»، وهو إذ يؤكد أن الخطأ السعودي في سوريا أصبح مضاعفاً الآن، يجزم بأن الرد عليه لن يبقى في حدود عملية أمنية وعسكرية على الحدود العراقية مع سوريا كما أمر المالكي أمس، بل يقدر الدبلوماسي المطلع على اتصالات «محور الشرق الممانع» أن القرار قد اتخذ ببدء التصدي والرد الرادع، وما قرار المالكي إلا البداية، وأن هناك شبه توافق ضمن «الحلف الأوسع» على حدوده واتجاهاته، وأن الشكل المحلي لهذا الرد لا يمنع من جمع أجزائه لاحقاً، إقليمياً وإخراجه على المسرح السوري الذي دعا الدبلوماسي الى تركيز الأنظار عليه والانتظار.