“الركن الشديد”.. وبأس أشد يصنع العصر الفلسطيني
موقع العهد الإخباري-
يونس عودة:
وسط الاشتباك اليومي في مناطق مختلفة من الضفة الغربية مع قوات الاحتلال الصهيوني، وارتفاع منسوب الغضب الشعبي المصمم على التحرير مقابل الارتباك الإسرائيلي الأمني والانقسام السياسي والمجتمعي غير المسبوق، صدمت المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها المحتلين الذين يملكون أعتى التقنيات التجسسية بمناورة عسكرية تحت أعين الاحتلال التقنية والبشرية الموجودة في الجو والبر على مدار الساعة، دون أن يتمكن من التقاط ولو حركة نفذتها قوات نخبة بالفعل.
لم تكن مناورة “الركن الشديد-3” مجرد عمل تدريبي لفصائل المقاومة في غزة قرب السياج الفاصل بين غزة والأرض المحتلة نفذتها “نخبة من المقاتلين تخللها استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة” دون الإعلان عنها مسبقًا، انما كان مغزاها الأول: “قياس سرعة استجابة قوات المقاومة لأي طارئ، واختبار جهوزية المقاتلين للتعبئة والتصدي للعدوان، وتأتي تتويجًا لفترة من التدريب المتقدم المشترك لنخبة من مقاتلي فصائل المقاومة، تضمنت سيناريوهات تكتيكية مختلفة أبرزها عملية إغارة خلف خطوط العدو تخللها أسر عدد من الجنود”.
إن الرسالة من مضمون الفكرة واضحة تمامًا، وقرأها العدو من خلال البيان المعلن بوضوح، وليس من التكتيكات الميدانية التي سوف تترجم أمرًا عملياتيًا، وعنوانها أن في الأفق اغارة خلف خطوط عسكره لأسر جنود بهدف تحرير الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، وهو ما يذكر بما أعلنته المقاومة الإسلامية في لبنان “نحن لا نترك أسرانا في سجون الاحتلال ومعتقلاته”، وهو ما تحقق في لبنان وفق إرادة المقاومة تمامًا ودون أي التباس، ودفع العدو في كل عملية تحرير أثمانًا لم يكن له أن يتخيلها في أي وقت أو ظرف. وقالت الفصائل بصريح العبارة “نطمئن أسرانا الأبطال بأن المقاومة الفلسطينية ستظل تعمل ليل نهار حتى كسر القيد، والعمل على حرية كل أسير يقبع داخل سجون العدو”.
الرسالة الميدانية الأولى غير مغشاة اطلاقًا وتتبع الرسالة الاستراتيجية التي تؤكد التصميم على الوحدة القتالية والوحدة الوطنية الفلسطينية بما يعبّر عن إرادة الشعب الفلسطيني، الشعب الذي كره حتى مصطلح “مفاوضات التسوية” لأن تلك المفاوضات منذ “مدريد” إلى “أوسلو” إلى “واي ريفر”..الخ، لم تعطه إلا آمالًا مزيفة اكتشف حقيقتها مبكرًا وصبر حتى عيل صبره.
إن “هذا الفعل الميداني المشترك (الركن الشديد 3) ينفّذ على أرض أول موقع عسكري يضم فصائل المقاومة كافة المنضوية في إطار الغرفة المشتركة”، ما يؤكد على “الوحدة الميدانية وصلابة المقاومة لمواجهة التحديات وإفشال كلّ مخططات الاحتلال التي تستهدف شعبنا ومقدساته” لتُعبّر عن الجاهزية العالية والتنسيق الكبير للغرفة المشتركة وفصائل المقاومة لمواجهة التحدّيات والمخاطر التي تعصف بالمسجد الأقصى والدفاع عن الأسرى وحماية الشعب الفلسطيني، وفق تعبير مسؤول فلسطيني.
لقد جرت مناورة “الركن الشديد-3-” في ذروة التصعيد السياسي وانكشاف الحقيقة النازية لطبيعة الكيان الصهيوني المؤقت والمتمثل بالطابع الأمني القمعي الصهيوني، وفي ظل مناورات مكثفة لجيش الاحتلال وكل أذرعه الأمنية والاستيطانية، ما مثل قبول التحدي بالنار والجهوزية لدى المقاومة بعد تجربتين اعجازيتين، والمقصود معركتا “سيف القدس” و”وحدة الساحات” بأبعادهما الوطنية الصلبة ومناعة محور المقاومة الصلبة، بينما قادة الاحتلال يسعون لترميم صورة الجيش والمؤسسة الأمنية على اختلافها عبر تكثيف المناورات لطمأنة ما يسمى الجبهة الداخلية التي أصبحت في حالة ترنح عبرت عنها بصورة جلية مجموعة عبرية تدعو الى الفرار من الكيان، كهجرة عكسية تحت شعار “لنغادر البلاد معا”.
ان واقع الحال في الكيان الصهيوني يظهر أنه يتخبط في أقسى أزماته الداخلية من تفكك الجبهة الداخلية وانكشاف صورة الجيش المهزوم وكذلك ضياع منظومته الأمنية ذات الإمكانيات المهولة أمام الضربات الفلسطينية الفردية في الداخل المحتل. وتدرك أجهزة الأمن الصهيونية حجم الجحيم الذي ستسقط فيه إذا غامر العدو بشنّ عدوان على أي جبهة من الجبهات. وما البأس الذي نحته الفلسطينيون تحت الاحتلال إلا عملية تراكمية كان الدرس الأول فيها أن هزيمة الكيان رغم كل ما يحوزه من أسلحة وإمكانات تقنية ممكنة لا بل يقينية بعد الهزيمة المدوية في العام 2000 وحرب تموز 2006 في لبنان والحروب على غزة في 2008 و2012 و2014، ليجد المحتلون بكل قواهم التي لا يستهان بها أنهم أمام مقاتلين من نوع جديد لم يشهدوا مثيلا له من قبل سواء على المستوى اليقيني أو الاعدادي النفسي أو الاعداد القتالي مع أداء سياسي لا يضع المساومة ضمن برنامجه، وهذان العنصران اللذان فرضا معادلة الردع الواقعية وهو ما عجل في وحدة جغرافية فلسطين والساحات في مواجهة الاحتلال في القدس والضفة والأراضي المحتلة عام 1948 في يافا واللد وعكا والرملة وحيفا والنقب مما خلق حالة ضعف أعادت صياغة التهديدات من قبل مجلس الأمن القومي الصهيوني باعتبار ما حدث تهديدا وجوديا.
حقيقة الأمر أن المنطقة أمام معادلة جديدة باتت يد محور المقاومة فيها على المستوى الاستراتيجي هي الطولى، أما التهديدات التي يطلقها قادة الاحتلال ضد محور المقاومة وقادته في الداخل والخارج فليست إلا دليلا على حجم المعاناة والفشل اللذين تتخبط فيهما القيادة الصهيونية الساعية الى انتزاع صورة الفوز بأي شكل ولا سيما عبر اتفاقات ابراهام المذلة لمن انضم اليها من أنظمة بخلاف ما تريده شعوبهم التي جاهرت بمكنوناتها خلال “مونديال” قطر.
بغض النظر عن تشكيل حكومة “متطرفة” برئاسة بنيامين نتنياهو وضمنها عتاة التلموديين، لأن كل الحكومات في كيان الاحتلال سواسية، فإن المرحلة المقبلة ستكون دخول العصر الفلسطيني من خلال محور المقاومة لأن الصدمات في الأفق تتزاحم أمام قيادات الاحتلال ولا سيما في دوائر صنع القرار الصهيوني مع تعبيرات واضحة بأن مستقبل كيان الاحتلال أصبح محل تساؤل من قبل قيادته بسبب الشروخ في الجبهة الداخلية التي أحدثتها انتصارات المقاومة التي شعت ليس فقط من المشرق العربي إلى مغربه، بل الى حيث يوجد ضمير وعقل وعدالة.