الربيع الحقيقي
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
كتب الشاعر اللبناني ميشال طراد واحدة من قصائده العامية وزينها بمقطع ذي دلالة بقوله “بلبل لوحده مابيعمل ربيع”. وحين سألته أجابني ان الربيع مفهوم متكامل، هو ظاهرة شاملة تلعب فيها الطبيعة ذروة انتفاضتها.
لم يظهر هذا في ما يصر البعض على تسميته بالربيع العربي .. اصرارهم فيه نوع من النكايات بعدما صمدت سوريا في عرينها العالي فانكشفت المنطقة تماما على حقيقتها، وانكشفت بالمقابل أسرار انفلات عواصم عربية دفعة واحدة، كأنها على موعد في ما آلت إليه، والواقع، ان حراك المياه الراكدة قد لا يصح بدون محرك حتى لو كان هواء عنيفا.
اليوم، خفتت أصوات المنشدين بهذا الربيع، دون تنازلهم عن تسمياتهم .. ما زالوا يراهنون على سقوط سوريا، بل يعتبرون انه حتمي، وبعدها سيتحقق طوفان جديد في المنطقة. لكنهم لم يعلموا بعد، ان كل ما أحاط بمدبري المؤامرة على سوريا سقط بعضهم والباقي على الطريق، في حين باتت المتغيرات شأن جميع من لعبوا بالدم السوري.
عندما نركز على سوريا، فنحن نعي دقة وصف المنطقة التي أبدت الثلاث سنوات الأخيرة انها مفتاحه. حين سوريا صمدت، ظلت القوة عند أهلها، بمعنى ان المشروع الذي يبدأ من طهران مرورا ببغداد ثم بدمشق وصولا إلى ضفاف الناقورة في اقصى جنوب لبنان، ولد وله أنياب، وتربى على نسق من المعرفة التي تؤدي إلى مناعة الذات، ومن شأن ذلك ان لا يؤدي إلى الهرم مهما تعبت به الأيام ..
واقع ذلك ان هذا الخط العميق الجذور بات أقوى، نال الكثير من الضربات وكان يخرج في كل منها اكثر قوة واكثر مناعة. ربما لا يفهم المراهنون على سقوطه انه في اللحظة التي ظهرت الصورة المثيرة في الصحف والإعلام عامة للثلاثي الكبير المتحد احمدي نجاد وبشار الأسد وحسن نصرالله كان المعنى قد اكتمل: لقد ولد العالم الذي سيغير، وفي آخر افق تغييره ان لا اسرائيل في منظوره، وبالتالي لا مكان للأميركي في مسيرة المستضعفين.
اليوم يخف غليان المنطقة، فلقد تعلم المناهضون لحرية الشعوب والملتفون بحبالهم، ان سوريا وحدها من يكتب ربيع الأمة .. ليس غيرها من يعرفه لأنها تتقن سمو الطبيعة في أعلى انتفاضتها .. الربيع السوري يبدأ بإغلاق اهداف المؤامرة، وباستمرار قدرات جيشها على اجتثاثها، وبمزيد من صبر السوريين الذي هو نصف النصر.
صحيح اننا تفاجأنا بلعبة الدم التي مارسها سوريون، ولم يكن ذلك من حساباتنا، الا ان الاعتذار عنه من سر الأسرار التي نعرفها عن العربي السوري الذي عاش في كنف دولته محاطا بعنايتها، بعدما قدمت له ما يشتهيه العيش الرغيد.
سنظل نتذكر حادثة “الربيع العربي” وكيف انطلت تلك الكذبة على كثيرين، واخذت في طريقها بعضا مما اعتقدوا ان ايامهم اقبلت، فإذا بها تدبر، واذا بأمانيهم ضفاف بلا شطآن.
سيظل العالم على حلم الربيع، وعليه ان لا يصدق اذا ما رأى عصفورا ان هنالك ربيعا او ان الربيع قادم، خصوصا اذا ما كان العصفور اسرائيليا..!.