الرابع عشر من آب.. يوم الإنتصار التاريخي للمقاومة في لبنان
صحيفة الوفاق الإيرانية-
أمل شبيب :
لم يكن ولن يكون تاريخ 14 آب يوماً عابراً في تاريخ الأمة، بل لا بد من القول أن هذا التاريخ أصبح منذ العام 2006 يوماً تاريخياً مجيداً، لا يمكن أن يغادر ذاكرة الامة وكل شعب توّاق الى الإنعتاق من واقع الهزيمة، والعيش رغم كل التحديات حياة عزّة وكرامة، قدّم لأجلها المئات من الشهداء في لبنان، منذ بداية الإجتياح الإسرائيلي للبنان حتى وقتنا الحالي.
33 يوماً من الحرب الهجينة الإسرائيلية على لبنان، صمد خلالها الشعب اللبناني اروع صمود، وقدّموا أروع الصور وتجلياتها عن رفض الإستسلام، بعدما دمّر الطيران الإسرائيلي أوصال الوطن، ودمرت الطائرات الحجر والبشر، حتى جاء الرابع عشر من آب حاملاً معه بشائر النصر الإلهي، واستسلم جيش العدو الإسرائيلي أمام ضربات المقاومة وتصدي الجيش اللبناني وصمود الشعب المقاوم رغم كثرة المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق ابناء شعب لبنان العزيز، وكل هذا كان تفسيراً واقعياً لحجم الهزيمة التي لحقت بالكيان الإسرائيلي بعد حربه على لبنان، وكان ثمن هذه الهزيمة، منذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا، هجمة استعمارية ارهابية تتعرض لها الأمة العربية، وتهدف الى إنهاء النتائج المهمة التي تحققت من هذا الانتصار الاستراتيجي.
فلو عدنا الى الـ 16 سنة قبل، اي الى تاريخ الرابع عشر من اب 2006، لوجدنا أن المواجهات البطولية التي خاضها المقاومون في ميادين القتال ببسالة، أذهلت الأعداء والأصدقاء على حد سواء. فالحرب الإسرائيلية، التي حشد لها الدعم الأميركي والغربي، حرب الـ33 يوماً، ومن بعض النظم العربية الدائرة في الفلك الأميركي، عجزت عن تحقيق النصر على المقاومة في كل ميادين الحرب، العسكرية والإعلامية والنفسية، إذ لم يتمكن الكيان الإسرائيلي وعلى الرغم من القصف والتدمير غير المسبوق، والمجازر النازية ضد المدنيين، وعلى مدى 33 يوماً من تحقيق أي تقدم على الأرض، أو إنجاز أي هدف من الأهداف التي رسمت لهذه الحرب، بل خرجت من لبنان بعد الحرب مطأطئة الرأس، وخرج أفراد جيشها في معظمهم الى المستشفيات العقلية، بعد الجنون الذي اصابهم من ضربات المقاومة الإسلامية ورجالها التي هزّت الكيان من داخله.
ونتيجة للصمود الشعبي، ودفاع الجيش وبطولات المقاومة، واللحمة التي أظهرت وقوف الشعب يداً واحدة، الى جانب الجيش والمقاومة، خرجت الى النور معادلة ” الجيش والشعب والمقاومة”، فكان لهذه المعادلة الصدى الواسع في إحباط مخططات العدو وعملائه وأعوانه في الداخل، الذين سعوا الى إثارة الفتن وإضعاف صمود المقاومين في ميادين الجهاد، لكن وحدة وصمود الشعب قدّم العزيمة لرجال الله في ميادين الجهاد، كما لا يجب أن ننسى الدور المهم لكل من رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والقوى الوطنية في ذلك الوقت، في حماية ظهر المقاومة وإحتضان النازحين من مختلف مناطق لبنان ومدّ يد العون الى كل نازح في لبنان.
في المقابل، أسهم دور رئيس الجمهورية العماد إميل لحود داخل اجتماعات الحكومة اللبنانية وفي مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، في الدفاع عن شرعية المقاومة وحقها في الدفاع عن لبنان واللبنانيين في وجه العدوان، وأسهم هذا الدور في إحباط خطط فريق 14 آذار برئاسة رئيس الحكومة آنذك فؤاد السنيورة للنيل من انتصار المقاومة ومحاولة تمكين حلف العدوان من الحصول على مكاسب سياسية، بعد فشل العدوان العسكري.
وعلى الرغم من محاولات إضعاف دور المقاومة، إلاّ أن الدعم الكبير وغير المحدود، سواء سياسياً وعسكرياً ومادياً، والذي حظيت به المقاومة والشعب اللبناني من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والجمهورية العربية السورية، ساهم ايضاً في إفشال أهداف العدوان الإسرائيلي، وكانت النتيجة إسقاط المقاومة للكثير من المسلمات في الصراع العربي الإسرائيلي.
إذاً، شكّل إنتصار المقاومة في الرابع عشر من آب 2006 نقطة تحول ثانية بعد الإنتصار الأول في الخامس والعشرين من شهر ايار عام 2000، وأسقطت المقاومة زيف ووهم إدعاء ما تسميه القوة الإسرائيلية التي لا تُقهر، وأثبتت المقاومة في إنتصارها المقولة الشهيرة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله “إن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”.
ومع كسر مقولة أو إدعاء ان الجيش الإسرائيلي لا يُكسر، تم اسقاط نظرية الأمن الإسرائيلي، هذه النظرية التي لطالما كانت بالنسبة للكيان الإسرائيلي تشكل عامل قوة، وذلك بعد أن استطاعت المقاومة أن تنقل الحرب من الأراضي اللبنانية الى عمق الكيان الإسرائيلي من خلال استهداف المقاومة الإسلامية الى أهداف عديدة داخل الكيان المحتل، والرعب الذي شكلته كلمة السيد حسن نصرالله: إلى ما بعد بعد بعد حيفا…هذه المعادلة حيفا مقابل الضاحية، وتل أبيب مقابل بيروت، ساهمت في فرض معادلة جديدة من توازن الردع والرعب الذي فرضته المقاومة الإسلامية منذ ذلك التاريخ وما زالت حتى يومنا هذا.
ولم يتوقف إنتصار المقاومة الإسلامية في لبنان خلال هذه الحرب على الناحية العسكرية والأمنية فقط، بل أثبتت المقاومة وفي كل مرة أنها قادرة على تدمير هذا الكيان الواهن حتى في داخله النفسي، فبعد أن كان العدو بارعاً في خوض حرب نفسية ضد لبنان، تفوقت المقاومة خلال حرب تموز في حربها النفسية، وجاء ذلك على لسان الخبير في علم النفس الإسرائيلي السياسي أدي ليبل، حين وصف السيد حسن نصرالله بـ “أبو الحرب النفسية”، حتى أن الإسرائيليين، الذين يتابعون كل حرف وكل كلمة وكل إشارة وكل لغة الجسد للسيد نصرالله، يصفون خطاباته ومواقفه بأنها الأكثر تأثيراً، حتى أن السيد نصرالله يشكل مصدر ثقة ومصداقية للداخل الإسرائيلي المحتل أكثر من قياداتهم.
وعلى الرغم من محاولات الكيان إسكات صوت الحق والحقيقة بالإعتداء على قناة المنار وإذاعة النور وتدميرهما، إلاّ أن الإعلام المقاوم لم يضعف عن نقل الحقيقة الى العالم إجمع، فكانت النتيجة إنتصار الإعلام المقاوم وفشل العدو مرة جديدة في تحقيق أهدافه، فكان لهذا الإنتصار أن يزلزل الكيان الإسرائيلي رغم كل دعائمه، كما شكّل زلزالاً كبيراً في الوطن العربي وتم إطلاق “نصر العرب” على إنتصار المقاومة في 14 آب 2006.
إذاً، وجد الكيان الإسرائيلي نفسه مرة جديدة أمام هزيمة ومرارة كارثية، كشفت عن عجزه حماية أمنه أو تحقيق اي هدف من الأهداف المنشودة في الحرب، هزيمة جيش كان يدعي أنه الجيش الذي لا يُقهر، لكنه قُهر أمام بضعة آلاف من المقاومين الأبطال، فكان لهذا الفشل والهزيمة تفجير ازمة عنيفة بل هي الإعنف من نشأته، ولا تزال نتائجها حتى هذه اللحظات، ولجأ بعدها العدو الإسرائيلي الى تشكيل لجنة فينوغراد للتحقيق بأسباب الفشل في الحرب، التي خلصت إلى الإقرار بالهزيمة أمام المقاومة.
امام كل هذا، كان إنتصار المقاومة هدية لكل الشعوب العربية، التي ترمي وتسعى الى تحرير أنفسها من وهم عدم القدرة على هزيمة القوة الصهيونية، فجاء هذا الإنتصار ليكون دافعاً لكل الشعوب، لا سيما المستضعفة منها، بأن الإرادة والعزيمة والصمود والتحدي قادرة أن تولّد أرقى أنواع الإنتصارات مهما تعاظمت قوة العدو، وخلق هذا الإنتصار نهوضاً عربياً شعبياً قلّ نظيره، تجلى ذلك في التظاهرات التي عمّت أرجاء الوطن العربي دعماً للمقاومة، ثم تبعه الحضور الميداني للوفود العربية والأجنبية في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب لبنان وفي كل شبر استهدفته الطائرات والصواريخ الإسرائيلية في لبنان، وشكلت المقاومة بخروجها منتصرة نموذجاً للمقاومة يحتذى بها في كل بلاد العالم لاسيما في سوريا وفلسطين واليمن والعراق وغيرها.
إنتصر لبنان بجيشه ومقاومته وشعبه، وأضاف لبنان الى سجلّه نقطة ذهبية في تاريخه، رغم كل التحديات الداخلية والخارجية، فإن المقاومة في لبنان صوت الشعب والضمير، وصوت الوطن الذي يعيش اليوم ذكرى النصر الإلهي الكبير.