الرئيس إبراهيم رئيسي ومشروع التغيير في إيران
صحيفة الوفاق الإيرانية-
عبد الجليل الزبيدي:
الإشارات، التي تصدر عن الرئيس الإيراني الجديد وطاقم الخبراء المحيط به، توحي بأن الرجل يحمل مشروعاً كبيراً للمرحلة المقبلة.
من النادر في الأنظمة الديمقراطية أن يشرَع الرئيس المنتخَب في التحضير لتنفيذ وعوده قبل أن يشكل الحكومة، وحتى قبل أن يجري حفل تنصيبه.
الرئيس الإيراني المنتخَب، إبراهيم رئيسي، بدأ مبكراً تنفيذَ واحدٍ من وعوده، عبر العمل على تحقيق الإجماع الوطني، واستثمار الملحمة الشعبية التي شهدتها الانتخابات الرئاسية في إيران في الـ 18 من حزيران/يونيو الماضي، لتهيئة الأرضية الداخلية تمهيداً للبناء عليها لاحقاً لتحقيق مشروعه في التغيير.
ومنذ الأسبوع الماضي، بدأ إبراهيم رئيسي اتصالاته بمعظم الشخصيات الفاعلة في الأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب التيار الإصلاحي، في مختلف تدرُّجاته.
أعلن إبراهيم رئيسي أيضاً إنشاء موقع إلكتروني، يطلب من خلاله بتزويده بآراء المواطنين والنُّخَب السياسية، بشأن الأسماء الأفضل، والتي تراها مُلائمة لشغل المناصب الحكومية، ولاسيما المتعلقة بالمنظومة الاقتصادية.
ولم يشترط في تحديد مواصفات المرشَّح للمنصب أن يكون عقائدياً ومؤدلَجاً، وإنّما أن يكون فقط: كفُؤاً، ثورياً وميدانياً، نظيفَ اليد، وينتمي إلى الشعب.
وفي قراءة سريعة لما ينشَر في الصحافة وعبر منصات التواصل في إيران، لَمْ يلحَظ توجيه انتقادات، أو سرد مقالات تشاؤمية، حيال الرئيس المنتخَب. فالكل، من أحزاب وقوى مدنية واجتماعية وصحافة، تساند هذا الرجل المنتخَب حديثاً ليتبوّأ منصب الرئاسة في إيران.
فالرئيس إبراهيم رئيسي يريد أن يؤكد موقفه الذي قال فيه إنه فوق الميول والاتجاهات، وإنه ليس مطالباً بمَنح الأفضلية لجهات سياسية وعقائدية كانت تقف خلف الدعم الذي حصل عليه خلال الانتخابات.
وفي التجارب السابقة، لم تُبدِ أغلبية الرؤساء الإيرانيين المنتخَبين اتجاهاً مستقلاً وواضحاً وعلنياً، ولم ينفتح أي منهم، إلى هذا الحدّ، على مختلف الفئات السياسية والمكوّنات المجتمعية.
حَرِصَ السيد إبراهيم رئيسي، منذ انطلاق ماراثون الحملة الانتخابية، على القول إنه ينتمي إلى تيار الثورة؛ الثورة التي ينبغي لها أن تحقّق الاستقلال والحرية والتنمية والرفاهية للشعب.ولا يتردَّد في القول إن لا عذر ولا تبرير إذا لم تتحقّق تلك الأهداف.
ويبدو أن السيد رئيسي بدأ فعلاً وضع ركائز منهجه الجديد وأطرها في إدارة البلاد، معتمداً على التفويض الشعبي الواسع.
من الحالات القليلة في تاريخ الانتخابات الإيرانية أن يحظى رئيس بأصوات أغلبية الناخبين في جميع المحافظات، وبفارق كبير عن أقرب منافسيه.
إن الإشارات، التي تصدر عن الرئيس الإيراني الجديد وطاقم الخبراء المحيط به، توحي بأن الرجل يحمل مشروعاً كبيراً للمرحلة المقبلة.فهو يعتقد أن إمكانات إيران الاقتصادية والسياسية تؤهِّلها لتحقيق قفزة استراتيجية، تتجاوز مفردة “الاتفاق النووي” والهاجس الأميركي.
في مشروعه الاقتصادي، يخطّط السيد رئيسي لإعادة تنظيم القطاعين الزراعي والصناعي وتوجيههما، وتوسيع دور القطاع الخاص في التجارة الخارجية، مع إعطاء الأولوية لاستئناف الحرب على الفساد والفاسدين.
ويستعين الرئيس الجديد بخبرات وبرامج معتبَرة، أعدّها منافسوه الستة الذين التقاهم، وسبق أن أعلنوا تسليم فريق الرئيس الجديد نُسَخاً من الطروحات والبرامج التي أعدّوها خلال الحملة الانتخابية.
وتميز المرشَّحان سعيد جليلي ومحسن رضائي بأنهما أعدّا أفكاراً ثورية وحديثة لتطوير الإدارتين الصناعية والزراعية في إيران، من قَبيل مشروع السيد جليلي عبر إنشاء منظومة لتطوير الإنتاج الزراعي، تبدأ من القرية، وشبيهة بالتعاونيات الزراعية في النظام الاشتراكي، لكن بانفتاح أكبر، وذلك في إطار رؤية غايتها إحداث ثورة زراعية على غرار تجارب ثورات اقتصادية جرت في دول متعدِّدة، بينها الصين وفيتنام.
أمّا على الصعيد السياسي، فمن المؤكد أنّ أي طموحات إلى ثورة وتغيير اقتصاديين واسعَين، يستدعي أن تكون لها هناك حاضنة سياسية مرنة ومنفتحة وتستوعب المتغيرات.
يبدو أن المرونة والانفتاح في توجهات السيد إبراهيم رئيسي يشِيان بأن الآمال بشأن تحوُّل اقتصادي كبير ستترافق مع تحوّل وتغير كبيرين أيضاً، على صعيد مزيد من الحريات السياسية والفردية والاجتماعية.فمبادرته إلى لقاء مدراء الصحف الإصلاحية ومسؤوليها، في إبّان الحملة الانتخابية، ودفاعُه عن حرية الوصول إلى المعلومات، ودعوتُه أيضاً الجاليات الإيرانية في الخارج إلى العودة والعمل بحرية في داخل البلاد، هي بعض المؤشِّرات والدلالات على أن الرجل قادم، وفي جعبته مشروعٌ يفْضى إلى التغيير، وعهد جديد في إيران.