الرأسمالية تكذب في تفاؤلها بشأن كورونا
صحيفة البعث السورية-
محمد نادر العمري:
يستمر وباء كورونا العدو الأبرز و الأول للاقتصاد العالمي هذا العام، كما كان عليه الحال خلال العامين الماضيين، ليزيد من وتداعياته، حيث بدأت مراكز الأبحاث العالمية تقرع أجراس الإنذار والتنبيه لتهيئة الحلول اللازمة لمرحلة التعافي، أي مرحلة ما بعد الوباء من قبل صناع السياسات.
وبحسب تقرير صادر عن مركز “استوكهولم” للدراسات, يشكل عام 2022 تحدياً للنظام الدولي واختباراً حقيقياً أمام الحكومات والمنظمات الاقتصادية لاكتشاف مدى قوة الاقتصاد العالم وتماسكه من عدمه, ومعرفة إذا كان التضخم ناجم كنتيجة ثانوية مؤقتة للوباء أم مشكلة دائمة تخفيه الإرادة السياسية لدول الرأسمالية الدولية.
وبالرغم من لغة التفاؤل الذي أبدته وكالة “بلومبيرغ “في استطلاع رأي أجرته لنخبة من الاقتصاديين، وأجمع خلاله الخبراء على أن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 4.4% في عام 2022، بعدما انتعش بنسبة 5.8% في عام 2021، وأن النمو العالمي سيعود، بدءاً من عام 2023 فصاعداً، إلى معدله طويل الأجل عند نحو 3.5%، كما لو أن جائحة كورونا لم تحدث قط, إلا أن خبراء أكاديميين آخرين نفوا هذه الصيغة التفاؤلية في ظل مؤشرات تؤكد أن ما فرضته كورونا من إجراءات احترازية وإغلاق جزئي أو كلي هو إعاقة عملية النمو الصناعي والزراعي وعملية التبادل التجاري بحكم توقف طارئ للتنقل بكافة أشكاله, وهو ما سبب ركوداً لبعض الدول بما فيها أميركا والدول الأوربية باستثناء الصين. فعلى سبيل المثال لا الحصر, يشكل عامل البطالة أحد أبرز الوجوه لتراجع عملية النمو الاقتصادي لا انتعاشها, فهناك ما لا يقل عن 5 ملايين أمريكي بالغ لا يعملون اليوم ممن كانوا موظفين بأجر في بداية عام 2020, ونحو 600 ألف شخص خرجوا من سوق العمل في بريطانيا مقارنة ببداية عام 2020، وخلال 18 شهراً ماضياً شهدت أكبر اقتصاديات في العالم، انكماشاً بنسبة 20% تقريباً. وعلى الرغم من تحسنه مؤقتاً بحلول منتصف عام 2021, إلا أن تطور جائحة كورونا فرض العودة للانكماش الاقتصادي مع مخاوف عدم القدرة على ظهور أجيال متسارعة لهذا الوباء، في حين أحدث كورونا نوعاً من المفارقة بين زيادة ثروة مالكي العقارات والذهب, مرخياً بظلاله على المستوى المعيشي للشرائح المتوسطة والفقيرة نتيجة التضخم الذي نجم عنه, حيث شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تضخماً في الأسعار للمستهلكين بلغ 6.8% سنوياً، وهو أعلى مستوى منذ أن تولى رونالد ريغان منصب الرئيس، ونحو ثلاثة أضعاف توقعات الاحتياطي الفيدرالي في بداية عام 2021.
وما يؤكد عدم صحة التصريحات المتفائلة هو التحول الذي شهدته لهجة صناع السياسة في أمريكا من القول إن التضخم هو “آني ومؤقت” خلال العام الأول من عمر الجائحة, إلا أنه “سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً للمضي قدماً وقد يحتاج إلى دفعة”، ولذلك يبحث صناع القرار عن حلول مؤقتة يظهرون فيها قوة الاقتصاد الرأسمالي, مثل دفع البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة ثلاث مرات على الأقل في عام 2022، وهو السلوك الذي اتبعه بنك إنكلترا، الذي يتوقع أن يتجاوز التضخم في المملكة المتحدة 6% في الأشهر المقبلة بعد أن كان أول من يبادر أثناء اجتماع حكومته نهاية عام 2021، لتبني قرر رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، في حين أن البنك المركزي الأوروبي لم يتبع ذلك النهج، والمتضمن رفع سعر الفائدة منذ أكثر من عقد, وهو ما أكدته رئيسة البنك كريستين لاغارد من أن الزيادة ليست واردة هذا العام أيضاً, بالرغم أن مستوى التضخم في منطقة اليورو وصل إلى أعلى مستوياته منذ 25 عاماً في كانون الأول2021، أي 5% في مدى عام، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة.
من المؤكد أن الاقتصاد الرأسمالي، والدول التي تتبناه, لن تعترف بسهولة بهشاشة آلياته ومؤسساته, وستلجأ إلى ابتداع أساليب لتخفي من خلالها نقاط ضعفه وعيوبه, وستبقى تصريحات المسؤولين تعكس الصورة غير صحيحة عن وضعه, لذلك التشكيك في مصداقية التفاؤل الذي يتم الترويج له هي كاذبة تعكس كذب هذه الدول وسياساتها.