الذكاء الصناعي: إدارة مستقبل العالم
موقع العهد الإخباري-
ياسر رحال:
قبل أيام وفي لقاء له مع النخب وأصحاب المواهب العلمية في الجمهورية الاسلامية قال الإمام القائد: “سيلعب الذكاء الصناعي دورا في إدارة مستقبل العالم. يجب الاهتمام بهذه القضية والغوص فيها، وينبغي أن نعمل بطريقة تجعلنا على الأقل بين الدول العشر الأفضل في هذا المجال”.
فما هو الذكاء الصناعي؟ ولماذا شدد القائد على الاهتمام به؟
تتقدم العلوم بشكل سريع، وقد وصلت ثورة التكنولوجيا الى مرحلة متقدمة ومتطورة جدًا وهي مرحلة الذكاء الصناعي الذي يستمد قوته من البيانات وخوارزميات معالجة البيانات والبيانات الضخمة والتطور الهائل والمستمر الحاصل في القدرات الحاسوبية، حيث أصبح للآلة القدرة على محاكاة العمليات الذهنية للعقل البشري، وباتت تنافس البشر في أعمالهم.
فالبرمجيات الحديثة تتميز بخصائص تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها بل أصبحت قادرة على التعلم والاستنتاج وأخذ القرارات في أمور لم تبرمج عليها مسبقًا.
اليوم يحتك البشر بمنتجات الذكاء الصناعي بشكل يومي دون يقظتهم لذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتمد على هذا الذكاء لترشيح الأصدقاء للمستخدم في “فايسبوك”، او اختيار التغريدات والفيديوهات وعرضها للمستخدم وفقًا لاهتماماته في “تويتر” و”يوتيوب” و”نتفلكس”، وتتمكن هذه البرامج من معرفة ذوق المستخدم من خلال مراقبة اهتماماته ومتابعاته.
ومن أبرز منتجات الذكاء الصناعي برامج المساعده الشخصية التي أصبحت منتشرة كحلول قائمة بذاتها مثل جهاز “ألكسا” من أمازون أو تطبيقات الهاتف المحمول مثل تطبيق “سيري” من “أبل” والمساعد الشخصي من “غوغل” وتطبيق المساعد الشخصي “كورتانا” من “مايكروسوفت”.
ومن تطبيقات هذا الذكاء برامج التعرف على الصوت والصور في مواقع التواصل الاجتماعي أو في البرامج الأمنية، وكذلك ما يعرف بروبوتات الدردشة مع الزبائن والعملاء التي تتيح لهم طرح اسئلتهم ومشاكلهم بلغات مختلفة، وحصولهم على الحلول من خلال برامج الذكاء الصناعي دون تدخل بشري في العملية الأمر الذي أدى إلى توفير كبير في التكاليف وفي عدد موظفي الدعم الفني في الشركات.
وفي مجال النقل استطاعت الشركات الكبرى وعبر استثمارات ضخمة في مجال الذكاء الصناعي تطوير السيارات الذاتية القيادة، حيث أصبحت هذه السيارات قادرة على التحكم والاستجابة بشكل سريع ودقيق للمؤثرات المختلفة على الطرق أثناء القيادة وأدت بالنتيجة إلى تقليل الحوادث والتكاليف.
وفي المجال الطبي انتشرت التقنيات الطبية الذكية بشكل كبير حتى في أكثر العمليات الجراحية المعقدة حيث أصبح بإمكان الجراح التحكم بأذرع الروبوت الذكي للوصول لأماكن دقيقة تعجز اليد البشرية عن الوصول إليها، وأيضًا استخدمت تقنيات الذكاء الصناعي في تحليل الصور الطبية وتشخيص الأمراض بشكل دقيق وسريع الى جانب التقنيات الطبية الذكية التي تساعد في الكشف المبكر على الامراض.
وتخطت تطبيقات الذكاء الصناعي مجال الأرض وتم تصميم روبوتات ذكية لمسح بيانات الفضاء البعيد وتحليلها والتعرف على الكواكب البعيدة وفهم كيفية تشكل الكواكب والتوصل لفهم أعمق للكون.
وقدمت تقنيات الذكاء الصناعي خدمات كبيرة في مجال المعالجة اللغوية الآلية فظهرت البرامج الآلية لكتابة التقارير الإخبارية في “اسوشايتد برس” ومجلة “فوربس” وكانت البداية في مجال كتابة التقارير التي تعتمد على الأرقام والإحصاءات مثل تقارير البورصة ومباريات كرة القدم.
ومن الميادين التي سجل فيها نجاح كبير لتطبيقات الذكاء الصناعي مجال الأمن، وخصوصًا في مجال أمن المعلومات حيث تم تطوير خوارزميات لتحليل الشبكات وحركة البيانات ورصد الحركات المشبوهة والتحذير منها او حجبها، وكذلك في برامج مكافحة البرامج الخبيثة.
بذلك نجد تطبيقات الذكاء الصناعي تدخل في مختلف مجالات العلوم الأمر الذي دفع بمختلف الدول لوضع الخطط ورصد الموازنات الضخمة ودعم الأبحاث والتطوير، ومع كل خطوة للأمام في هذا المجال تزداد المخاوف من التخلي عن مزيد من اليد العاملة الأمر الذي يتطلب إعادة التوجيه والتدريب للطلاب والمتخصصين لتكييف مهاراتهم واختصاصاتهم بما يتلاءم مع هذه الثورة المتنامية.
وهذا التطور في مجال الذكاء الصناعي وتطبيقاته يتطلب مواكبة في تطوير البنى القانونية لتواكب المتطلبات المستحدثة، فعلى سبيل المثال لو حصل حادث لسيارة ذاتية القيادة وأدى الى وفاة شخص ما، من الذي يفترض به تحمل المسؤولية؟ هل تقع المسؤولية على عاتق الشخص المالك للسيارة أو الشركة المصنعة أو الجهة الرسمية في الدولة التي منحتها رخصة العمل أو المبرمج الذي قام بتطوير البرنامج أو غيرهم؟
ويتطلب الأمر أيضًا وضع مجموعة من الضوابط الأخلاقية في المجالات التي يمكن أن نلجأ الى استخدام تقنية الذكاء الصناعي فيها، ومدى انسجام هذه التطبيقات مع الحريات الفردية وقيم المجتمع اذ انها في الحقيقة سيف ذو حدين، ففي ذات الوقت الذي يتم استثمار هذه التقنيات لتحقيق تطور البشرية وتأمين الرفاهية وسد حاجات المجتمع، من الممكن أن تستخدم في تطوير تطبيقات للتجسس والاحتيال ونشر الفيروسات وتطوير الأسلحة الفتاكة.
ومن الجوانب التي يفترض مراعاتها أيضًا التكلفة على البيئة اذ ان تطوير خوارزميات الذكاء الصناعي يتطلب قدرات حاسوبية ضخمة تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وبالتالي تؤدي لأضرار بيئية جسيمة، فعلى سبيل المثال منذ حوالي السنة أصدر أحد المراكز المتخصصة بأبحاث الذكاء الصناعي OpenAI نموذجا جديدا للمعالجة اللغوية تحت اسم GPT3 حيث تقدر كلفة القدرات الحاسوبية المستخدمة لتدريب هذا النموذج بـ 4.6 مليون دولار نتجت عنها كمية هائلة من الكربون تعادل كمية الكربون التي تنتجها السيارة في مسيرها مسافة السفر من الارض للقمر ذهابًا وإيابًا.
وبالعودة إلى خطابات القائد نتلمس التشديد الدائم على تعزيز الاكتفاء الذاتي والمواكبة المستمرة لكل جديد من خلال المفاهيم ـ التسميات التي يطلقها سماحته سنويًا مثل: الاقتصاد المقاوم غير المعتمد على الغير والمتجاوز لكل العقوبات والحصار، وإنتاج العلوم وعدم الاكتفاء باستهلاك المتأخر منها بالوصول إلى مجتمعاتنا.
هي حيوية علمية تكشف بعضًا من شخصية قائد فذ يقود الأمة نحو التقدم بكل المجالات، ويواكب أحدث ما تنتجه العقول في العالم.