الذخائر العنقودية تكشف وجه واشنطن الآخر
صحيفة البعث السورية-
هناء شروف:
إن قرار توفير الذخائر العنقودية لا يمكن أن يأتي على حساب القيم الأمريكية والديمقراطية، فقد انتقد النائب هولاهان، وهو ديمقراطي من ولاية بنسلفانيا والرئيس المشارك للحزبين الجمهوري والديمقراطي، تقديم القنابل العنقودية لأوكرانيا.
من أجل إطالة أمد الحرب في أوكرانيا، تقوم الولايات المتحدة بتسليح أوكرانيا بكلّ ما لديها من المساعدات المالية التي تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات إلى جميع أنواع الأسلحة مثل نظام صواريخ هيمارس والطائرات المقاتلة من طراز إف 16 وحتى الذخائر العنقودية، الأمر الذي أثار جدلاً دولياً.
يمكن أن يسبّب استخدام القنابل العنقودية مشكلات إنسانية، حيث إن العدد الكبير من القنابل الصغيرة التي تطلقها عرضة للتسبّب في إصابات عرضية بين المقاتلين والمدنيين. علاوة على ذلك، تنتج الذخائر العنقودية عدداً كبيراً من القنابل غير المنفجرة والتي تشكل خطورة بالغة على الأطفال الذين قد يخطئون فيها على أنها ألعاب، ويتعرّضون للأذى من جراء انفجار متأخر. حدّد مرصد الذخائر العنقودية 2022 ما لا يقلّ عن 149 ضحية من مخلفات الذخائر العنقودية في عام 2021 على مستوى العالم، ويمثل الأطفال ثلثيهم تقريباً.
ظلت الولايات المتحدة لفترة طويلة تنظر إلى الذخائر العنقودية باعتبارها “أسلحة مشروعة ذات فائدة عسكرية واضحة”، واشتهرت باستخدامها في العديد من حروبها من فيتنام ولاوس ومنطقة الخليج إلى كوسوفو وأفغانستان!.
في المراحل الأولى من الصراع، عارضت الولايات المتحدة بشدة استخدام القنابل العنقودية، وأوضحت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض بساكي وسفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة غرينفيلد أن الذخائر العنقودية هي أسلحة فتاكة للغاية. وفي أواخر العام الماضي أشار منسق مجلس الأمن القومي للاتصالات الإستراتيجية كيربي إلى قلق الولايات المتحدة بشأن طلب أوكرانيا للحصول على ذخائر عنقودية. كما دعا كبار المسؤولين في وزارة الخارجية إلى عدم زرع الألغام مثل الذخائر العنقودية في أوكرانيا بطريقة غير مسؤولة وهمجية. ولكن بعد بضعة أشهر فقط عندما أصبح الهجوم المضاد الذي شنّته كييف محبطاً، وأصبحت إمدادات الأسلحة التقليدية غير كافية، بدأ موقف واشنطن يأخذ منعطفاً كاملاً. ففي حزيران من هذا العام أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية فجأة أن الذخائر العنقودية مناسبة بشكل خاص لمهاجمة قواعد الدفاع الروسية. وفي تموز اتخذ الرئيس بايدن، على الرغم من الجدل وأصوات المعارضة القوية، قراراً بنقل الذخائر العنقودية إلى أوكرانيا.
ولضمان حصول كييف على القنابل، ذهبت واشنطن إلى حدّ التحايل على القيود القانونية المحلية. ووفقاً لقانون الاعتمادات الموحّد الأمريكي لا يجوز بيع أو نقل الذخائر العنقودية التي يزيد معدل فشلها عن 1 بالمائة. ومع ذلك فإن القنابل التي تمّ نقلها إلى أوكرانيا لديها معدل فشل يصل إلى نحو 2.35 بالمائة. استند البيت الأبيض إلى المادة 614 من قانون المساعدة الخارجية واستخدم الحصانة الرئاسية الخاصة والسلطة لإعطاء الضوء الأخضر لعملية النقل.
وكما هي الحال في كمبوديا ولاوس وأفغانستان، فإن الذخائر العنقودية المتبقية في أوكرانيا سوف تشكل كابوساً سيطارد شعبها لفترة طويلة قادمة. وبصرف النظر عن التهديدات الأمنية، فإن البقايا ستؤثر بشكل خطير على استئناف الإنتاج الزراعي في أوكرانيا. وقد قدّرت حكومة كييف أن أوكرانيا، باعتبارها مصدراً عالمياً رئيسياً للحبوب، لديها بالفعل نحو 160 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الملوثة بالذخائر الكامنة، بما في ذلك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، ومن شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على الإمدادات الغذائية العالمية ويؤدي إلى تفاقم أزمة الغذاء العالمية.
يخبرنا وجها واشنطن في هذه القضية مرة أخرى أن العم سام لا يأخذ أي معايير أو قواعد أو التزامات دولية على محمل الجد، كما أنه لا يهتمّ بحياة الأوكرانيين أو السلام في أوكرانيا. لقد أصبحت حرب أوكرانيا لعبة والولايات المتحدة على استعداد للفوز بها بأي ثمن.