الديموقراطية، عندما تصبح إساءة إلى رموز الإسلام
موقع الانتقاد الإخباري ـ
عقيل الشيخ حسين:
كما ولو أنهم التجسيد الأسمى للمحبة، ابتدع الصهاينة مفهوم “الكراهية” ليتهموا به، شأن الإرهاب، من يرغبون بتنحيته لسبب أو لآخر. ولم يعتم هذا المفهوم أن دخل في التداول وأصبح أثيراً في الخطاب الغربي، وبطبيعة الحال، في خطاب تلك الشريحة من الكتاب العرب الذين يتبنون علناً المواقف الغربية وعلناً أو سراً المواقف الإسرائيلية.
لذا لم يكن مفاجئاً لجوؤهم إلى استخدام المفهوم المذكور بإطلاقه على المتظاهرين الذين ينزلون إلى الشوارع، داخل وخارج العالم الإسلامي، للتعبير عن غضبهم إزاء الإساءتين اللتين وجهتا تباعاً من الولايات المتحدة وفرنسا إلى النبي الأكرم (ص) ومن ورائه إلى أكثر من مليار ونصف مليار مسلم ممن يتعبدون بمحبته وموالاته.
والملفت، بعد الحملات التي شنت بداية على المتظاهرين وحاولت تصويرهم على أنهم شراذم قليلة ومعزولة يحركها طابور خامس، أن أولئك الكتاب العرب اعترفوا بضخامة التظاهرات ووصفوا المتظاهرين بالـ “جماهير”، ولكنهم ألصقوا بهم صفة الرعاع والمتخلفين
فبنظر هؤلاء الكتاب أن الفيلم الأميركي المسيء (لم يتعرضوا بكلمة لمبادرة لو كانار أونشينيه والمواقف التعسفية للحكومة الفرنسية) رديء من الناحية الفنية وسخيف من ناحية مضمونه وأنه، بالتالي، عديم القيمة ولا يستحق الرد. وعليه ينبغي التعامل معه كما لو أنه لم يوجد، أي أن يبقى المسلمون في بيوتهم وأن يكتفوا بالإدانات اللفظية التي وجهها بعض القادة والمسؤولين الغربيين والمسلمين وحتى الإسرائيليين للفيلم المسيء.
أما أن يتظاهروا ويهاجموا السفارات الغربية ويحرقوا الأعلام الأميركية والإسرائيلية، فذلك بنظرهم سلوك رعاعي ينم عن الكراهية وخصوصاً عن نكران الجميل: أليس أن الجهات التي يعربون عن حقدهم عليها هي نفسها التي حررت ليبيا وأنقذت بنغازي من الإبادة، وأيدت وصول الإسلاميين إلى الحكم في ليبيا وتونس ومصر؟
لا يجدون من المناسب هنا أن يضيفوا أن تلك الجهات هي نفسها التي تراكم شتى اشكال الجهود منذ عشرين شهراً في العمل من أجل إسقاط سوريا. فذلك يشكل شهادة دامغة على أن نية الإسقاط نفسه كامنة في تفاصيل وعموميات التأييد الذي يحظى به من قبل تلك الجهات في ليبيا وتونس ومصر وكافة بلدان المنطقة.
لكن، وإدراكاً منهم بأن تداعيات حملتي الإساءة الجديدتين للرسول الأكرم (ص) قد شكلت ضربة قوية لمشروع تدمير سوريا، وحرصاً منهم على أن يظل تدمير سوريا في طليعة الأولويات على المستويين الإقليمي والدولي، وخوفاً من الانعكاسات السلبية للإساءات على مستوى الإسلاميين المشاركين في الحرب على سوريا، فقد حشر هؤلاء الكتاب اسم سوريا في سياق آخر من سياقات ردود الأفعال على الإساءة إلى رموز الإسلام الكبرى.
من هنا كان تركيزهم على ما أسموه بالخطر الذي تشكله التظاهرات على مسيرة الديموقراطية في بلدان ما يسمى بـ “الربيع العربي”. وهكذا صار بإمكانهم أن يصوروا الحرب على سوريا على أنها مسيرة نحو الديموقراطية، وأن التظاهرات ـ بسمتها الأبرز المتمثلة بالعداء للولايات المتحدة والكيان الصهيوني وامتداداتهما الإقليمية، أي للجهات الضالعة في الحرب على سوريا ـ قد أحدثت تغيراً في موازين القوى لصالح نظام الأسد الشمولي والديكتاتوري وغير الديموقراطي وما إلى ذلك من أوصاف تستخدمها الجهات الاستكبارية في التشبيح على الناس.
ولعمري إنهم محقون جداً في خوفهم من تداعيات الإساءات. فالوحدة جمعت صفوف المسلمين بدلاً من الفتنة الطائفية، ووحدت بين المسلمين والمسيحيين بدلاً من الفتنة الدينية. والغضب الجماهيري انصب على الغرب الاستعماري والكيان الصهيوني، وكل ذلك يقلب طاولة الحرب ضد سوريا على رؤوس مدبريها ويصب في مصلحة العرب والمسلمين وفي طليعتهم سوريا.
أما الديموقراطية التي يشبحون بها على الناس فإنها، وإن صلحت في عملية تضليل بعض الشعوب في بلدان الثورات الملونة، قد دخلت في مرحلة الاحتضار على مستوى الثورات العربية لا بل قبل اندلاع هذه الثورات بسنوات طويلة.
ألم تنكشف طبيعة تلك الديموقراطية كمسخرة وكفضيحة في الانتخابات التي فاز بها الإسلاميون في الجزائر عام 1991، ثم في الضفة الغربية عام 2006، ثم ألغيت بالقوة بدعوى أن الإسلاميين غير ديموقراطيين ولا يجوز لهم أن يصلوا إلى الحكم حتى بالطرق الديموقراطية ؟
ألا يكفي ذلك لتنبيه بعض الإسلاميين إلى الخطر الذي تشكله الفضيحة المتمثلة بالغزل المتبادل بينهم وبين قوى الاستكبار والهيمنة، تلك القوى التي تعلن صراحة، فيما يتجاوز الحرب على سوريا وإيران وقوى المقاومة، أن الزمن الحالي هو لصراع الحضارات أي، اختصاراً، زمن اجتثاث الإسلام على طريق تفكيك العالم تحت الراية الأميركية والصهيونية ؟