«الدولة الإسلامية»: من «البغدادي المؤسس» إلى «البغـدادي الخليفة»
يُشكّل تنظيم «الدولة الإسلامية» ظاهرة فريدة بين التنظيمات المماثلة. ويعود الفضل الأول في ذلك إلى هيكلية إدارية وتنظيمية عالية المستوى، تُدير شؤون «الدولة»، ما انعكسَ على الأداء العام للتنظيم على مختلف الصعد. فحصد، حتى الآن، «نجاحات» عسكرية واقتصادية وإعلامية
يُعتبر الزعيم السابق «أبو عمر البغدادي» صاحب الفضل الأول في إرساء الهيكلية العامة لـ«الدولة الإسلامية»، قبل أن يطوّرها الزعيم الحالي «أبو بكر البغدادي»، بما يخدم سيطرته المطلقة على مفاصل التنظيم في الدرجة الأولى، والمخططات التوسعيّة في الدرجة الثانية.
تعتمد البنية التظيمية لـ«الدولة» على هيكلية هرميّة يُشكل «الخليفة» رأسها. ويُشرف إشرافاً مباشراً على «المجالس» التي يُعتبر كلّ منها مفصلاً هامّاً في مفاصل «القيادة المركزية». وللبغدادي صلاحية تعيين رؤساء «المجالس»، ورغم أنه يستشير «مجلس الشورى» في شأنهم، إلا أن القرار الأخير يعود له. و«المجالس» كالآتي:
ــــ المجلس الشرعي: رغم أهميته الكبرى، بقي هذا «المجلس» بعيداً عن التداول الإعلامي، ولم تتطرق إليه التقارير الكثيرة التي حاولت سبر خفايا التنظيم. يترأس البغدادي المجلس مباشرة، ويضم في عضويته ستة أعضاء (تشبّهاً بهيئة الشورى السداسية التي وضعها عمر بن الخطّاب لاختيار خليفة بعده). ومن مهماته مراقبة التزام بقية المجالس بـ«الضوابط الشرعية»، واختيار «خليفةٍ» في حال موت «الخليفة» الحالي.
ــــ مجلس الشورى: يرأس هذا المجلس أبو أركان العامري، ومن مهماته تزكية المرشحين لمناصب الولاة، وأعضاء المجلس العسكري. يتراوح عدد أعضائه بين 9 و11 عضواً وهم من القيادات الشرعية التاريخية في التنظيم، ويختارهم البغدادي. نظريّاً، ويحق لهذا المجلس عزل أمير التنظيم.
ــــ المجلس العسكري: يتكوّن من رئيس، وبين 8 و13 عضواً (يزيد العدد أو ينقص بين فترة وأخرى). ترأس اسماعيل نجم (أبو عبد الرحمن البيلاوي) المجلس حتى مقتله في كانون الثاني الماضي، وحلّ محله وليد جاسم محمد (أبو أحمد العلواني)، الذي كان يشغل منصب «رئيس أركان المجلس». ويرجّح أن عمر الشيشاني حلّ محلّ العلواني رئيساً للأركان، أما المؤكّد فهو أنه بات عضواً فاعلاً في «المجلس» الذي يضطلع بكل المهمات العسكرية: التخطيط «الاستراتيجي»، وإطلاق «الغزوات»، وتقويم عمل «الأمراء العسكريين»، إضافة إلى شؤون «التسليح والغنائم العسكرية».
ــــ المجلس الأمني: يرأسه أبو علي الأنباري. وهو ضابط استخبارات سابق في الجيش العراقي، ويضمّ عضوين اثنين. يتولى المجلس الشؤون الأمنية للتنظيم، وكل ما يتعلق بالأمن الشخصي لـ«الخليفة»، ومراقبة عمل «الأمراء الأمنيين في الولايات والقواطع والمدن». كما يشرف على تنفيذ أحكام القضاء وإقامة الحدود، واختراق «التنظيمات المعادية»، وحماية التنظيم من الاختراق.
ويلعب دوراً في تشكيل «الوحدات الانغماسية» بالتنسيق مع «المجلس العسكري».
ــ الهيئات الشرعية: وهي من المفاصل المهمة للتنظيم. يرأسها أبو محمد العاني، ويُشرف على عمل «الشرعيين» في «الولايات والقواطع والمدن». وفق النسق الهرمي ذاته. ومن مهمات الهيئات «الإشراف على القضاء، والفصل بين الخصومات والنزاعات المشتركة، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، إضافة إلى «الإرشاد، والتجنيد، والدعوة، ومتابعة الإعلام».
التقسيمات الإدارية
قسّم التنظيم مناطق نفوذه إلى وحداتٍ إدارية أطلق عليها اسم «ولايات»، وبلغ عددها حتى الآن 16، نصفها في العراق، وهي: ولاية ديالى، ولاية الجنوب، ولاية صلاح الدين، ولاية الأنبار، ولاية كركوك، ولاية نينوى، ولاية شمال بغداد، ولاية بغداد. ونصفها الثاني في سوريا، وهي: ولاية حمص، ولاية حلب، ولاية الخير (دير الزور)، ولاية البركة (الحسكة)، ولاية البادية، ولاية الرقة. ولاية حماة وولاية دمشق.
وتقسّم «الولايات» إلى «قواطع»، وتضم الأخيرة المدن، وفق تسمياتها المُعتمدة قبل سيطرة التنظيم عليها. ومثال ذلك «ولاية حلب»، التي قُسمت إلى «قاطعين» هما «قاطع منبج» وتتبع له مدن منبج وجرابلس ومسكنة، و«قاطع الباب» وتتبع له مدينتا الباب ودير حافر. تنعقد السلطة الأعلى في كل «ولاية» بيد «الوالي». يعاونه «الأمير العسكري»، و«الأمير الشرعي»، الذي يرأس «الهيئة الشرعية» و«الأمني». فيما يُعتبر «أمير القاطع» السلطة الأعلى في كل «قاطع»، ويعاونه أيضاً «العسكري والشرعي والأمني»، الأمر الذي يتكرّر في المدن. يُشرف «الولاة» ومعاونوهم من «الأمراء» على «أمراء القواطع» ومعاونيهم. ويُشرف هؤلاء بدورهم على «أمراء المدن» ومعاونيهم.
المثلث الشرعي
يعتمد التنظيم اعتماداً أساسياً على ثلاثة «شرعيين»، كلّ منهم بمثابة «المفتي»، وهم:
ــ أبو بكر القحطاني: عمر القحطاني. سعودي الجنسية. غيّر شهرته من أبو حفص إلى أبو بكر، تحبّباً بالبغدادي وتقرباً منه. أشيعت أنباء عدة عن محاولته الانشقاق عن التنظيم في مطلع العام الحالي. غير أنه ظهرَ أخيراً في تسجيل مصوّر وهو «يُلقّن المسلمين صيغة مبايعة الخليفة، ويأخذ البيعة له». ما يُدلل على المكانة الرفيعة التي يحظى بها داخل التنظيم.
ــ تركي البنعلي: تركي بن مبارك بن عبد الله، سلفي بحريني. من مواليد أيلول 1984. درس عاماً ونصف عام في «كلية الدراسات الإسلامية» في دبي، قبل أن يُطرد منها بسبب «منهجه الفاسد ولعبه بعقول الشباب الإماراتيين»، ومن ثم رُحّل إلى البحرين، ليتوجه بعدها إلى الدراسة في «كلية الإمام الأوزاعي» في بيروت.
وخلال وجوده في لبنان، أقام صلات قوية مع عدد من مشايخ السلفيين. وقد أحسن استغلالها لتجنيد «الجهاديين» خلال الأزمة السورية. يعرف البنعلي بألقاب عدة؛ منها «أبو ضرغام» و«أبو همام الأثري».
ــــ عثمان آل نازح العسيري: سعودي الجنسية. حاصل على درجة الماجستير في أصول الفقه من جامعة الملك خالد في أبها. «نفر إلى الجهاد» في سوريا مطلع عام 2013. ولعب دوراً مؤثراً في الحد من الانشقاقات داخل التنظيم إبّان إعلان «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة» وحلفائهما الحرب على «داعش».
صهيب عنجريني – صحيفة الأخبار اللبنانية