الدور التركي في الصراع السوري..وقائع وآفاق
موقع العهد الإخباري ـ
فادي إسماعيل بودية:
قام رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية منذ فترة باستدعاء حافظ أسراره وأسرار الدولة -ذلك الرجل المتواضع قليل الكلام -السيد “خاقان فيدان” رئيس جهاز الاستخبارات التركي (الصندوق الأسود لأردوغان)، وأصدر إليه أمراً بتوفير كافة أنواع الإمكانات اللازمة لنقل معارضي الحكومة السورية المسلحين (من يُسمون بالمسلحين “المعتدلين”) من النقاط الحدودية التركية إلى الأراضي السورية.
لقد سعت تركيا خلال العامين الماضيين إلى خلق منطقة آمنة شمال الدولة السورية، (تشبه ما حدث لمنطقة كردستان العراق منذ عام 1991 وحتى عام 2003)، وقد بذلت الكثير من الجهد لإنجاز هذه الخطوة بدعم من المتحدة والدول الأوروبية، وقد أُرسل إلى محافظة “حلب” مئات الأشخاص من القوات التي تم تدريبها في معسكر يقع بالقرب من مدينة “غازي عنتاب” تحت إشراف مدربين أميركان وبنفقات هائلة من جانب المملكة العربية السعودية، وكان ذلك بتعليمات من أردوغان وبهدف إخراج هذه المحافظة من سيطرة الدولة السورية بشكل كامل. لقد دخلت هذه القوات إلى المدينة الحدودية “يايلاداغي” عن طريق محافظة “هاتاي”، ثم دخلت تدريجاً من هناك إلى محافظة “حلب” السورية.
كما نشرت كذلك وسائل الإعلام الغربية والتركية خلال الأسابيع الأخيرة الكثير من الأخبار حول نشر قوات عسكرية تركية على الحدود الجنوبية لهذا البلد وبالقرب من الحدود الشمالية لسوريا. الآن يمكن القول أن: مسار الأحداث في الأسابيع القليلة الماضية كانت على نحو عبرت معها كافة الأمور من مرحلة الاحتمالات ووصلت إلى مرحلة اليقين. ووفقاً لآخر الأخبار فإن تركيا في ظل الظروف الحالية للمنطقة تنوي شن هجوم على سوريا دون الحصول على تصريح شكلي من جانب القوى الدولية، وذلك حتى تستطيع من خلال خلق منطقة آمنة؛ تنظيم وتدريب أعداد أكبر من الإرهابيين في تلك المنطقة وقيادتهم لإسقاط بشار الأسد.
لقد بات واضحاً أن أي عمل عسكري لتركيا ضد سوريا يستلزم بالضرورة تعاوناً ودعماً واسع النطاق لـ “أنقرة” من جانب الجماعات المعارضة لدمشق. وفي هذا السياق يجب القول أن تركيا لا تستطيع التأكد من إخلاص المعارضة السورية لها من جانب، ومن جانب آخر فإنه في حالة دعم هذه الجماعات لتركيا، فسوف يتم تشويه وجه أنقرة لدى الرأي العام العالمي إلى حدٍّ كبير، ففي حالة دعم أنقرة للإرهابيين في سوريا، سوف ينظر الرأي العام العالمي إلى تركيا على أنها دولة إرهابية. لقد أصدرت “هافنجتون بست” كذلك تقريراً بتاريخ 12 أبريل يفيد بأن الأتراك والسعوديين يجرون في الوقت الراهن مباحثات رفيعة المستوى من أجل الاتفاق على تشكيل تحالف عسكري يهدف إلى الإطاحة ببشار الأسد من السلطة.
من ناحية أخرى فإن “جورسيل تكين” الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري؛ أكبر الأحزاب المعارضة بتركيا كان قد كشف في وقت سابق عن خطة الجيش التركي للقيام بعمليات عسكرية على الأراضي السورية ونقل ضريح السلطان سليمان، وذلك من خلال نشر تسجيل صوتي لـ “خاقان فيدان” رئيس جهاز الاستخبارات التركي (ميت).
و في هذا السياق أعلنت وكالة الأنباء “رويترز” أيضاً منذ فترة عن نشر صحيفة “جمهوريت” فيلمًا يفيد بإرسال أسلحة إلى أجزاء من سوريا. يظهر هذا الفيلم قوات الدرك وضباط الشرطة وهم يفتحون صناديق تحتوي على أسلحة وذخيرة داخل ثلاث شاحنات تابعة لجهاز الاستخبارات التركي. وصرح “رجب طيب أردوغان” رئيس الجمهورية التركية في حوار تلفزيوني له مع قناة (تي أر تي) الإخبارية، قائلاً: “إن الشخص الذي قام بنشر هذا الفيديو سوف يدفع ثمناً غالياً بكل تأكيد، ولن أدعه يفلت من العقاب”.
كتب “جان دوندار”، رئيس تحرير صحيفة “جمهوريت”، على صفحته في تويتر تعليقاً على تصريحات أردوغان، قائلاً: إننا صحفيون ولسنا خداماً للحكومة. وليس من واجبنا إخفاء الأسرار القذرة للحكومة والمخابرات التركية (ميت). وفي الإطار نفسه، نشرت “دويتشه فيله” أيضاً خبرَ نشرِ وثائق حكومية سرية تفيد بتوقيف شاحنات تابعة لجهاز الاستخبارات والأمن التركي (ميت) تحمل أسلحة وذخيرة إلى الجماعات المتطرفة المعارضة للحكومة السورية، عن طريق “حسين عوني جوش” محافظ “أضنة”.
كما جاء أيضاً في تقرير قوات الدرك في محافظة أضنة أن “حسين عوني جوش” لم يكن يسمح بعملية التفتيش، وقد بين أن الشاحنات المذكورة قد أرسلت بتعليمات من “رجب طيب أردوغان” رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وأنه غير مسموح له تفتيشها.
لم تنته الوثائق التي تفيد دعم تركيا للإرهابيين في سوريا وتدخلات هذا البلد في الشأن السوري عند ذلك الحد، حتى أن “داود أوغلو” رئيس الوزراء التركي كان قد أعرب عن قلقه الشديد إزاء النتائج التي أسفرت عنها السياسات الخارجية لهذا البلد، وكان ذلك في أحد اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية التركية والتي كانت قد عقدت بمشاركة جميع الأعضاء، وفق ما صرح به أحد أعضاء هذه اللجنة. لقد أعرب “داود أوغلو” في هذا الاجتماع عن حزنه لما آلت إليه الأزمة في سوريا وصرح قائلاً: “بالتأكيد أن معرفتنا بسوريا قد اقترنت بالضعف والقصور، وإن لم يتغير المصير القادم لها، فعلينا الاعتراف بأن تركيا على الرغم من التكاليف الباهظة التي تحملتها بتدخلها في الأزمة السورية، فهي لم تصل إلى أهدافها بعد، ويجب أن تعتبر نفسها ضمن الخاسرين في هذه المعركة”.
اعترف “جو بايدن” نائب الرئيس الأمريكي أيضاً فيما قبل -في خطاب كان له صدى واسع وأُجبر بسببه على الاعتذار ثلاث مرات-أن تركيا كحليف لأمريكا في الشرق الأوسط قد ساعدت في تشكيل الجماعات الإرهابية من أجل تغيير النظام في سوريا.
ساهمت تركيا كذلك بمساعدات مالية ضخمة من أجل إسقاط الحكومة السورية، ويمكن تلخيص الأعمال التي قامت بها في عدة نقاط على النحو الآتي:
1-بيع النفط الخام عن طريق مدينتي “بطمان” و”غازي عنتاب” الواقعتين في جنوب شرق تركيا وشمال شرق سوريا إلى شركات مثل “كايالار” و”بيلعنلار” و”دوغولو” و”بارنتلي”، والذي يحقق عائداً يبلغ مليون دولار يومياً لصالح الإرهابيين، وذلك من خلال أشخاص مثل “حسن ايكينتشي” و”مهمت بارتينلي” و”عثمان كايا” و”حيدر كاليسلار”.
2-بيع الآثار السورية القديمة عن طريق الأراضي التركية والذي حقق عائداً وصل إلى سبعة مليارات دولار حتى الأن.
3-بيع أعضاء القتلى من الإرهابيين والمواطنين والمعارضين إلى تجار أوروبيين عن طريق تركيا.
4-عقد صفقات ضخمة مقابل تحرير الرهائن والأسرى في الأراضي التركية.
5-بيع النساء غير المسلمات على أرض هذا البلد.
6-بيع المخطوطات والكتب القديمة المسروقة من سوريا والعراق.
7-بيع المعلومات التي يتم الحصول عليها من سوريا والعراق إلى أجهزة الاستخبارات في هذا البلد.
8-المساعدات المالية واللوجستية التي قدمها جهاز الاستخبارات التركي لـ “داعش” أثناء احتلال “كوباني”.
9-مساعدات من خلال مؤسسات خيرية وغير حكومية في ظاهرها؛ تابعة لحزب العدالة والتنمية التركي، وأبرزها مؤسسة “i.h.h”، والجدير بالذكر هنا أن مخازن ومكاتب هذه المؤسسة تمارس نشاطها في محافظة “هاتاي” التركية بشكل علني.
10-تحقيق عائد سنوي يبلغ قرابة المليار دولار تحصل عليه جماعة “داعش” الإرهابية من خلال تهريب الهرويين وفق ما أعلنه “فيكتور إيفانوف” رئيس الهيئة الفدرالية للرقابة على تداول المخدرات في روسيا.
من أكثر النتائج بديهية للتدخل التركي المتعدد الجوانب في سوريا ودعم هذا البلد للإرهابيين، هو تفعيل قدرة المعارضة لأردوغان والرأي العام التركي في الانتخابات الأخيرة، والتي سلبت منه فرصة تشكيل الحكومة، بل وأفصحت عن معارضتها بشكل علني وطالبت بإعادة النظر في السياسة الخارجية التركية. يمكن أن يمثل هذا الأمر إنذاراً بالخطر لأردوغان ومعاونيه في ما يخص دعمهم للإرهابيين في سوريا، حيث أنه لا يوجد إرهابي جيد وإرهابي سيء، وسيأتي اليوم الذي يذوق طابخ السمّ سمّه ...