الدور الأميركي في الصومال.. بلاد مفككة ومتشرذمة
موقع العهد الإخباري-
د. علي مطر:
على مدار ثلاثة عقود من الزمن تدخلت الولايات المتحدة الأميركية بالصومال، نهبت ثرواتها وارتكبت الجرائم بحق شعبها، تحت حجة التدخل الإنساني لوقف الحرب الأهلية تارةً، ومحاربة الإرهاب تارةً أخرى بغطاء دائم من الأمم المتحدة، لكن هذه البلاد بعد 30 عامًا من التدخل الأميركي مقسّمة متشرذمة متقاتلة.
خلف الحجج التي ساقتها واشنطن دائمًا والمتعلقة بالعمل الإنساني ومكافحة الإرهاب، كانت تسعى للسيطرة على الصومال، لكن في الحقيقة كانت هناك أهداف مخفية تجعل من الصومال مطمعًا للإدارة الأميركية، التي لطالما سعت للسيطرة على المواقع الجغرافية الهامّة ذات الثروات الضخمة، ومن هنا كانت أهمية السيطرة على الصومال، التي تقع في منطقة القرن الأفريقي في شرق أفريقيا ويحدها من الشمال الغربي جيبوتي، وكينيا من الجنوب الغربي، وخليج عدن من الشمال والمحيط الهندي من الشرق وأثيوبيا من الغرب، وتملك أطول حدود بحرية في قارة أفريقيا.
بدأت العلاقات الأمريكية الصومالية في يوليو/تموز 1960، في عهد الرئيس الأمريكي دوايت إيزنهاور الذي بادر الى تحويل قنصلية بلاده في مقديشو إلى سفارة في عهد الرئيس الصومالي آدم عبد الله عثمان، لكن المطامع الأميركية بموقع الصومال الاستراتيجي الذي يشرف على مضيق باب المندب، المنفذ الجنوبي للبحر الأحمر، جعلته يدفع الثمن، إذ كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز وجودها في الصومال للتحكم بحركة النفط القادم من بلدان الخليج، والتصدي لأيّ توسع روسي بالمنطقة، كما بنت قواعد عسكرية شمالي الصومال وخاصة أن جارتها أثيوبيا كانت حليفة لروسيا.
عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، ودخول الأميركيين إلى الخليج، والسيطرة على آبار النفط، بدأت واشنطن تسعى إلى إحكام قبضتها على المنافذ المائية الهامة والتي في مقدمتها إلى جانب مياه الخليج كان مضيق باب المندب. من هنا استغلّت واشنطن أحداث الصومال ودخلت إلى هذا البلد الفقير، ممّا زاد من تمزيقه وارتكاب جرائم بحق المدنيين فيه، خاصةً أن سواحل الصومال تمتد من البحر الأحمر مرورا بالبحر العربي وحتى المحيط الهندي.
بدأ تدخّل الولايات المتحدة في الصومال في عام 1992 من خلال عملية أعطتها اسم “إعادة الأمل” لمساعدة ضحايا المجاعة، تحت ذريعة إعادة السلام في الصومال الممزق بسبب معارك أمراء الحرب فيه، وقادت الولايات المتحدة قوة دولية ضمت 38 ألف جندي، بينهم 28 ألف أميركي وفقًا للقرار 794.
وفي أيار 1993، تولّت الأمم المتحدة قيادة العملية في إطار “عملية الأمم المتحدة في الصومال”، والهادفة إلى مراقبة وقف المعارك وتوفير الأمن في الموانئ والمطارات وفي محاور المواصلات الضرورية لإيصال المساعدة الإنسانية.
مُنيت عملية واشنطن ومعها عملية القوة الدولية بالفشل، ولقي 151 من جنود قوات الأمم المتحدة مصرعهم. وقتل ثلاثون جنديًا أميركيًا في معارك مع قوات الجنرال محمد فرح عيديد، الذي نفّذ العديد من الهجمات ضد الأميركيين في جنوب مقديشو. وكان قتل وشرد إبان ذلك آلاف الصوماليين، وزاد الشرخ في البلاد دون أن يؤدي هذا التدخل إلى حلّ النزاع بل فاقم منه.
وقال كيث ريتشبورغ، في صحيفة The Washington Post الأمريكية في مقديشو، في كتابه Out of America: “لم يبد أنَّ أي شخص يعير أهمية على الإطلاق لعدد القتلى الصوماليين”.
وبعد يوم 3 تشرين الأول 1993، الذي شهد مقتل 18 جنديًا أميركيًا وسحلهم في شوارع مقديشو، أعلن الرئيس الأميركي بيل كلينتون سحب قواته من الصومال في 31 آذار 1994، وغادر آخر جندي أميركي الصومال في نهاية آذار من ذلك العام، ووصفت منظمة Human Rights Watch في تقريرها لعام 1995 عن الصومال، يوم الإثنين الدامي، الذي طغى عليه موت الصحفيين والجنود الأمريكيين الـ18 الذين ماتوا بعد ذلك بثلاثة أشهر، بأنه يشبه عملية “قتل جماعي”. ومع ذلك، لم يُجرِ المسؤولون العسكريون الأمريكيون قطّ تحقيقًا حول الهجوم أو يصدروا اعترافًا رسميًا بمسؤوليتهم.
لكن عقب الهجمات التي استهدفت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا سنة 1998، وهجمات 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة، وُضع الصومال تحت رقابة أميركية مشددة بعد الاشتباه بإيوائه عناصر من شبكة “القاعدة”، التي تبنّت هذه الهجمات. وفي 2002، أقامت الولايات المتحدة قاعدتها العسكرية الوحيدة في أفريقيا في جيبوتي على بعد بضعة كيلومترات من الصومال.
وفي بداية 2006، دعمت واشنطن ماليًا تحالفًا من لمواجهة صعود بعض الجماعات. ومني هذا التدخل غير المباشر مجددًا بالفشل. وبعد أشهر من المعارك، التي أوقعت مئات القتلى، سيطرت حركة الشباب على مقديشو ثم معظم المناطق الجنوبية والوسطى من الصومال. وفي كانون الأول 2006، دعمت واشنطن رسميًا الهجوم العسكري لإثيوبيا المجاورة للصومال، الذين هزموا في غضون 12 يومًا، ولطالما تحدث بعض الباحثين عن وجود صلة مباشرة للأميركيين بدعم حركة الشباب.
ومنذ عام 2007 عادت القوات الأميركية للعمل داخل الصومال من خلال استهداف الحركة، باستخدام غارات جوية بما في ذلك استهداف ضربات بطائرات بدون طيار وصواريخ تم إطلاقها من سفن بحرية، وقد تصاعدت الغارات الجوية بشكل كبير في ظل إدارة ترامب، قبل أن يعلن الأخير عن سحب القوات الأميركية ليترك الصومال في ظل أوضاع أمنية شديدة الخطورة، بعد أن عملت واشنطن طوال تلك السنوات على ضرب البيئة الصومالية، وجعل المجتمع منقلب ومتشرذم ومفكك ومؤهل للإقتتال الدائم.
وعاد الجيش الأميركي لتنفيذ غارات في الصومال، منذ حزيران 2021 وهو افتتاح العمل داخلها في عهد إدارة الرئيس جون بايدن، ما يؤشر إلى عودة الضربات الأميركية في الصومال، بعد أن حدّ بايدن من استخدام الضربات من دون طيار دون الحصول على إذن مسبق.
لكن هذا التدخل الأميركي لا يجلب إلا ضرب الامن والاستقرار، تمزيق البلاد، فضلًا عن ارتكاب الجرائم، وقد كانت القوات الأميركية في الصومال، ارتكبت جرائم حرب، وهو ما أشارت إليه منظمة العفو الدولية “أمنستي” بالقول إن الجيش الأمريكي ارتكب انتهاكات في الصومال تصل إلى حد “جرائم حرب” خلال حربه على مقاتلي “حركة الشباب”، هكذا يظهر أن الولايات المتحدة الأميركية ما تدخلت في بلد إلا وخرّبته، من الصومال إلى أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها.