الدلالة الرمزية لإستخدام الادارة الأميركية أم القنابل
آزاد احمد علي:
لقد تردد كل من الرئيسين السابقين للولايات المتحدة الأمريكية في استخدام أكبر قنبلة تقليدية تمتلكها أمريكا ضد أهداف عسكرية، فقد تخوف جورج بوش الإبن من استخدامها في حرب الخليج الثانية وكذلك الرئيس أوباما لم يعطي القرار والضوء الأخضر لضرب مقرات مفترضة لإبن لادن قبل عدة سنوات، لكن بدأ الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مرحلة حكمه بإستخدام قنبلة (جي بي تو 43) المعروفة بأم القنابل ضد هدف ليس استراتيجيا في المحصلة، إنما قتل بحسب مصادر أفغانية وأمريكية ما يقارب مئة عنصر من تنظيم داعش.
فلماذا هذا الاستعجال والحماس في استخدم هذه القنبلة، فعلى ما يبدو أنه استخدام تجريبي سياسي قبل أن يكون عسكريا، يكمن وراء إلقاءه على وادي يحتوي على أنفاق لمرور وإختباء عناصر من التنظيم الارهابي عدة أهداف سياسية، أبرزها:
1- إرسال رسائل فاقعة إلى العديد من الجهات تذكر من جديد بأن أمريكا هي من تمتلك أقوى جيش وعتاد عسكري في العالم، ترجمة لأقوال يكررها ترامب في خطاباته وتصريحاته اليومية.
2- ترسيخ فكرة ومفهوم بأن أمريكا ستستخدم هذه القوة العسكرية الضاربة بالتوازي أو حتى قبل العمل الدبلوماسي.
3- الوفاء لفكرة ترامب بإزالة داعش من عن وجه الأرض، ممارسة القوة والأسلحة غير الاعتيادية ضد مواقع الإرهاب العالمي.
4- تحذير لكل من روسيا والصين في طريقة مقاربتهم لملف كوريا الشمالية.
يأتي إنفجار هذه القنبلة كحدث إحتفالي لبدء سياسات أمريكية راديكالية، فكأن القنبلة تدشن لمرحلة جديدة يمكن تعريفها وتوصيفها بمرحلة هيمنة الرأسمال المسلح على المشهد العالمي، هي مرحلة ذات علاقة بتعويم الإرهاب والتطرف الإسلامي، فضلا عن تراجع مساعي نشر الديمقراطية، وتلكوء لبرلة العوالم خارج أوربا وأمريكا، فالقنبلة ذات علاقة بسلوك الادارة الجديدة، هذا السلوك المنحاز لاستخدام القوة العسكرية الثقيلة.
يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة متجهة لتدشين مرحلة الرأسمالية المسلحة، عبر تجسيد عمق المتغيرات في منحى وسياسات الحزب الجمهوري، الأكثر قدرة على التجريب والمجازفة في السياسات الأمريكية الخارجية. إذ أن الأيام التسعون الأولى من حكم ترامب قد حددت بصيغة ما الخطوط العامة للإستراتيجية الأمريكية، التي ستستند على أدوات وعقول عسكرية في المقام الأول ومن ثم رأسمالية في الدرجة الثانية، بالتالي نحن لسنا أمام جنرالات يقودهم الساسة في واشنطن، بل قادة عسكريون يصنعون السياسة، فالإدارة الأمريكية الجديدة تتجه لتكون عملية تزاوج بين المؤسستين العسكرية – الأمنية والمالية الرأسمالية. حيث ستكون الإدارة الجديدة على الأرجح إدارة لمرحلة ما بعد ليبرالية الرأسمال العالمي، تخطيا لما أسست ومهدت لها العولمة تقنيا، إدارة تعمل على ترسيخ مرحلة يمكن تسميتها وتوصيفها بمرحلة الرأسمال المسلح (Reinforced Capitalism)، التي تأتي في أحد أوجهها كرد فعل على عدم القدرة على ليبرلة العالم ولا حل المشاكل الرئيسية للمجتمعات المعاصرة سلميا.
بالتوازي مع حدث إلقاء أم القنابل على أفغانستان هل يشكل توجه حاملة الطائرات (كارل فنسون) مع إسطولها المرافق نحو كوريا الشمالية مناورة أم استعدادا حقيقيا للحرب؟ هل هي عملية تخويف أم تمهيد لتهيأة المناخات للحرب؟ ثمة أسئلة أخرى ذات صلة تحتاج لإجابات لتفسير المشهد العالمي.
خاصة أن أوساط من المجتمع الأمريكي باتت تتقبل الحرب وتعمل على تعميمه عبر مقدمات وخطوات صريحة، فقد طالب أحد الضباط نتحوير وجهة الحرب نحو المكسيك، إذ “طالب شريف شرطة مقاطعة بتلر التابعة لولاية أوهايو الأمريكية، ريتشار جونس، باستخدام أم القنابل للقضاء على عصابات المخدرات المكسيكية”.
يظل موضوعا الحرب الواسعة وسيادة الرأسمال المسلح مرهونا ليس بإستخدام هذه القنبلة أو تلك على الرغم من دلالتها الرمزية، بل بطبيعة العلاقة القادمة بين أمريكا وكل من روسيا والصين، حقيقة توافقهم أم تنافسهم، خاصة في ملفي سورية وكوريا الشمالية اللذان سيساهمان في رسم الخط العام لسياسات الدول العظمى للمرحلة القادمة، فضلا عن مستوى إستخدام القوة العسكرية في الأشهر القادمة.