الدلالات الإستراتيجية لقمم الرياض الثلاث
موقع قناة الميادين-
عبد الخالق فاروق:
من الصعب فهم ما جرى في القمم الثلاث التي نظمتها السعودية وأسباب ودوافع تنظيمها، من دون ربطها بسياق التحولات والصراعات الكبرى الجارية في عالمنا اليوم.
في 3 أيام متتالية (من 7 إلى 9 كانون الأول/ديسمبر الحالي) وقبل أن يغادرنا هذا العام بكل ما حفل به من مآسٍ وأحزان، وكل ما حمله من فرص وتحديات، نظمت السعودية 4 لقاءات مهمة هي:
– قمة دول مجلس التعاون الخليجي الست.
– القمة السعودية–الصينية بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ.
– القمة الخليجية–الصينية المشتركة.
– القمة العربية–الصينية المشتركة.
وبصرف النظر عما تضمنته توصيات وموضوعات قمة مجلس التعاون الخليجي المعتادة والمكررة، فإن الأهم الذي سوف نتوقف عنده، وعند دلالاته هو مضامين ونتائج القمم الثلاث الأخرى، وما أنتجته من مسارات سياسية واقتصادية، وربما أمنية مستقبلية بين الأطراف المشاركة فيها.
بيد أن من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، فهم أو تفسير ما جرى في هذه القمم الثلاث وأسباب ودوافع تنظيمها، من دون ربطها بسياق التحولات والصراعات الكبرى الجارية في عالمنا اليوم، فيما يمكن وصفه بأنه “الانفجار الكبير” وفقاً لعلماء الفلك والجيولوجيا، وكذلك بالنسبة إلى علماء الإنثروبولوجيا المعاصرين.
أولاً: قراءة في السياق السياسي للحظة الراهنة:
بقدر ما نتج عن الانفجار الكبير في الكون قبل ملايين السنين من نشأة للمجموعة الشمسية وغيرها من المجموعات، التي ما زالت مجهولة على العقل البشري، فإن الانفجارات الكبرى التي أعقبت اندلاع نيران الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، والحرب العالمية الثانية 1939–1945)، والانهيار والتفكك المفاجئ لاتحاد الجمهوريات السوفياتية (1991)، قد أوجدت لدينا عالماً جديداً، ونمطاً آخر في العلاقات الدولية تأثّرت به الحضارة الإنسانية سنوات طويلة من الزمن.
العالم والعلاقات الدولية اليوم، وتحديداً بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي وربما قبله بعدة سنوات، لم تستقر على حال. صحيح أن هذا التفكك والانهيار دفع بعض الكتاب والمفكرين إلى القول بنهاية العالم، والانتصار النهائي والساحق للنظام الرأسمالي، وفي طليعته الولايات المتحدة والغرب الأوروبي، على النموذج الاشتراكي الذي كان يمثله ويجسده الاتحاد السوفياتي، لكن المؤكد أن هذا الانتصار الأوروبي وهذه الهيمنة الأميركية المطلقة على شؤون العالم لم تستقر إلا سنوات قليلة.
فقد أغرى هذا الانتصار المدوي الإمبراطورية الأميركية بالزحف نحو الضعف والانكسار، ذلك أن حصار العراق عام 1992، ثم غزوه عام 2003، والمقاومة الشرسة التي واجهت القوات الأميركية والبريطانية المحتلة، قد أجبرتها في النهاية على الخروج من هذا البلد بعد أن دمّرته مادياً، وفككته اجتماعياً، وقسمته سياسياً حتى يومنا الراهن.
ثم جاءت هزائم “إسرائيل” المتكررة على يد المقاومة اللبنانية، في أيار/مايو عام 2000، وفي آب/أغسطس عام 2006، -و”إسرائيل” بمثابة الحليف الأساسي، والذراع الطويلة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط- لتمثل خطوة أخرى في مسار خط بياني تنازلي لمشروعها في المنطقة، وربما في العالم.
وأدّى الإفراط الأميركي، ومن خلفه الأوروبي، في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية والحصار السياسي والدبلوماسي للدول والحكومات التي ترفض السياسات العدوانية الأميركية، أو على الأقل تتعارض في سياستها وبعض التوجهات الأميركية والأوروبية إلى تشكل بؤر تحدٍ ومقاومة وعناد ضد هذه السياسة الأميركية والغربية العدوانية.
صحيح أن هذه البؤر كانت تبدو صغيرة في البدء وغير مؤثّرة في الهيمنة الأميركية الكلية على العالم، بيد أن اتساع حركة المناهضة لسياسات الهيمنة الغربية، بعدما ضمّت دولاً مؤثرة بشكل أو بآخر في المسارح الإقليمية والدولية مثل: كوبا، وإيران، وفنزويلا، ثم روسيا، والصين، وإلى حد ما ماليزيا وغيرها.
وفي السنوات العشر الأخيرة، عادت الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخبارية إلى استخدام وسائل الانقلابات العسكرية والسياسية في بعض الدول والحكومات المناوئة للسياسة الأميركية، مثلما حاولوا في فنزويلا، وبوليفيا، ونيكاراغوا، وأخيراً في بيرو.
وفي المقابل كان النزوع العنصري والخطاب الاستعلائيّ في أميركا وأوروبا يتصاعد ضد كل ما هو غير أطلسي، فمرة توصف بعض الشعوب والمجتمعات بأنها جاهلة ومتخلّفة وتعيش في القرون الوسطى، ومرة توصف الصين بأنها مصدر “كورونا الصينية”.
صحيح أن ردود فعل هذه الدول والحكومات والشعوب على هذه السياسات الغربية لم تنجح في هزيمة هذا السلوك الغربي والأطلسي تحديداً، بسبب انفراد الولايات المتحدة، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي بهذه الدولة أو تلك، سواء يحكمها عسكريون مستبدون أو مدنيون مرتبطون بمصالح مالية هائلة مع المراكز الاقتصادية والمصرفية العالمية المهيمن عليها من دول التحالف الغربي، بحيث لم يتشكل تيار وموقف جماعي من هذه الشعوب والحكومات المتضررة من هذه السياسات العقابية والإقصائية.
في أي حال يبدو أن هذا في سبيله إلى التوقف الآن، وطبقاً لأحد قوانين الطبيعة فإن لكل فعل رد فعل مساوياً له في القوة ومضاداً له في الاتجاه، وكذلك وفقاً لأحد قوانين الجدلية المادية فإن “التراكمات الكمية تؤدي حتماً إلى تغيرات كيفية”.
والآن.. تبدو بشائر هذا التحول النوعي في عالمنا على النحو التالي:
1- الصراع الهائل الذى نتج عن الحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا -بقدر مأساويته الإنسانية ككل الحروب – انعكست تبعاته ونتائجه على كل بقاع الأرض. وبصرف النظر عن الخسارة الاقتصادية والعسكرية والإنسانية الروسية والأوكرانية المباشرة وغير المباشرة، فإن النتائج كانت وستظل كارثية على كامل البناء الأوروبي الذي جرى بناؤه منذ أكثر من 70 عاماً، سواء في مجال الطاقة والكهرباء، أو في مجال الصناعة، أو في مجال ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم، وارتفاع أسعار معظم مستلزمات معيشة الشعوب الأوروبية، جميعها تقريباً، أضف إلى ذلك انقطاع سلاسل الإمدادات للمحاصيل الزراعية والغذائية المصدرة من هاتين الدولتين (روسيا وأوكرانيا) إلى معظم شعوب العالم، بما يمثلانه من ثقل يتجاوز 30% من هذه الاحتياجات الغذائية، خصوصاً القمح والذرة وزيت الطعام وغيرها.
صحيح أن الولايات المتحدة هي بمثابة المستفيد الوحيد والأكبر من هذه الحرب، وما جنته شركاتها من أرباح هائلة في مجالات صادرات النفط والغاز، أو مبيعات الأسلحة لمعظم الدول الأوروبية وغير الأوروبية، لكنها أيضاً سوف تكتوي بنارها حينما يقع شركاؤها في أوروبا في وهدة الفقر والانفجارات الاجتماعية والسياسية لشعوبها.
2- وأدى الصراع الضاري على المسرح الأوكراني، والتورّط الأوروبي غير الحصيف، إلى اصطفافات جديدة على المسرح الدولي، فلم يكن من المتصور أو المقبول لدى الصين، وإيران، والهند، وفنزويلا، ودول أخرى، أن تقبل بهزيمة روسيا في هذه الحرب، ليس لتوافر مبررات سياسية وأخلاقية وحسب لدى القيادة الروسية بشن هذه الحرب، بل الأهم أن السلوك العدواني لحلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة قد أطلق جرس إنذار مخيفاً لطبيعة التحالف العدواني الأطلسي ومخاطر استمرار الهيمنة الأنغلو-سكسونية على هذا الحلف، وقد أدى هذا الاندفاع والغرور الأميركي إلى حد إعلان وثيقة الرئيس جو بايدن للأمن القومي في منتصف الأزمة، التي يسطّر فيها أن الصين تمثل منافساً وتهديداً محتملاً في المستقبل. كما أن مبيعات السلاح للجزيرة المنشقة (تايوان) -والزيارات المتكررة لساسة كبار وأعضاء في الكونغرس لتايوان، وعقد التحالف العسكري الثلاثي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا المعروف اختصاراً بـ(إيكوس) قد دق ناقوس الخطر لدى الصين تجاه النيات والسياسات الأميركية خصوصاً، والأطلسية عموماً.
3- من جانب آخر، فإن السلوك والسياسات الغربية عموماً والأميركية البريطانية خصوصاً قد أدّيا إلى تفجير تناقضات وصراعات في غير منطقة وغير دولة في العالم، مثلما هي الحال في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما في فلسطين المحتلة، واليمن والسعودية والإمارات، والأزمة في سوريا، وعدم الاستقرار في العراق، والتقسيم والتوتر الدائم في السودان، والحصار والتجويع في لبنان، والغرق المصري في الأزمة الاقتصادية والديون، والخلاف الجزائري المغربي، والأزمة العميقة وعدم الاستقرار في ليبيا…، وكذلك في مناطق أخرى مثل أميركا اللاتينية كوبا وفنزويلا وبوليفيا والبرازيل ونيكاراغوا…، وفي أفريقيا، كما في المحيط الهادئ. إذ تحوّل معظم أراضي العالم إلى ما يشبه الرمال المتحركة.
4- وهكذا نشطت القوى المناوئة أو المعارضة للسياسات الأميركية خصوصاً، والأطلسية عموماً، وعلى رأسها روسيا والصين في خلق كيانات سياسية واقتصادية موازية للنظام الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها، فأنشئت منظمة البريكس في 16 حزيران/يونيو عام 2009، ومن بعدها منظمة شنغهاى للتعاون والتنمية في 15 حزيران/يونيو عام 2015، وغيرها من التجمعات التي هي أقرب إلى التحالفات في صورتها الأولى.
5- مع تكرار الإهانات العلنية التي تعرض لها النظام السعودي، سواء من الرئيس باراك أوباما والإدارة الديموقراطية (2009-2016)، أو الرئيس دونالد ترامب وإدارته الجمهورية (2016-2019)، أو الرئيس الديموقراطي الحالي جو بايدن (2020- )، وخصوصاً تلك التي طالت ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد الاغتيال الوحشي للصحافي السعودي جمال خاشقجي، والتهديدات التي طالته، سواء تحت راية انتهاك حقوق الإنسان، أو الدعاوى القضائية المرفوعة من أهالي الضحايا الأميركيين جراء الهجوم الإرهابي على برجي التجارة العالمية في نيويورك في أيلول/سبتمبر عام 2001، والتهديدات الأميركية غير العلنية بوقف إمدادات السلاح والذخيرة إلى الملكة السعودية، لم يجد ولي العهد محمد بن سلمان، وهو الحاكم الفعلي والممسك بكل مقاليد الأمور في المملكة، لم يجد مساحة كافية للمناورة والتحرك، فظل معزولاً ومحاصراً أكثر من عامين كاملين حتى سنحت له الفرصة الثمينة الراهنة بسبب أزمة الطاقة المستعرة في العالم عموماً وفي أوروبا خصوصاً، من جراء سياسة العقوبات التي مارسها التحالف الأطلسي على روسيا واحتمالات توقف إمدادات الغاز والنفط الروسي إلى أوروبا. كل ذلك أجبر الرئيس الأميركي جو بايدن على زيارة المملكة السعودية في 15/7/2022، طالباً زيادة إنتاج السعودية وبقية الدول الأعضاء في “أوبك” التي تؤدي السعودية فيها دوراً كبيراً.
وهنا جاءت اللحظة التي يسترد فيها محمد بن سلمان كرامته المهدورة، وذلك بدفع مجموعة “أوبك+” بالتعاون مع روسيا، العضو القوي فيها في تشرين الأول/أكتوبر 2022 إلى خفض إنتاجها مليوني برميل يومياً بدءاً من مطلع عام 2023.
وهذا ما عده تحدياً كبيراً للرئيس الأميركي وإدارته كلها، خصوصاً أنهم على مشارف انتخابات تجديد نصفي للكونغرس الأميركي (النواب والشيوخ).
ثانياً: المكاسب الإستراتيجية التي تحققت للسعودية
مع أنها ليست المرة الأولى التي تنظّم فيها المملكة السعودية قمة من مثل هذا النوع، إذ سبق أن استدعت حكام دول مجلس التعاون الخليجي، ورؤساء وملوك الدول العربية والإسلامية، ونظمت هذا المهرجان الرئاسي للترحيب بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في أثناء زيارته المملكة في 20 و21 من مايو/أيار عام 2017، فإن القمم الثلاث الجديدة، وبحضور الرئيس الصيني قد اتخذت طابعاً جديداً وفريداً، فهي من ناحية تمثل ترحيباً غير مسبوق بزيارة أحد أكبر المنافسين للولايات المتحدة الحليف التقليدي والحامي للمملكة على مدار 80 عاماً أو ما يزيد، وهي تأتي في وقت وسياق غاية في الأهمية للملكة وربما للصين.
وعلى الرغم من المخاطر المحتملة لمثل هذا السلوك السعودي على العلاقة بالولايات المتحدة، فإن النتائج والمكاسب السعودية كانت تستحق المخاطرة، ومن أبرز هذه المكاسب الآتي:
1- على الصعيد الشخصي نجح محمد بن سلمان في الخروج من مأزق الاغتيال البشع للصحافي خاشقجي، فهنا وعبر هذه القمم الثلاث ترسخت أقدامه كقيادة مقبولة من جانب الصين وقياداتها، وكذا بقية رؤساء الدول العربية والخليجية.
2- إن المملكة وإن كانت سابقاً تتحرك ببطء وحذر في التعامل مع الصين وروسيا تجنباً للانتقادات، أو الغضب الأميركي فإنها الآن تتحرك بمساحة أكبر، بعيداً قليلاً من المظلة الأميركية، مستفيدة من الوضع العالمي الجديد الذي أشرنا إليه من قبل، وخصوصاً أزمة الطاقة الخانقة للعالم ودول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص. والحق أن سلوك المملكة ومحمّد بن سلمان يمكن وصفه بأنه أقرب إلى مشاغبات “الزوجة المهجورة” من الحليف الأميركي أكثر من كونه خطاً سياسياً إستراتيجياً متماسكاً ومستمراً.
3- في غياب زعامة عربية ومصرية ثقيلة بحجم جمال عبد الناصر، وتدهور الدور المصري تحت راية التسوية والصلح مع “إسرائيل” والخضوع للهيمنة الأميركية، نجحت السعودية في ترسيخ دورها وصدارتها للمجموعة العربية –ما عدا سوريا والجزائر حتى الآن– وظهرت كعامل محرك وموجه لمسارات سياسات هذه الدول العربية والخليجية.
4- من يقرأ نصوص البيان الختامي الصادر عن لقاءي القمة السعودية الصينية والخليجية الصينية، يكتشف أن المملكة السعودية نجحت في جر الموقف الصيني إلى مصلحتها في قضايا حيوية عدة مثل ذكر الجزر الثلاث المتنازع عليها بين إيران ودولة الإمارات (أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى)، وكذلك في الملف النوويّ الإيراني، وهو ما استدعى في اليوم التالي احتجاج إيران لدى الصين واستدعاء سفيرها في طهران لتسليمه مذكرة احتجاج. كذلك توافق الطرفان على التعاون الأمني والاستخباري، فضلاً عن التعاون في المجالات العسكرية والدفاعية إلى جانب مجالات كثيرة للتعاون في مقابل تأييد السعودية وبقية دول الخليج لمبدأ الصين الواحدة، وعدم تأييد المزاعم الخاصة باضطهاد طائفة “الإيغور” من المسلمين الصينيين. هذا إضافة إلى التعاون في مجالات الطاقة النووية وغير النووية وتنظيم الاستثمارات المتبادلة وترحيب الصين بانضمام المملكة لمؤسسات الشراكة ومبادرة “الحزام والطريق”.
وكذلك تلقت السعودية ترحيباً صينياً بما سمي جهود المملكة في محاربة التغير المناخي. والأهم تحيز الصين إلى الموقف السعودي والخليجي من الحرب السعودية والإماراتية في اليمن. وباختصار نستطيع القول إن السعودية قد جرت الصين إلى مواقفها في معظم قضايا المنطقة، فيما لم تحظَ القمة العربية الصينية إلا بتأييد الصين لمبدأ الدولتين ومساندة القضية الفلسطينية، وهو موقف ثابت ومستقر في السياسة الصينية منذ سنوات بعيدة.
5- كذلك اتخذت الأطراف الثلاثة: السعودي والخليجي والصيني موقفاً موحداً من قضية الديموقراطية، برفض إجبار الدول على اختيار النموذج الغربي والأميركي في ممارستها السياسية الداخلية، فلكل دولة اختياراتها المستقلة.
ويبقى السؤال المطروح: هل هذه القمم تعبّر عن مسار جديد في السياسة السعودية والخليجية على حساب علاقتها بالولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي؟
الحقيقة أن التشابك البنيوي بين اقتصادات هذه الدول الخليجية والغرب الأطلسي لا يمكن فصله بسهولة ويُسر، حتى إذا توافرت الإرادة السياسية لذلك وهو محل شك كبير، فالأموال العربية تكتنز وتستثمر في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وهي تقدر ببضعة تريليونات من الدولارات، وأسرار العائلات الحاكمة في هذه الدول تستودع في خزائن الأجهزة الاستخبارية الأميركية والغربية، ومواطن اللهو والقمار هناك، وأسواق السلع والخدمات تجد مكانها هناك. وإمكانيات العقاب الأميركية والغربية حاضرة وقائمة بدءاً من قانون “جاستا” ورايات انتهاكات حقوق الإنسان، وأسرار الهجوم الإرهابي ضد برجي التجارة العالمية في نيويورك ما زالت موجودة ويمكن تحريكها في أي وقت.
إذاً.. وفي ظل فوضى الرؤى الإستراتيجية التي تسيطر على العقل الحاكم في المملكة السعودية ومحمد بن سلمان وبقية دول الخليج، نحن أقرب إلى ما يمكن أن نطلق عليه “مشاغبات الزوجة المهجورة” من أجل استعادة الزوج الناشز. فهل تستمر هذه السياسة الخليجية تجاه الصين فترةً طويلة من الزمن.. لعلي أشك كثيراً في هذا.