الخيارات الاميركية في العراق.. اما الانسحاب او الانسحاب!
صحيفة الوفاق الإيرانية-
عادل الجبوري:
معطيات ومؤشرات عديدة، تؤكد ان مراكز صناعة القرار العليا في الولايات المتحدة الاميركية، تشهد قدرا كبيرا من الارتباك والحيرة والتخبط، بشأن كيفية التعاطي مع مستجدات الوضع العراقي، المرتبطة اساسا بتحديات وتبعات التواجد العسكري الاميركي في العراق، مع تزايد الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على القواعد العسكرية التي تتواجد فيها القوات الاميركية في العاصمة بغداد والانبار وصلاح الدين واربيل.
التصريحات الاخيرة التي ادلى بها المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون)، جون كيربي، تعكس الى حد كبير جانبا من ذلك الارتباك والحيرة والتخبط، ومن بين ما قاله كيربي في المؤتمر الصحفي الذي عقده مؤخرا، “ان الهجمات المكثفة على العسكريين الأمريكيين في العراق وسوريا تشكل تهديدا خطيرا، وان الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق من الاعتداءات التي تم تنفيذها على كوادرها خلال الأيام الأخيرة”، واكثر من ذلك، يضيف المتحدث باسم البنتاغون، “إنهم يستخدمون أسلحة فتاكة”!.
هذه التصريحات وتصريحات مشابهة لها من حيث المضمون، وردت على لسان مسؤولين اخرين، فضلا عن عشرات المقالات والتقارير التي نشرت وبثت في وسائل اعلام اميركية مقروءة ومرئية ومسموعة، تصور حجم مأزق واشنطن، وهي تقف شبه عاجزة عن التصدي للاستهداف المتكرر وبوتيرة متصاعدة لوجودها العسكري في العراق وكذلك سوريا.
في اوقات سابقة، كان اخرها، في الثامن والعشرين من شهر حزيران/ يونيو الماضي، جربت واشنطن الرد على استهداف وجودها العسكري، عبر ضرب مقرات الحشد الشعبي، بيد انها لم تحقق ما هو مطلوب، بل زادت الطين بلة، لأن تلك الضربات ولدت ردود فعل ومواقف رسمية وغير رسمية غاضبة ورافضة ومستنكرة، وبالتالي اتسع نطاق الدعوات الى اخراج القوات الاميركية من ارض البلاد.
والى جانب استخدام القوة العسكرية للرد على قصف القواعد العسكرية، فإن واشنطن حاولت توظيف ماكيناتها الاعلامية وادواتها الدعائية المختلفة، لخلق بروباغندا تصور ان الصواريخ والطائرات المسيرة لفصائل المقاومة ألحقت ضررا واذى كبيرا بالمدنيين العزل، وهذا في واقع الامر خلاف الحقيقة، لانه لو كان الامر كذلك فعلا، لما تأخرت الجهات الاميركية المعنية في تزويد وسائل الاعلام المرئية والالكترونية بما لديها من دلائل وبراهين تثبت تضرر المدنيين.
وفي خضم الارتباك والتخبط الاميركي، فإنه لا وجود لمؤشرات على توجهات وخطوات عملية من قبل واشنطن لترك العراق، بل يبدو ان العكس هو الذي يحصل، فماذا يعني ان يقوم (البنتاغون) بإرسال اللواء الاميركي الذي نفذ عملية اعتقال رئيس النظام السابق صدام حسين بمحافظة صلاح الدين اواخر عام 2003، الى العراق مرة اخرى بعد بضعة اعوام من مغادرته؟
وبحسب تقرير نشرته صحيفة “ذي غازيت”، يقول آمر اللواء المذكور العقيد ايكي سالي، “في مهمتها الحالية، فإن القوة ستنضم الى جهود تدريب ودعم القوات العراقية في مواجهة تنظيم “داعش” الذي سبق له ان احتل مساحات شاسعة من العراق وسوريا قبل ان يلحق به تحالف دولي الهزيمة”.
ويتألف هذا اللواء من اربعة الاف عسكري، وتلقى تدريبات على الانتشار العسكري والسيطرة على اراض واسعة، ويتمتع بالقدرة على التحرك بسهولة وسرعة على الطرقات السريعة اثناء عمليات نقل القوات في عربات مدرعة بهدف الانتشار والتمركز القتالي، كما تتمع هذه القوة بمعدات عسكرية من المدافع الى الطائرات المسيرة المخصصة للمراقبة الى المطابخ النقالة والمعدات الطبية.
وتزامن الاعلان عن ارسال هذه القوة العسكرية النخبوية الى العراق مع تأكيد صريح من البنتاغون مفاده “اننا موجودون في العراق بدعوة من حكومته لهدف وحيد هو مساعدة قوات الامن العراقية في جهودها لانزال الهزيمة بداعش، والولايات المتحدة اتخذت خطوة ضرورية ومناسبة ومدروسة هدفها الحد من مخاطر التصعيد، وايضا من اجل توجيه رسالة رادعة واضحة لا لبس فيها”.
واذا كانت واشنطن قد شرعت فعليا بسحب قواتها من افغانستان، لتفسح المجال لحركة طالبان بالتمدد والهيمنة، وكأن شيئا لم يكن طيلة عقدين من الزمن، فهي ربما ترى ان الوقت ما زال مبكرا جدا لاتخاذ ذات الخطوة في العراق، لاسباب ودواع ترتبط بطبيعة الوضع العراقي، وتشابك المصالح، وتداخل الملفات مع الفضاء الاقليمي، لكن المعطيات والوقائع على الارض، قد تفضي الى قرارات اخرى، في ظل اصرار المقاومة على تنفيذ الارادة الشعبية، وقرار البرلمان، ومطالب المرجعية الدينية بإنهاء التواجد الاجنبي من ارض البلاد، ناهيك عن الادوار السلبية الخفية لواشنطن وبعض حلفائها الاقليميين في اغراق العراق بالازمات والمشاكل الحياتية، بما يمكن ان يؤدي الى انفجار الشارع وخلط الاوراق بالكامل، ولعلها قد لاحت اشارات من هنا وهناك على دور تخريبي خطير لاجهزة مخابرات دول اقليمية قريبة من واشنطن في تفاقم ازمة الطاقة الكهربائية في العراق مؤخرا، من خلال عمليات تخريب لابراج وخطوط الطاقة، وفساد مكمل لها في المفاصل والمؤسسات الحكومية المعنية. اضف الى ذلك، تتحدث تقارير خاصة عن تزايد ملحوظ للتواجد المخابراتي الاسرائيلي بإقليم كردستان، وتؤكد بعض الاوساط المطلعة ان القصف الاخير الذي استهدف قاعدة حرير المحاذية لمطار اربيل الدولي، جاء على خلفية ورود معلومات دقيقة عن وصول عناصر اسرائيلية جديدة من جهاز المخابرات (الموساد) عبر مطار اربيل.
وواضح انه مع مرور الوقت، اخذت تتبلور قناعة راسخة لدى نخب سياسية واكاديمية واعلامية اميركية بعدم جدوى -او كلفة-البقاء في العراق، ومثلما تقول الباحثة المتخصصة بسياسة اميركا تجاه الخليج (الفارسي) بمعهد كوينسي، انيل شلين،”يبدو أن الخيار الأفضل هو إخراج القوات الأميركية من العراق”.