الخليج: لا لإجراء الإنتخابات النيابية في لبنان!
موقع قناة الميادين-
غسان سعود:
المعركة في كل محافظة الجنوب، إنما هي على مقعد نيابي واحد، بينما يضمن حزب الله وحلفاؤه 22 من أصل 23.
في مقاله، المنشور قبل يومين في صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، التي لا يُنشَر فيها ما يتعارض مع وجهة النظر السعودية الرسمية، كتب المحلل السياسي في الصحيفة منذ تأسيسها، إياد أبو شقرا، التالي: “لا يُعقَل إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفافة بوجود هيمنة سلاح خارج سلطة الدولة (…)”. وأشار إلى أن إصرار الولايات المتحدة وفرنسا على إجراء الانتخابات في موعدها، ما هو إلاّ إصرار على توفير “شرعية” إضافية ونهائية للهيمنة الإيرانية على لبنان، مختتماً مقاله بالقول إن نتائج الانتخابات معروفة سلفاً، ولا تهدف الانتخابات إلاّ إلى “شرعنة احتلال قوى الأمر الواقع”.
وبُعَيد أقل من 24 ساعة، كتب الأستاذ خلدون الشريف في موقع “المدن” القطريّ، تحت عنوان “المذكّرة الخليجية: الحل بعيدٌ ولا جدوى من الانتخابات”، أن ما يسعى الخليجيون لإثباته اليوم هو إقناع القوى الدولية الداعمة لإجراء الانتخابات، بعدم جدواها، مهما تكن النتائج.
كل ذلك بينما تُظهر النتائج الحقيقية للاستطلاعات خلاصات معاكسة بالكامل للأكاذيب التي يرددها مَن يصفون أنفسهم بخبراء الاستطلاعات عبر شاشات التلفزيونات، وهم في واقع الأمر مجرد موظفين في الماكينات الانتخابية الخاصة بالقوات اللبنانية والمجتمع المدنيّ.
وفي النتائج الحقيقية للاستطلاعات، التي يجريها بوتيرة شهرية وعلى نحو مكثف أحد مراكز الدراسات غير اللبنانية لإحدى أكبر السفارات الغربية في لبنان، ما يؤكد بالتفاصيل المملة أن نتائج الانتخابات تعاكس كل ما كان متوقَّعاً.
الجنوب: 22 لحزب الله وحلفائه – 1 غير معروف
في الجنوب، هناك ثلاث دوائر. في دائرة النبطية – بنت جبيل – مرجعيون وحاصبيا، هناك 11 مقعداً نيابياً (8 شيعة، 1 سني، 1 درزي، 1 أرثوذكسي)، يضمن حزب الله وحلفاؤه الفوز بها جميعها، بما في ذلك المقعد الدرزي، الذي كان يُراعى رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في تسميته.
وفي صور – الزهراني، هناك 7 مقاعد نيابية (6 شيعة، 1 كاثوليك)، يضمن حزب الله وحلفاؤه الفوز بها جميعاً أيضاً.
أمّا دائرة صيدا – جزين، التي تتمثَّل بخمسة مقاعد نيابية، فيضمن حزب الله وحلفاؤه الفوز بأربعة مقاعد (بمعزل عما إذا كان الوطني الحر أو حركة أمل من سيفوز بمقعد جزين الكاثوليكي)، لتحتدم المعركة بين الجماعة الإسلامية وبقايا المجموعات التكفيرية ورجال الأعمال الصيداويين على مقعد النائبة بهية الحريري، في حال لم تجد الأخيرة العذر الملائم للاستمرار في ترشيحها، وهو ما يرجح حدوثه بقوة تحت عناوين وطنية عامة. وعليه، فإن المعركة في كل محافظة الجنوب، والتي تتمثَّل بـ23 مقعداً نيابياً، إنما هي على مقعد نيابي واحد، بينما يضمن حزب الله وحلفاؤه 22 من أصل 23.
البقاع: 16 لحزب الله وحلفائه – 3 للمستقبل سابقاً – 1 مستقل – 1 للقوات – 1 للاشتراكي – 1 غير معروف
وفي البقاع، الذي يتألف من ثلاث دوائر، تفعل ماكينة حزب الله كل ما يلزم لتضمن الفوز بتسعة من عشرة مقاعد في بعلبك الهرمل (6 شيعة، 2 سنة، 1 كاثوليك، 1 موارنة)، ليفوز نائب المستقبل الحالي بكر الحجيري بالمقعد العاشر.
ويضمن حزب الله – بمعزل عن التحالفات – أنه والتيار الوطني الحر والبيوتات السياسية والطاشناق ورجال الأعمال المتحالفين معهم، سيفوزون بثلاثة مقاعد من سبعة في البقاع الأوسط (2 كاثوليك، 1 سنة، 1 شيعة، 1 موارنة، 1 أرثوذكس، 1 أرمني)، بموازاة احتفاظ عضو كتلة المستقبل، النائب غير الحزبي عاصم عراجي، بمقعده، كما يحافظ النائب ميشال ضاهر على مقعده، وتفوز القوات اللبنانية، في أفضل الأحوال، بمقعد، ليحتدم الصراع بين جميع المكونات الزحلية، بما في ذلك البيوتات السياسية والمجتمع المدني، على المقعد السابع.
أما في البقاع الغربي، الذي يتمثل بستة نواب (2 سنة، 1 شيعة، 1 موارنة، 1 أرثوذكس، 1 درزي)، فيفوز الوزير السابق حسن مراد وحزب الله والتيار الوطني الحر بأربعة مقاعد، بينما يحافظ النائب المستقبلي على مقعده، ويحافظ النائب الجنبلاطي، وائل أبو فاعور، على مقعده، في أفضل الأحوال.
وتكون النتيجة في محافظة البقاع 16 نائباً لحزب الله وحلفائه، في مقابل 3 لأعضاء حاليين في كتلة المستقبل النيابية أو مقربين منها، ونائب مستقل، ونائب في أفضل الأحوال لكل من جنبلاط (أبو فاعور) والقوات (عقيص)، ومقعد غير محسوم.
الشمال: 12 لحلفاء لحزب الله – 7 لميقاتي وللمستقبل سابقاً – 4 للقوات – 1 للمجتمع المدني – 4 غير معروفين
أمّا في محافظة الشمال، التي تتألف من ثلاث دوائر انتخابية أيضاً، فتضمن الأرقام للتيار الوطني الحر وحلفاء حزب الله في الطائفتين السنية والعلوية والحزب القومي، الانتقال في عكار، التي تتمثل بسبعة نواب (3 سنة، 2 أرثوذكس، 1 موارنة، 1 علوي) من نائبين حالياً إلى ثلاثة نواب، بينما يُفترض بلائحة النائب المستقبليّ المعادي للقوات اللبنانية، وليد البعريني، أن تفوز بثلاثة مقاعد، في أقل تقدير، لتحاول القوات اللبنانية، مع بقايا جبهة النصرة والمجموعات التكفيرية النائمة وعائلات مَن سبق أن قُتلوا خلال قتالهم إلى جانب “الدواعش” في سوريا، تأمين الحاصل الانتخابي للفوز بمقعد نيابي في أفضل الأحوال، وهي مهمة شاقة جداً وصعبة. ومع ذلك، يمكن القول إن القوات ستحافظ على مقعدها العكاري.
أمّا في طرابلس – المنية – الضنية، والتي تتمثّل بأحد عشر نائباً (8 سنة، 1 علوي، 1 ماروني، 1 أرثوذكس)، فتؤكد الأرقام قدرة حلفاء حزب الله، من النائب فيصل كرامي وزميله جهاد الصمد وجمعية المشاريع والحاج كمال الخير والناخبين العلويين والتيار الوطني الحر والمردة وجميع من في الأقضية الثلاثة، على الفوز بما لا يقل عن أربعة مقاعد في الانتخابات المقبلة. ولا يُفترض بكتلة الرئيس نجيب ميقاتي أن تتمثل بأقل من أربعة مقاعد أيضاً، لتحتدم المعركة بين مختلف مكونات الطائفة السنيةـ سواء المدنية أو المتطرفة أو الجديدة أو التقليدية، على ثلاثة مقاعد فقط.
وفي البترون – الكورة – بشري – زغرتا، التي تتمثّل بعشرة نواب (7 موارنة، 3 أرثوذكس)، فيضمن حلفاء حزب الله – بمعزل عن تحالفاتهم – من المردة والتيار الوطني الحر والحزب القومي والبيوتات السياسية ورجال الأعمال، الفوز بخمسة مقاعد، بينما تضمن القوات اللبنانية الفوز بثلاثة مقاعد، ويفوز ميشال معوض بمقعد، ويحتدم التنافس بين القوات ومعوض والمجتمع المدني، المموَّل من سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، على المقعد العاشر.
وفي خلاصة محافظة الشمال: هناك 28 مقعداً نيابيّاً، يضمن حلفاء حزب الله المسيحيون والسنّة والعلويون الفوز بـ 12 مقعداً منهاً، بموازاة حصول نواب المستقبل السابقين والرئيس ميقاتي على سبعة مقاعد، في مقابل أربعة مقاعد للقوات، ومقعد للمجتمع المدني، و4 مقاعد لا تُعرَف هوية من يمكن أن يفوز بها.
جبل لبنان: 17 لحلفاء حزب الله – 6 للاشتراكي – 5 للقوات – 4 للكتائب والمجتمع المدني – 3 غير معروفين
في جبل لبنان: دائرة جبيل – كسروان تتمثل بثمانية مقاعد (7 موارنة – 1 شيعة)، يضمن حلفاء حزب الله المسيحيون – بمعزل عن التحالفات وعدد اللوائح – الفوز بأربعة منها، في مقابل نائبين، في أفضل الأحول، للقوات اللبنانية، بينما يضمن كل من النائب المستقيل نعمة افرام وحزب الكتائب الفوز بمقعد. ويتمّ التنافس مع حلفاء حزب الله (سواء التيار أو النائب فريد الخازن) على المقعد الثامن.
أمّا في المتن الشمالي، الذي يتمثّل بثمانية نواب (4 موارنة، 2 أرثوذكس، 1 أرمن، 1 كاثوليك)، فيضمن حلفاء حزب الله، من التيار إلى الطاشناق مروراً بالحزب القومي والبيوتات السياسية، الفوز بأربعة مقاعد، في مقابل مقعدين للكتائب وحلفائه، ومقعد في أفضل الأحوال للقوات، لتحتدم المعركة بين جميع المكونات المتنية على المقعد الثامن.
وفي بعبدا، التي تتمثل بستة نواب (3 موارنة، 2 شيعة، 1 درزي)، يضمن حزب الله وحلفاؤه الفوز بأربعة مقاعد، في مقابل مقعد للقوات، ومقعد للاشتراكي.
وفي الشوف – عاليه، التي تتمثل بثلاثة عشر نائباً (5 موارنة، 4 دروز، 2 سنة، 1 أرثوذكس، 1 كاثوليك)، يضمن حلفاء حزب الله، من التيار الوطني الحر والأمير طلال إرسلان والوزير السابق وئام وهاب واللواء المتقاعد علي الحاج والحزب القومي والوزير السابق ناجي البستاني، الفوز بما لا يقل عن خمسة نواب (على الرغم من الإدارة السيئة لمعركة عام 2018، فإن التيار وأرسلان فازا وحدهما بأربعة مقاعد)، في مقابل خمسة نواب للحزب الاشتراكي، ونائب للمجتمع المدني، ونائب للقوات اللبنانية، ليحتدم التنافس بين حلفاء حزب الله والقوات والمجتمع المدني على المقعد الثالث عشر.
وتكون الخلاصة في محافظة جبل لبنان: 35 نائباً، يضمن حلفاء حزب الله الفوز بسبعة عشر نائباً منهم، في مقابل ستة للاشتراكي، وخمسة للقوات، و4 للكتائب ونعمة افرام والمجتمع المدني في جميع تنافضاته، و3 غير محسومين بعد.
محافظة بيروت: 8 حلفاء لحزب الله – 1 للقوات اللبنانية – 10 للمجتمع المدني
أمّا في دائرة بيروت الأولى، التي تتمثّل بثمانية نواب (3 أرمن أرثوذكس، 1 أرمن كاوثوليك، 1 موارنة، 1 أرثوذكس، 1 كاثوليك، 1 أقليات)، فيضمن حلفاء حزب الله، من التيار إلى الطاشناق مروراً بعدة شخصيات مستقلة، الفوز بثلاثة مقاعد في أقل تقدير، في مقابل مقعد للقوات، وأربعة مقاعد لمن يصفون أنفسهم بالمجتمع المدني، من المصرفيّ أنطون الصحناوي (لديه نائب يُدعى جان تالوزيان)، إلى النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان، إلى حزب الكتائب (النائب نديم الجميل)، إلى سائر المجموعات.
وفي دائرة بيروت الثانية، التي تتمثّل بأحد عشر نائباً (شيعيَّيْن، 1 إنجيلي، 1 درزي، 1 أرثوذكس، 6 سنة)، يفعل حزب الله كل ما يلزم مع حلفائه، وخصوصاً جمعية المشاريع الإسلامية، بما في ذلك تشكيل أكثر من لائحة، للفوز بخمسة مقاعد نيابية هذه المرة، بعد أن فازوا بأربعة في الانتخابات السابقة، بينما تحضر كل أنواع الأسلحة الانتخابية، داخل البيت الواحد، على المقاعد الستة الأخرى، بين كل من أيتام تيار المستقبل والنائب فؤاد المخزومي والعائلات البيروتية، وكل مَن هبّ ودبّ من مجموعات المجتمع المدنيّ، من دون أن يكون النائب وليد جنبلاط قادراً على ضمان المقعد الدرزي، في أي شكل من الأشكال.
وعليه، فإن مقاعد محافظة بيروت التسعة عشر تتوزّع وفق هذا النحو: ثمانية لحزب الله وحلفائه المسيحيين والأرمن والسنة، ومقعد للقوات، وعشرة مقاعد لمجموعة كبيرة من الأفرقاء، الذين يمكن وضعهم مع جميع تناقضاتهم في خانة المجتمع المدني.
في المحصّلة، فإن نتيجة المحافظات الخمس تؤكد أن حزب الله وحلفاءه يضمنون، بما لا يقبل أي مجال للشكّ، الفوز بـ75 مقعداً نيابياً، في مقابل 11 نائباً يدورون في فلك الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، في خطِّهما الوسطي، و7 للحزب الاشتراكي، و11 للقوات اللبنانية، ونائب واحد مستقل، و15 للمجتمع المدني في جميع تناقضاته، و8 غير محسومين بعدُ. وهو ما يدفع إلى التعامل بجدية كبيرة مع ما كتبته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، ثم خلدون الشريف في “المدن” القطرية: ما الهدف من إجراء الانتخابات، إذا كانت هذه نتيجتها؟
وإذا كان هذا هو ما يطرحه الخليجيون اليوم، فإن من الواجب التوقف عند ما يقوله رئيس حزب القوات سمير جعجع بشأن وقوف حزب الله خلف كل ما من شأنه “تطيير الانتخابات”، بحيث يبدو واضحاً، بالأرقام وممّا تكتبه الصحافة الخليجية، أن عدم إجراء الانتخابات في موعدها هو هدف الخليجيين، وليس أي أحد آخر. وليس لدى الخليجيين لتحقيق هدفهم غير أداة واحدة، اسمها سمير جعجع.
ما تكتبه الصحافة الخليجية، معطوفاً على جميع الأرقام الدقيقة السابقة، والتي خلصت إليها سفارات كبرى أجرت جميع أشكال الدراسات وأنواعها، وانتهت إلى هذه الخلاصات، معطوفةً على استعداد جعجع الدائم لأداء الأدوار القذرة، يجب أن تفتح العيون جيداً على ما يمكن أن تفعله القوات لإطاحة الانتخابات، مستفيدة من نجاحها في إقناع الرأي العام، عبر أدواتها الكثيرة، بكذبة كبيرة بشأن حتمية تحقيقها انتصارات انتخابية عظيمة، بينما لا يتجرأ مسؤول قواتي واحد، أو خبير استطلاعات، على تفنيد الدوائر، دائرةً دائرةً، من أجل إثبات ما يقوله. وهو ما يحول دون تصديق كثيرين أن القوات هي من سيقف فعلياً خلف أيّ أحداث أمنية من شأنها تهديد الانتخابات، نزولاً عند الرغبة الخليجية في عدم إجراء انتخابات تكون نتيجتها الوحيدة إعطاءَ حزب الله وحلفائه صكَّ الشرعية الشعبية.
هذا الأمر يحمّل الأجهزة الأمنية والقضائية مسؤولية هائلة لجهة الكشف السريع عن أيّ تحركات مشبوهة لتحقيق ما تتحدث عنه الصحافة السعودية لجهة إلغاء الانتخابات. عملياً، هم كانوا يعتقدون أن ضغوطهم الاقتصادية على الشعب اللبناني ستؤدي إلى تغيير سياسي في صناديق الاقتراع، تماماً كما كانوا يعتقدون أن “حرب تموز/يوليو” ستُنهي حزب الله، وكما كانوا يعتقدون أن جيوش التكفيريين ستُسقط النظام في سوريا وتُكمل زحفها إلى بيروت لترمي حزب الله في البحر، وكما كانوا يعتقدون أن ساكن معراب سيملأ فراغ الرئيس سعد الحريري، تماماً كما كانوا يتوهّمون أنهم سيهزمون حركة “أنصار الله” في اليمن خلال بضعة أيام، وسيُسقطون الرئيس السوري قبل صياح الديك، وسيُسقطون رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون بفعل الضغط التلفزيوني. لكنهم، مرة أخرى، يكتشفون أن الواقع في مكان آخر بعيد جداً عن أحلامهم. فماذا يفعلون: يكلّفون سمير جعجع حفظَ ما تبقّى من ماء وجهه ووجوههم عبر إطاحة الانتخابات، وتحميل حزب الله المسؤولية. أمر العمليات السعوديّ واضح، وليس لدى السعودية غير جعجع لتنفيذه.