الخلاف السعودي الإماراتي.. ابن سلمان يستخدم قوّته الناعمة
موقع قناة الميادين-
وسام إسماعيل:
لم يكن تربّع محمد بن سلمان على رأس السلطة تقليدياً، إذ إن توليه ولاية العهد بأسلوب مزج بين علاقته بوالده والقوة الخشنة أكّد انتقال الحكم إلى ورثة سلمان على حساب آل سعود.
لم يكن التوافق الذي حكم العلاقات السعودية الإماراتية لحظة إعلان المملكة العربية السعودية عن عمليتها العسكرية في اليمن تحت عنوان عاصفة الحزم إلا حالة استثنائية، إذ كانت العلاقة بين الطرفين محكومة دائماً بجو من التنافس والغيرة، إضافة إلى مشكلات الحدود التي رافقت قيام الدولتين.
وإذا كان الكثير من المحللين يؤكدون عمق العلاقة بين الممالك والإمارات الخليجية ربطاً بوحدة المسار والمصير الذي تم التعبير عنه من خلال تفضيل مجلس التعاون الخليجي كإطار للتعاون على حساب جامعة الدول العربية وغيرها، فإن تحليل هذه الإطار لا يرتبط بتوافق في الرؤى والمصالح، إنما يتعلق أكثر بسريان معادلة الحكم نفسها لديها، من حيث إن علاقة مجتمعاتها بالسلطة لا ترتبط بعقد اجتماعي سياسي أساسه ارتباط مشروعية السلطة بمجموعة من القيم والمبادئ التي توافقت تلك المجتمعات على ضرورة احترام السلطة لها، إنما تتأسس على معادلة قوامها مقايضة الطاعة للحاكم بحياة رغيدة تضمنها عائدات النفط، إضافة إلى اشتراكهم أيضاً بالحاجة، في ضمان استقرارهم، إلى العامل الخارجي المتمثل بالتحالفات الاستراتيجية التي جمعتهم بالغرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية.
بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، لم يكن تربّع محمد بن سلمان على رأس السلطة تقليدياً، إذ إن توليه ولاية العهد بأسلوب مزج بين علاقته بوالده والقوة الخشنة أكّد انتقال الحكم إلى ورثة سلمان على حساب آل سعود.
وانطلاقاً من طبيعة العلاقات داخل الأسرة السعودية الحاكمة، إذ أدى تفرّد بن سلمان بالحكم إلى إثارة حفيظة الأمراء الآخرين، اتجه محمد بن سلمان نحو الخارج ليجد لدى محمد بن زايد ما افتقده في الداخل السعودي، إذ كان ابن زايد خياراً وحيداً يمكن لابن سلمان أن يعتمده كمرجع يستفيد من خبراته وتجربته الشخصية في الحكم.
أما محمد بن زايد، فقد وجد في وصول محمد بن سلمان إلى السلطة في المملكة ضالته لناحية إمكانية الاستفادة من شاب قوي يحكم المملكة ويطمح إلى تكريس دور غير تقليدي لها، بما يسهل إمكانية استمالته والتأثير فيه أو استغلاله بما يساعد في تحقيق الإمارات لمشروعها.
ظاهرياً، اتفق الطرفان، أي محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، على تبنيهما مشروعاً سياسياً أساسه تركيز السلطة بين أيديهما في كلا الدولتين وطموحهما لإرساء نظام إقليمي يضمن هيمنتهما وعدم ظهور أي منافس، قومي أو إسلامي، مستفيدين من حالة العداء المعلن للجمهورية الإسلامية، ومن الدعم الأميركي لمشروع حربهما في اليمن.
وقد تقاطعت مصلحتهما في اليمن لناحية ضرورة القيام بعمل عسكري ضدها، إذ إن أطماع ابن زايد في ثروات اليمن وموقع جزرها وموانئها تقاطعت مع أهداف ابن سلمان بالقضاء على حركة أنصار الله التي تعد في العقل السعودي بمنزلة “تهديد استراتيجي إيراني” على حدود المملكة الجنوبية.
أما قطر، فقد أثبتت مرحلة الخلاف بينها وبين الإمارات والمملكة العربية السعودية أن الحصار الذي فُرض عليها لم يكن إلا تلبية لمصالح الإمارات العربية، وأن السياسة السعودية في هذا الملف لم تكن إلا انعكاساً للرغبة الإماراتية.
لذلك، جاءت قمة العلا الخليجية لتشكل إعلاناً شكلياً لبداية افتراق سعودي إماراتي، إذ إن المصالحة التي عادت من خلالها قطر إلى الحضن الخليجي لم تضمن للإمارات أي التزام بتنفيذ بنود تلك القمة.
في المبدأ، يمكن اعتبار الرعاية الأميركية للإمارات والمملكة العربية السعودية دافعاً لتسهيل توافق الطرفين على التحالف والتنسيق؛ فالاتفاق على الدخول إلى اليمن لم يكن ممكناً من دون احتضان أميركي، إذ إنه يناسب متطلبات الأمن القومي الأميركي.
وإذا قاربنا الاستراتيجيات التي كرستها الإدارات الأميركية منذ باراك أوباما وصولاً إلى إدارة بايدن، لناحية الانكفاء عن التدخل المباشر والاعتماد على الحلفاء في الحفاظ على متطلبات الأمن القومي الأميركي، سيظهر بوضوح مدى حيوية الحاجة الأميركية إلى التحالف بين المحمدين، إذ يُفترض بالتحالف بينهما أن يساعد في تخطّي أي تأثير سلبيّ لهذا الانكفاء.
وللإشارة، فإن جملة معطيات تجعل من السهولة بمكان إمكانية التوافق بينهما، وخصوصاً التشابه في شكل النظام وانعدام وجود أي خلاف عقائدي بينهما والاشتراك في العداء في تلك المرحلة تجاه الجمهورية الإسلامية والدولة التركية، إضافة إلى عدم وجود أي موقف أيديولوجي تجاه الكيان الإسرائيلي.
أما عما يمكن أن يسبب الافتراق الذي عبر عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ فمن خلال ما ظهر في التقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، والذي ربطت من خلاله ذلك الخلاف بالتنافس على القوة الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وأسواق النفط العالمية، يمكن التقدير أن سبب الخلاف الرئيسي يرتبط بسعي كل منهما إلى المسارعة لرسم خارطة نفوذه في المنطقة بعيداً من الآخر؛ فالتحالف الذي ساد بين الطرفين لم يكن إلا وسيلة حاول كل منهما، محمد بن زايد على وجه التحديد، أن يحقق من خلالها غاياته مستغلاً الطرف الآخر.
الانكفاء العسكري الإماراتي في اليمن، والتركيز على دور القوات الموازية اليمنية المدعومة إماراتياً، والتي تخطى عددها 90 ألفاً، تُرجما سعودياً على أنهما تخلٍ عن أجندة التحالف الذي تقوده السعودية ومحاولة للتخلص من المسؤولية أمام المجتمع الدولي.
وإذا كان اتفاق التطبيع الإماراتي والإسرائيلي قد أظهر عدم القدرة السعودية على ضبط سلوك الإمارات التي تظهر ميلاً نحو محاولة بناء موقع إقليمي إماراتي مستقل بعيد من التوجه والتوقيت السعوديين، فإن الخلاف الذي ظهر في أوبك نتيجة إصرار المملكة العربية السعودية على خفض الإنتاج في مقابل حاجة الإمارات إلى رفعه أظهر عمق الأزمة بين الطرفين ومنع أي محاولة للتستر عليها.
ما زالت الإمارات العربية المتحدة تظهر التزاماً صارماً بالتوجهات الأميركية تجاه الصين وأوكرانيا، وحتى في ما يتعلق بالمفاوضات السعودية اليمنية. وإذا كان من الممكن تحليل هذا الموقف في ظل التوجه السعودي غير التقليدي الذي لم يظهر أي حرج في التفلّت من التبعية الأميركية، فإن ذلك يؤكد أن العلاقة بين المحمدين دخلت مرحلة شبيهة بمرحلة الأزمة القطرية.
لن يتوانى ولي العهد السعودي عن محاولة إخضاع الإمارات العربية وإعادتها إلى الموقع الذي يراه طبيعياً لها؛ فمحاولة حصارها سياسياً، من خلال عدم التنسيق معها في التفاوض مع أنصار الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية والإصرار على موقع وسط في الأزمة الأوكرانية، استتبعت بمحاولة تعريتها مالياً من خلال الضغط على الشركات العالمية لنقل مقارها الرئيسية إلى السعودية حتى تستطيع الاستفادة من الاستثمارات السعودية.
وما يميز سلوك ابن سلمان في هذه المرحلة أنه لم ينزلق إلى مواجهة علنية صاخبة مع الإمارات، كما حدث سابقاً في مواجهة قطر، إنما نجح حتى اللحظة في تطبيق سياسة تستند إلى ما يتوفر لديه من أدوات القوة الناعمة، إذ جاء ما تسرب عبر “وول ستريت جورنال” بعد أكثر من 3 سنوات على خلافه مع ابن زايد مختلفاً عن سلوكه تجاه قطر أو اليمن.