الخطر الوجودي في المفهوم الإسرائيلي
موقع قناة الميادين-
أليف صباغ:
وجهتا نظر في “إسرائيل” من مسألة الخطر الوجودي؛ الأولى تقول إنها تتعرض لخطر من الخارج، فيما ترى الثانية أن الخطر الأكبر يكمن في ديناميكيات الداخل.
وجهتا نظر في “إسرائيل” من مسألة الخطر الوجودي؛ الأولى، وهي الرسمية، تقول إن “إسرائيل” تتعرض لخطر وجودي من القوى المحيطة بها، خاصة عند الحديث عن المشروع النووي الإيراني وأسلحة حزب الله والمقاومة الفلسطينية… إلخ. وهو خطاب رسمي قديم يتجدّد بين الحين والآخر باختلاف العدو المركزي؛ كانت مصر عبدالناصر تمثله، ثم العراق صدام حسين، فإيران الإسلامية… ودائماً كانت المقاومة الفلسطينية عدوّاً يمثّل تهديداً وجودياً في نظر “إسرائيل”.
أما الرأي الآخر فهو لا يرى أن “إسرائيل” تتعرض لتهديد وجودي من الخارج، لكن الخطر الأكبر يكمن في ديناميكيات الداخل، ويرى أن ضمان بقاء “إسرائيل” مرتبط الى حدّ كبير بتسوية ما، يرضى بها الشعب الفلسطيني. المفارقة، أن تلتقي وجهة نظر محور المقاومة مع وجهة النظر الإسرائيلية الرسمية، التي تروّج للخطر الوجودي من القوى المحيطة بـ”إسرائيل”.
في 26/6/2015، أي عشية التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، نشرت صحيفة “معاريف” نتائج استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، أجراه معهد كرتوغرافيا لصحيفة “واشنطن بوست”، يقول إن 49% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون أن الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران “يمثّل خطراً وجودياً على إسرائيل”. وهذا ما كرّره بنيامين نتنياهو عشرات المرات في ذلك الحين، وما يزال يكرّره، وفي هذه الأيام تبنّت حكومة نفتالي بينيت، أيضاً، المقولات نفسها. وذلك على عكس ما صرّح به رئيس الموساد، آنذاك، مئير دغان، بأن الاتفاق النووي لا يمثّل خطراً وجودياً على “إسرائيل”.
وكان رئيس الموساد الأسبق، تمير بدرو، قد صرّح أيضاً، في المؤتمر ذاته، بأن “إسرائيل ليست في خطر وجودي من الخارج”. كذلك قال إيهود باراك، الذي شغل أعلى المناصب السياسية والعسكرية، رئيس حكومة ووزير حرب وقائد أركان. فهل من تفسير لهذه التصريحات المتناقضة؟
مع ذلك، في المؤتمر الخاص بذكرى وفاة رئيس الموساد، مئير دغان، عام 2017، وهو الرئيس الذي عارض الحرب على إيران، علناً، في ظل حكومة نتنياهو، وقبل ذلك في ظل حكومة أولمرت، اكتفى يوسي كوهين، رئيس الموساد (2017) بالقول إن “على المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن تركز جهودها للتعلّم بعُمق عن أعدائها في منطقتنا، لكي تنتصر عليهم حين يتطلب الأمر ذلك، وسوف يتطلب”. وأضاف: “الشرق الأوسط هو ساحتنا البيتية، لذلك علينا أن نكون فاعلين فيه، علينا أن نخلق التحالفات، وأن نحدد المصالح المشتركة مع النظراء ومع الأعداء أيضاً، من زاوية معينة”.
أما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي آيزنكوت، فقد قال في المؤتمر نفسه عن سوريا: “أعتقد أننا نجحنا في انتهاج سياسة صحيحة جداً، بعدم تدخلنا علناً في سوريا، مع الحفاظ على مصالحنا، ولدينا مصلحة في أن يستمر هذا الواقع لسنين عديدة”. وهذا الموقف يعبّر إلى حدّ بعيد عن الاستراتيجية الإسرائيلية في استنزاف محيطها، لدرء الخطر الخارجي.
سيناريوهات التهديد الوجودي
في مذكرة رقم 198 لمعهد أبحاث الأمن القومي 12/2019 أعدّتها مجموعة كبيرة من الباحثين، كُتِب ما يلي: “نجحت دولة إسرائيل خلال 70 عاماً في تطوير قوة عظمى لافتة، عسكرية واقتصادية وسياسية، وتحولت إلى حقيقة قائمة. وحظيت باعتراف عملي من قبل بعض جيرانها. مع ذلك، حتى اليوم، بالرغم من إنجازاتها اللافتة، لا تزال تواجه تحديات أمنية تشمل أعداءً يخطّطون ويعملون لإبادتها”. وتضيف المذكرة، “في إطار البحث والتقييم، تمت دراسة خمسة سيناريوهات من التهديد الوجودي: (1) تبلور تحالف إقليمي عسكري ضد “إسرائيل”. (2) توسيع الانتشار النووي في الشرق الأوسط. (3) انهيار المنظومة الدفاعية الإسرائيلية نتيجة هجوم صاروخي مكثف، من قبل إيران وحلفائها. (4) عزل “إسرائيل” دولياً ومقاطعتها. (5) المس بوحدة المجتمع الإسرائيلي وفقدان هوية “إسرائيل” كدولة يهودية وديموقراطية”. وبهذا تتلخص مصادر القلق الوجودي من وجهة نظر إسرائيلية.
لتفصيل هذه السيناريوهات وتوضيحها، يعتقد كاتبو المذكرة “أن احتمال تبلور تحالف إقليمي، لديه القدرة والمحفّز ليضع “إسرائيل” أمام تهديد وجودي، هو غير واقعي في المدى المنظور، بسبب ظروف إقليمية عامة، وأهم هذه الظروف هو الانقسامات السياسية، والطائفية والفكرية، وعدم وجود قوة عسكرية كافية، وتراجع في تأثير الموضوع الفلسطيني على ديناميكية الحراك الإقليمي والدولي، وتقارب “إسرائيل” مع بعض الدول العربية، وهي تشترك معهم في التقارب مع الولايات المتحدة والمصالح المشتركة”. مع ذلك، ونظراً إلى ضعف احتمال هذا السيناريو، تقول المذكرة: “على “إسرائيل” أن تراقب تقلبات استراتيجية محتملة، يمكن أن تخلق تحالفات إقليمية تهدد “إسرائيل”. في المقابل، على “إسرائيل” أن تتخذ خطوات تعزّز أعمدة الأمن التي تحميها من التهديد، وفي مقدّمها بحس المذكرة:
1- تعزيز العلاقة مع أنظمة عربية براغماتية، وتقديم مساعدات لها بحسب قدراتها، لضمان استقرار الأنظمة، بوسائل دبلوماسية، واقتصادية وأمنية.
2- تحسين صورة “إسرائيل” لدى الرأي العام العربي على المستوى الإقليمي، من خلال التقدم في مسار التسوية مع الفلسطينيين، وتعميق التعاون المتعدد المجالات، مع إعلاء قيمة “إسرائيل” الإقليمية.
3- تحسين أنظمة الدفاع عن الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وخاصة الحرم القدسي، لأن المسّ بهذه المقدسات يمكن أن يفجّر غضباً واسعاً، وعاملاً محرّكاً، مع عوامل أخرى، لتبلور مثل هذا التحالف الإقليمي ضد “إسرائيل”.
تضيف المذكرة، بالعلاقة مع السيناريو الثاني والثالث “إن تحقيق سيناريوهات التهديد المذكورة آنفاً، مشروط بسيرورات لم تنضج أغلبيّتها بعد. لذلك، ومن اللحظة الزمنية الحالية، لا يزال لزاماً على “إسرائيل” أن تعمل لإيجاد أجوبة مناسبة تساعد على منع تحقيق هذه السيناريوهات. وعليه، لا بد من بلورة عقيدة أمنية مُحدَّثة تدمج بين الأدوات العسكرية القاسية وأدوات سياسية واقتصادية ناعمة، ضد التهديدات القائمة والمحتملة، وأن تعطى الأفضلية العليا لتقوية الأعمدة الأمنية التي من شأنها حماية “إسرائيل”، وفي مقدمها الحفاظ على التفوق الإسرائيلي النسبي في المجال العسكري، كما الحفاظ على حالة الردع النووي؛ تعزيز العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة؛ التوجه الى تسوية سياسية مع الفلسطينيين؛ تقوية التعاون الحكومي والمدني مع الدول العربية وتطويره، وخاصة مع المحور البراغماتي الموالي لأميركا – مصر والأردن ودول الخليج؛ الاستثمار في أمن الجبهة الداخلية وتحسين حالة الدفاع عنها”.
بعد تحليل السيناريوهات المذكورة، يقول كاتبو المذكرة، “يظهر مدى قوة أعمدة الأمن الإسرائيلي في مواجهة الخطر الخارجي”، لكنهم في الوقت ذاته ينبّهون من “سيرورات داخلية وأخرى إقليمية ودولية يمكن أن تهزّ المعادلات بين “إسرائيل” وأعدائها في غير مصلحة “إسرائيل”، وبذلك يتعاظم الخطر الوجودي المحتمل في المستقبل”. وهنا، يتضح للباحثين الفارق بين الخطر الوجودي الآني والخطر الوجودي البعيد المدى.
بين سباق التسلح وسباق العلوم والتكنولوجيا
هل يمكن أن تكون “إسرائيل” في خطر وجودي اليوم، وهي تحقق إنجازات كبيرة، اقتصادية وسياسية وتحالفات أمنية مع عدد من الأنظمة العربية، من المغرب العربي حتى الخليج، كانت في الماضي القريب ضمن أحلام الحركة الصهيونية وطموحاتها؟ من هذه الإنجازات، استثمارات عربية خليجية بمليارات الدولارات، وقد تكون بعشرات المليارات، في الصناعات الإسرائيلية المتطورة، (منها استثمارات معلنة وأخرى يجري التستّر عليها بوسائل مختلفة)، والاتفاق على مدّ مشاريع الغاز والنفط الخليجيين والسكك الحديدية، الى الشواطئ الإسرائيلية، والحصول على موطئ قدم في مضيق جبل طارق من خلال اتفاقية التطبيع والتعاون الأمني مع المغرب، وموطئ قدم آخر في مشارف مضيق هرمز من خلال التطبيع مع الإمارات والبحرين، وتعاون أمني علني ومناورات عسكرية جوية معلنة برعاية الولايات المتحدة، وجهد مستمر للحصول على موطئ قدم ثابت في مضيق باب المندب، من خلال علاقاتها مع السعودية والإمارات ودعمهما في عدوانهما المستمر على اليمن، وعلاقاتها أو شراكاتها الاستراتيجية المعلنة مع الإمارات العربية المتحدة، التي تخوض صراعات كبرى للسيطرة على أكبر قدر من الموانئ والمضائق في العالم، وبالذات من مضيق هرمز مروراً بموانئ ومضائق البحر الحمر، حتى موانئ ومضائق البحر المتوسط. كيف يمكن أن نقول: إن “إسرائيل” تعيش مرحلة انتكاسات متواصلة وهي تمر بغواصاتها العسكرية، الألمانيّة الصنع، والقادرة على حمل رؤوس نووية، من البحر المتوسط عبر قناة السويس، بحرية تامة، لترسو في بحر العرب، بهدف تهديد إيران؟ كل هذا من دون أن تعترف “إسرائيل” بأيّ حق من حقوق الشعب الفلسطيني، إلى درجة أن حكومة “إسرائيل” الحالية أصبحت تنكر وجود هذا الشعب؟!
مؤخراً، تُبرِز عناوين الصحف الإسرائيلية، على لسان رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير الحرب بيني غانتس، “القلق الإسرائيلي من رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران”، أكثر مما تُبرِز القلق من امتلاكها للسلاح النووي. نعم، “إسرائيل” قلقة من رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران أكثر بكثير من قلقها من امتلاك إيران للسلاح النووي، لأن رفع العقوبات يعني تطوراً متسارعاً في البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في إيران، وهي الدولة التي تمتلك كل مقومات هذا التطور، من قوى بشرية وموارد مادية وإرادة سياسية عليا مصمّمة على امتلاك مقومات السيادة الوطنية، في حين أن امتلاكها للسلاح النووي يعني إبقاء العقوبات الاقتصادية على إيران، ويعني، تعزيز مقولة العدو المشترك الذي تحتاج إليه “إسرائيل” لتعزيز التحالف الإسرائيلي العربي – الخليجي، وإعطاء الحركة الصهيونية مزيداً من النفوذ والهيمنة في الشرق الأوسط، وهذا ما يضمن وجودها وبقاءها في المستقبل. وبالرغم من أهمية تعاظم القوة العسكرية لحماية الكيان، تفهم إيران و”إسرائيل” أيضاً أن سباق التسلح بالعلوم والتكنولوجيا لا يقل أهمية عن سباق التسلح العسكري، بل هو أساس له.
الخطر الوجودي المشروعي أو التهديد الذاتي
استمراراً لما جاء في المذكرة أعلاه من سيناريوهات مرتبطة بالتهديدات الداخلية، رأى الجنرال احتياط، عضو الكنيست، وعضو لجنة الخارجية والأمن، إيال بن رؤوفين، في مقابلة مع روعي كاتس يوم الـ7 من شباط/فبراير 2018 أن “بنيامين نتنياهو يمثّل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل”.
لم يكن بن رؤوفين وحيداً في توصيف نتنياهو بهذا الوصف، بل العديد من السياسيين ورجال الأمن الكبار رأوا خلال السنوات الأخيرة أن “نتنياهو يمثّل خطراً وجودياً على إسرائيل”. وبسبب الشعبية التي حظي بها نتنياهو، كان الشعار الأساس للحملات الانتخابية الأخيرة يقول: “لا بد من إنقاذ إسرائيل من نفسها”.
الأساس في ذلك أن نتنياهو حاول خلال فترة حكمه إلغاء دور المؤسسات التي لعبت دوراً كبيراً في بناء “الدولة”، وتحديد استراتيجيتها، والحفاظ على يهوديتها وطابعها الديموقراطي/ المؤسّساتي، ومنها المحكمة العليا، وقد حاول نتنياهو حصر القرار بين يديه، معتبراً أنه الوحيد الذي يعرف ما هي مصلحة “إسرائيل”، وهو مستعد لأن يفعل كل شيء للتملّص من لوائح الاتهام الخطيرة التي تنتظره في المحكمة.
إلى ذلك، لا بد من التوقف، أيضاً، أمام ما جاء في مقابلة مع يعقوب شاريت، ابن الخامسة والتسعين عاماً، وهو ابن أول وزير خارجية لـ”إسرائيل”، موشيه شاريت، وأمام حملة شرسة تعرض لها، عندما قال لصحيفة هآرتس في 19/9/2021 إن “إسرائيل والمشروع الصهيوني وُلدا بالخطيئة”. يذكر أن يعقوب شاريت قد خدم في عصابات البلماح في شبابه، وتطوّع في اللواء اليهودي البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، وعمل ضابطاً في الشاباك بعد النكبة، لكنه تحوّل الى مناهض للصهيونية في شيخوخته، ويشجّع الشباب اليهود على الهجرة. هذه الخطيئة، يقول شاريت، “تلاحقنا وسوف تلاحقنا وتعلق بنا. نحن نبرّرها، حتى أصبحت تمثل قلقاً وجوديا يعبّر عن نفسه بشتى الطرق. وهناك تيار قوي تحت سطح الماء”. ويذكّرنا شاريت هذا بمقولات البروفيسور الراحل يشعياهو ليبوفتش عن مستقبل زوال “إسرائيل” بفعل التدمير الذاتي.
منذ النكبة وإقامة الكيان الإسرائيلي، حتى اليوم، يشعر الإسرائيلي بخوف شديد من أي تعبير عن الهوية الفلسطينية. كان آخر مثال على ذلك، تغريدة للصحافي فرات نصار، مراسل القناة العبرية الـ 12، على حسابه الخاص (تويتر)، يوم العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، باللغتين العبرية والعربية، حيت كتب: “أمطار غزيرة في المناطق كافة، نتانيا/أم خالد”.
لقد أثارت هذه التغريدة القصيرة مئات المتابعين الصهاينة لمجرد أنه ذكر اسم القرية “أم خالد”، التي بُنيت على أنقاضها وأراضيها مدينة نتانيا. مئات التعليقات التي اتّهمته باللاسامية ومعاداة الصهيونية ومعاداة الدولة، حتى إن أغلبية التحريض كانت تستهدف فصله من عمله، لأن مثل هذا التعبير في نظرهم “يمثّل خطراً وجودياً على الدولة”. مثل هذه الحادثة يمكن أن توفّر لنا حالة نموذجية لما يشعر به المستوطن الصهيوني في نفسه من خطر وجودي، وأيّ خطر!
في التحليل
في مجمل ما يتحدث به الخبراء الصهاينة عن التهديد الوجودي الذاتي، فإنهم لا يتحدثون فقط عن شعورهم بعدم مشروعية الوجود، بل يشيرون إلى عدة مركّبات لهذا التهديد:
الأول، هو الثقة، أو الإيمان الذاتي، بمشروعية الوجود كدولة، أو قوة عسكرية تحتل وطناً لشعب آخر، إلى متى يمكن أن تصمد؟ من هنا نلحظ تمسك مستوطني هذه “الدولة” بجنسياتهم الأصلية، والعمل على استعادة جنسيات أجنبية، مثل الجنسية الألمانية أو الإسبانية أو المغربية وغيرها.
الثاني، الصراعات اليهودية الداخلية، بين المتدينين والعلمانيين، خاصة المتدين الحريدي، المتشدّد في السلوكيات اليومية الفردية والجمعية، حتى لا يستطيع الإنسان الليبرالي تحمّله، وأحياناً لا يستطيع المتدين التقليدي تحمّله أيضاً. إلى متى؟ يتساءلون. وهل يمكن لهذا الصراع أن ينتهي؟ وفي الغالب يجيبون باستحالة انتهاء هذا الصراع. وأكبر إثبات على ذلك تعطّل تشكيل حكومات بسبب عدم قدرة التجسير بين الحريديم (شاس ويهدوت هتوراه) من جهة، وميرتس وليبرمان ولابيد من جهة أخرى.
الثالث، هو الحفاظ على الطابع اليهودي والديموقراطي لـ”الدولة”، والتناقض القائم بين الماهية العنصرية والاستيطانية للدولة اليهودية القائمة على الاحتلال الكولونيالي، والطابع الديموقراطي المرغوب لها. فهل يمكن تجسير الهوّة بين النقيضين؟ وإذا ما وصل متّخذو القرار إلى استنتاج مفاده أنه لا بد من الاعتراف بحقوق متساوية للجميع، عرباً ويهوداً، فماذا عن الخطر الديموغرافي، وطابع الدولة اليهودي؟ أسئلة واقعية مطروحة ومقلقة، ولا يستطيع أحد أن يتجاهلها، وهي تقضّ مضاجعهم.
الرابع، طابع الحكم وقدرته على الحفاظ على استقلالية القرار. هنا يتساءلون، هل يمكن لـ”إسرائيل” أن تتَّخذ القرارات المستقلة من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول الاستعمارية، الداعمة لها، والضامنة لبقائها؟
أما المُرَكّب الخامس، فهو قدرة “الدولة” على تحقيق أهداف وأحلام المستوطنين الذين يتركون بلادهم الأصلية للبحث عن حياة اقتصادية أفضل وأمن شخصي ثابت، كما يفعل كل المهاجرين من أوطانهم الأصلية إلى بلاد أخرى. وهذا المركّب له علاقة بالقدرات الاقتصادية ونظام الحكم والعلاقة مع الخارج المحيط، الإقليمي والدولي.