الخرطوشة الأخيرة
صحيفة النهار اللبنانية ـ
امين قمورية:
إيران ليست مهددة بخطر خارجي وشيك وسط محيط مفكك، لذا هي غير مستعجلة لامتلاك القنبلة النووية. لكنها لم تضيع وقتا من اجل اكتساب المعرفة العلمية اللازمة لصنع القنبلة. انجاز الاتفاق مع الغرب يرفع عنها العقوبات ويريحها اقتصاديا، لكن تأخيره لا يضيرها لا علميا ولا سياسيا ولا توسعا. هي تسير خطوة خطوة في المفاوضات مع الغرب. وفي الوقت الضائع تطلق قطارها السريع من دون كوابح في المنطقة. على زفت الازمات بنت اربع محطات كبرى في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. وبات في وسعها مد سكتها السياسية من جبال الهندكوش في افغانستان الى شواطىء البحر المتوسط.
نجحت في الفصل بين ملفها النووي ودورها الاقليمي فأحبطت في ذلك من راهن على المقايضة بين الملفين. صار انجاز الاتفاق معزولا عن كف يدها الطويلة في المحيط. هذا شيء وذاك شيء آخر. فكل من الملفات الاقليمية العالقة من سوريا الى العراق الى اليمن الى البحرين الى الرئاسة اللبنانية يحتاج الى مفاوضات أطول وأشد من تلك التي تشهدها جنيف وفيينا على النووي من سنوات. ومن لايزال يراهن على انحسار انفلاشها الميداني بعد دخولها جنة المجتمع الدولي قد يصاب باحباط جديد بعد تزودها المؤن المالية الكافية الناتجة من فك حصارها الموعود بعد الابرام المحتمل للصفقة النووية.
المحبطون من تضخم حجهما الاقليمي كثر. نتنياهو عبر بصلافة عن حقده الدفين على ايران. لكن الكلام الذي اطلقه في الكونغرس الاميركي كان تحجيما لهيبة الرئيس الاميركي اكثر مما يفيد في تحجيم الايراني. اما السعودية الخاسر الاكبر من خريطة التحولات الاقليمية فلم تبق في جيبها سوى الخرطوشة الاخيرة.
جربت سلاح النفط والخنق الاقتصادي، لكن مفاعيله كانت عكسية. فعوض ان يلجم هبوط الاسعار الاندفاع الايراني في سوريا، حط القطار الايراني في صنعاء. ولم يبق امام الرياض سوى التموضع في حلف مذهبي في مواجهة الحلف الايراني المشبع ايضا بروح مذهبية نقيضة.
نظريا، تحالف السعودية مع تركيا مع مصر، من شأنه اعادة التوازن الى الاقليم وتصحيح الخلل. لكن نقطة الخلل في هذا التفكير أنه يرى جانبا وحيدا ومصلحة طرف ولا يأخذ في الاعتبار مصالح اطرافه الاخرين. ما يفرق القاهرة وانقرة اكثر مما يجمع. وهناك فارق جوهري بين خفض مستوى التوتر بين مصر وتركيا ودخولهما معا في تحالف. للأول ضروراته وللثاني مخاطره. وفي اي حساب استراتيجي مصري يصعب تجاهل الدور الايراني وبالقدر نفسه لا يمكن تجاهل الدور التركي واثره في محيطه. كذلك الحسابات التركية مع ايران فهي ليست أقل تعقيدا وحساسية من الحسابات مع مصر والسعودية.