الحكومة تستنّفر لإنقاذ المصارف… فمن ينّتفض لأموال المودعين وحقوق المواطنين؟
جريدة البناء اللبنانية-
محمد حمية:
لم يكّترِث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للارتفاع الجنوبي بأسعار المحروقات والسلع والمواد الغذائية لتكوي المواطنين بنارها كلّ يوم في محطات الوقود والأسواق التجارية.. فلم يدعُ ميقاتي الحكومة لاجتماع عاجل للبحث بكيفية تخفيف معاناة المواطنين واتخاذ الإجراءات الحكومية اللازمة للجم ارتفاع الأسعار ومكافحة الاحتكار وتوقيف «مافيات» الاستيراد والتجار المتحكّمين بالسوق وإحالتهم الى القضاء للمحاكمة، ولم يستفزه مشهد إذلال المواطنين في أزمات المحروقات والكهرباء والمياه والاتصالات والأنترنت و»الباسبورات» والتعليم وغيرها من الأزمات المستعصية.
صمّت حكومة «معاً للإنقاذ» آذانها عن المضاربات بسعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي أدّى الى ارتفاع إضافي بأسعار السلع والمواد الغذائية، ما رتب أعباءً إضافية على كاهل المواطن.. فلم يستدعِ ميقاتي حاكم مصرف لبنان لسؤاله أو يطلب عقد جلسة استثنائية للحكومة لمساءلة «حاكم المركزي» والمصارف وشركات الصيرفة وكبار الصرافين، عن التلاعب بالليرة اللبنانية وتهديد الأمن النقدي والمالي.
أغلقت الحكومة بصرها عن العمليات المصرفية لقرصنة ودائع اللبنانيين والسوريين والأجانب، عبر تعاميم «غب الطلب» التي يصدرها «البنك المركزي» بالتكافل والتضامن مع المصارف لشرعنة «الهيركات» بأساليب وأشكال متعددة من دون تشريع من مجلس النواب يبيح ذلك، بهدف إطفاء خسائر «المصرف» والمصارف على حساب المودعين.. فلم تستنهض الحكومة قواها و»نشاطها الصباحي» ومعها المجلس النيابي، لاتخاذ القرارات الحكومية والتشريعات اللازمة ضمن خطة وجدول زمني محدّد لإعادة هذه الودائع إلى أصحابها!
لم تخرج الحكومة عن صمتها عن الحال المأساوية التي أحاطت بموظفي القطاع العام بكافة إداراته ومؤسساته ودوائره ومصالحه، بعدما أصبحت رواتب الموظفين عبارة عن صفيحتين أو 4 صفائح بنزين أو مازوت! فلم يخصص ميقاتي جلسة لبحث خطة لتحسين رواتب الموظفين بعيداً عن مساعدة «راتب نصف شهر» لا تغني ولا تسمن من جوع، وحتى هذه المساعدة يجري إخضاعها لتعاميم «الهيركات» التي طٌبقت على الودائع المصرفية وذلك بعدما أعلن مصرف لبنان والمصارف دفع 60 في المئة من المساعدة الحكومية فقط!
لم يلقَ آذاناً حكومية صاغية، صُراخ ومناشدات وآلام اللبنانيين حيال تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بشباب وعائلات بأكملها إلى الهجرة القسرية من الوطن للعمل والعيش في الخارج. فلم تجتمع الحكومة لخلق فرص عمل للشباب وللذين خسروا أعمالهم ووظائفهم بسبب الأزمة.
لم تنّطُق حكومة ميقاتي ببنت شفا أمام التقارير الدولية والدراسات الخارجية والداخلية حول معدلات البطالة والهجرة ونسب الفقر والجوع في لبنان، ولم تُكلف نفسها عناء إعلان حال طوارئ اجتماعية ـ اقتصادية للجم هذا المسار الإنحداري بالحد الأدنى.
لم تستأهل العروض الروسية الكهربائية ـ النفطية التي كشف النقاب عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، لحثّ رئيس الحكومة على عقد جلسة مفتوحة لمناقشتها ودراستها واتخاذ القرار بشأنها، وذلك لكي لا يُثير غضب الأميركيين أو «يخدش مشاعرهم»…! أما غضب اللبنانيين فأمرٌ غير مهمّ في «الحسابات الميقاتية» التي تستوجب إبقاء لبنان مرتهناً للسياسات الاقتصادية والمالية المتناغمة والمتماهية مع التوجهات الأميركية بحصار لبنان. وما تجميد استجرار خط الغاز المصري الى لبنان إلا خير دليل!
لم يستجِب ميقاتي للدعوات المتكررة لوزراء ثنائي أمل وحزب الله وتيار المردة رغم مقاطعتهم لجلسات الحكومة مدة ثلاثة أشهر، بعقد جلسة لوضع حدّ لأداء القاضي طارق البيطار والعمل على تصحيح المسار الدستوري والقانوني في ملف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.. ما يُساهم بإخفاء الحقيقة وضرب العدالة والتعمية على المتورّطين والمسؤولين عن هذا التفجير، ولو أن العبث بهذا الملف كاد يضع البلاد على حافة الانفجار السياسي والأمني والفتنة الطائفية التي أوشكت أن تقع في «الطيونة»، وكذلك إبقاء حقوق الشهداء وعائلاتهم ضائعة في متاهة التسييس وإخضاع نصوص القانون للتوجهات السياسية.
لم تدفع كلّ هذه المصائب والآلام والمآسي التي يعيشها المواطنون، رئيس الحكومة لإعلان حال الطوارئ الحكومية والدعوة الى جلسة استثنائية، لكن بسحر ساحر وفي غضون 24 ساعة، ضرب ميقاتي موعداً سريعاً موقتاً على «الساعة السياسية» لانعقاد مجلس الوزراء في عطلة نهاية الأسبوع وقبل «صياح الديك».. فلم يحتمل الأمر الانتظار حتى نهار الاثنين حيث موعد اضراب المصارف! فاقتنص ميقاتي فرصة الاجتماع الرئاسي الثلاثي في بعبدا والمخصص لبحث ملف ترسيم الحدود، لإثارة قضية المصارف وإقناع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي بعقد جلسة خاصة للمصارف، إلا أنّ عون رفض عقدها في بعبدا لئلا يظهر أنه يحمي المصارف فيما القاضية غادة عون المحسوبة سياسياً على «الرئيس» ولو أنها لا تعمل بتوجيهاته، تخوض معركة قضائية مع المصارف!..
والهدف المقصود طبعاً إنقاذ المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من سيف القضاء المسلط على أعناقهم، وليس تسهيل إجراءات القضاء لاستعادة الودائع بقوة القانون، بعكس ما حاول ميقاتي القول بأنّ الحكومة لا تحمي أشخاصاً بل تحمي المؤسسات.. ألا تستحق ودائع الناس المحتجزة في المصارف منذ أكثر من عامين الحماية والإنقاذ؟ وهل مباح ومتاح للمصارف قرصنة أموال اللبنانيين ولا يحقّ للقضاء إصدار قرارات لاستعادة الودائع أو ملاحقة أصحاب مصارف ومصارف بتهم الإثراء غير المشروع وتحويل وتهريب أموال الى الخارج في ذروة الأزمة؟ وهل يتهدّد قطاع المصارف إذا استُرجعت وديعة بقوة القانون أو استُدعي صاحب مصرف للتحقيق؟
فإذا كان للمصارف منظومة سياسية ـ مالية تتغلّغل في مختلف المؤسسات الدستورية تقيها قرارات وأحكام القضاء بغضّ النظر عن أحقيتها وتوقيتها.. فمن هو حزب استعادة أموال المودعين وحقوق الفقراء إذن؟
فميقاتي استشاط غضباً بعد الجلسة الحكومية للدفاع عن المصارف وإنْ وصل الأمر إلى هزّ العصا السياسية وتهديد بعض القضاة المتمرّدين على «النظام»، تارة بـ «قبع» القاضي سهيل عبّود، وطوراً بإرسال القاضي غسان عويدات إلى منزله.. لكن اللافت تجرّؤ رئيس الحكومة على «استدعاء» أركان القضاء الى «جلسة حماية المصارف»، فيما كان تحدث مراراً عن حماية استقلالية القضاء في ملفات أخرى كملف المرفأ…!