الحكومة العتيدة الجديدة: التحديات والحلول
موقع العهد الإخباري-
د. محمود جباعي:
ينتظر الشعب اللبناني بفارغ الصبر تشكيل حكومة جديدة تنقذ البلاد من أزمتها المتفاقمة في كافة الميادين الاقتصادية والمعيشية ولكن مع الأسف لا يزال الساسة اللبنانيون منذ استقالة الحكومة الحالية بعد انفجار 4 اب عام 2020 الى اليوم يتخبطون فيما بينهم ويستمرون في مهاتراتهم السياسية مفضلين مصالحهم الضيقة على مصلحة كل الشعب اللبناني ولم يستطيعوا بفترة سنة على الاتفاق لتشكيل حكومة جديدة توقف حالة الانهيار الكبير الحاصل.
هل تشكيل الحكومة يكفي وحده لمعالجة الأزمة؟
بلا أدنى شك إن تشكيل حكومة جديدة يعطي صدمة ايجابية للوضع الاقتصادي المتعثر ويقدم بارقة أمل للشعب اللبناني بإمكانية التخفيف من معاناته اليومية التي أنهكت كل قواه في شتى المجالات. ولكن حجم الأزمة يحتاج الى عدة اجراءات واصلاحات عملية يطالب فيها اللبنانيون والمجتمع الدولي على حد سواء أن تساهم فعلياً في الحد من الازمات المتفاقمة التي لا تنفع معها السياسات الترقيعية للحكومات السابقة. وهذه الاصلاحات تحتاج لشروط أساسية على أي حكومة جديدة تنفيذها بشكل تدريجي يمكن تقسيمها إلى نوعين:
أ- الشروط الاصلاحية السريعة تتلخص أبرز بنودها بالاتي:
1- البدء بتنفيذ التدقيق الجنائي الذي يمهد جدياً لمكافحة الفساد.
2- اعتماد دراسة مالية جديدة لمصرف لبنان تحدد خسائره وموجوداته الحقيقية للبناء عليها في عملية النمو الجديدة.
3- تنفيذ قانون الكابيتال كونترول بعد اقراره بمجلس النواب.
4- تخفيف حدة الهيركات على الودائع الذي وصل اليوم الى 85 % على قيمة ودائع الناس.
5- التفاوض مع صندوق النقد الدولي بما فيه مصلحة للبنان.
6- تحديد سعر صرف موحد ومنطقي لليرة اللبنانية مقابل العملات الاجنبية.
7- العمل جدياً على مكافحة الاحتكار مما يساهم في ضبط اسعار السلع الضرورية.
8- العمل على تحسين القدرة الشرائية للرواتب من خلال تخفيض الدولار والاسعار وزيادة نسبة معينة على قيمة الرواتب على ان يستفيد منها الموظف من خلال بطاقة دفع الكترونية للحد من معدل التضخم المالي.
9- العمل على اعادة الثقة للقطاع المصرفي اللبناني من خلال البدء بإعادة أموال المودعين بشكل تدريجي.
10- توزيع الخسائر النقدية والمالية بين المصارف والدولة وكبار المودعين.
ب- الشروط الاصلاحية البنيوية ويمكن تلخيص ابرز بنودها بالاتي:
1- اعادة الثقة بالاقتصاد اللبناني عبر الانتقال عملياً من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج من خلال تأسيس بنك تمويل انتاجي يعتمد على المساعدات الدولية ومساهمة المصارف التجارية وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ويهدف الى تقديم حوافز ضريبية وقروض ميسرة للقطاعات الانتاجية في مجالات الزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعرفة والمعلومات.
2- اتخاذ قرار جريء متحرر من الضغوط الاميركية يسمح للشركات ببدء عملية التنقيب عن النفط والغاز لاستغلال هذه الثروة القومية في عملية النهوض الاقتصادي.
3- اعادة العمل بالاتفاقيات الموقعة مع الدولة السورية التي تخدم مصلحة البلدين من النواحي الاقتصادية المختلفة.
4- استقدام عروض دولية تعمل على تحسين وتطوير وسائل النقل من خلال انشاء شبكة مواصلات حديثة تؤمن للمواطن بدائل أقل كلفة وخاصة بعد رفع الدعم عن المحروقات.
5- إصلاح ملف الكهرباء ومعالجة الهدر الحاصل فيه عبر التعاقد مع شركات أجنبية تعمل على انشاء معامل حديثة على الغاز لانتاج الطاقة وتسعى الى اصلاح مصافي تكرير النفط الموجودة في لبنان. كذلك على الدولة تطوير والاستفادة من المعامل الكهرومائية الموجودة في مصلحة مياه الليطاني والتي يمكنها المساهمة في زيادة انتاج الطاقة الكهربائية.
6- تطوير التنقيات الموجودة في وزارة المالية تسمح بالكشف الدقيق على الضرائب المستحقة للدولة من اجل الحد من التهرب الضريبي الذي يحرم خزينة الدولة من مئات ملايين الدولارات سنوياً.
7- ضبط الحدود البرية والبحرية لمراقبة عمليات التهريب الغير الشرعية التي تحرم الدولة اللبنانية من مليارات الدولارات كضرائب ورسوم جمركية سنوياً.
8- العمل على وقف الهدر والفساد المستشري في الدوائر الحكومية عبر الحد من التوظيف الغير مجدي حيث يوجد آلاف الوظائف التي يتقاضى أصحابها رواتب دون عمل فعلي.
9- اعادة الممتلكات العامة المستغلة بشكل عشوائي من قبل مستثمرين غير شرعيين تابعين لجهات سياسية في مختلف المناطق اللبنانية ومثال على ذلك بعض الممتلكات البحرية.
10- العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية المتنوعة من خلال الانفتاح على كل العروض الخارجية التي تأتي الى لبنان في شتى المجالات من خلال خلق حوافز لهذه الاستثمارات سواء كانت رسمية أو من شركات خاصة.
الواضح أن الحكومة اللبنانية الجديدة تنتظرها استحقاقات ضخمة وكبيرة لكي تعيد الثقة المحلية والدولية للاقتصاد اللبناني ولكن بكل وضوح ايضًا اذا لم تتمكن أي حكومة جديدة من تبني هذه الاصلاحات التي من شأنها تغيير النمط الاقتصادي القديم القائم فقط على الريع والمساعدات الدولية من خلال ديون وقروض وتوظيفات مالية لم تجد نفعاً على مر أكثر من 30 سنة والتحول الى بناء سياسات اقتصادية بنيوية تقوي الاقتصاد المنتج للحد من العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وتخلق نموًا اقتصاديًا مستدامًا يكون الاعتماد فيه على طاقتنا المحلية فإنه لا أمل للبنان للخلاص من ازماته المتفاقمة في القريب العاجل.