الحصار الاقتصادي الأميركي للشعوب انتهاك لحقوق الإنسان…
جريدة البناء اللبنانية-
المحامي سلمان أحمد بركات:
تمارس الولايات المتحدة الأميركية سياسة الحصار الاقتصادي على دول وشعوب عديدة في هذا العالم، لا تسير في ركبها، ولا تتماشى مع سياساتها، ولا تتوافق ومشروعها، مثل سورية ولبنان وإيران وغيرها…
ومن المعلوم أنّ سياسة الحصار هذه هي أحادية الجانب، تمارَس بإرادة منفردة بمعزل عن المؤسسات الرسمية الدولية، لا سيما الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
لا يوجد في القانون الدولي عقوبة من هذا النوع (حصار يفرض بإرادة منفردة)، لأنّ العقوبات الاقتصادية هي أحد أنواع العقوبات التي يفرضها القانون الدولي الجنائي لمعاقبة دولة ما، بسبب إخلالها بالإلتزامات الدولية، كارتكابها جريمة دولية محرمة.
ما هو الحصار الاقتصادي، وما مدى مشروعيته، وما هي أهدافه، وآثاره على حقوق الإنسان.
1 ـ تعريفه: عرف الحصار الاقتصادي أنه «وسيلة قسر أو إكراه في السياسة الخارجية للدولة التي تنتهك العلاقات الاقتصادية الطبيعية مع دولة أخرى، من أجل حمل الدولة المستهدفة على تغيير سلوكها».
واللجوء إلى الحصار الاقتصادي خارج إطار القانون الدولي والمنظمات الرسمية الدولية، شكل من أشكال التسلط والهيمنة التي تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية بحقّ كلّ من يخالفها من الدول والشعوب. ويعتبر ذلك تجاوزاً للقانون السالف الذكر، وفقاً لما سوف يتمّ بيانه.
2 ـ عدم مشروعيته: تنص المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: «يحقّ لمجلس الأمن الدولي دعوة الدول الأعضاء وفرض إجراءات لا تتضمّن قوة السلاح لتفعيل قراراته».
وبذلك تعتبر العقوبات الاقتصادية أحد أشكال الإجراءات التي يمكن لمجلس الأمن اتخاذها في هذا الإطار بحق دولة من الدول.
وعليه، فإنّ مشروعية العقوبات الاقتصادية لا يمكن توفرها إلا إذا كانت صادرة عن هيئة دولية كمجلس الأمن. وبالتالي تعتبر العقوبات الاقتصادية والحصار المفروضين من قبل الولايات المتحدة الأميركية بإرادتها المنفردة عبارة عن إجراءات مخالفة لميثاق الأمم المتحدة، وخارج إطار مجلس الأمن والشرعية الدولية.
3 ـ أهداف الحصار الاقتصادي: تهدف الولايات المتحدة الأميركية من حصارها الاقتصادي على الدول والشعوب المستهدفة الإضرار بالمصالح الاقتصادية لهذه الأخيرة في جميع النواحي، سواء التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو الخدماتية أو النقدية… لإرغامها على الإذعان لها، والسير وفق سياساتها وإملاءاتها.
وتزعم الولايات المتحدة الأميركية أنّ حصارها الاقتصادي إنما يأتي في سياق الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، في مواجهة الدول التي تنتهك ذلك. إضافة إلى زعمها حماية حقوق الإنسان داخل الدول المستهدفة. في حين أنّ هدفها الحقيقي هو ردع وإخضاع الدول التي تحاول تنمية قدراتها الداخلية خلافاً للإرادة الأميركية.
وباختصار، يصحّ القول إنّ الحصار الاقتصادي هو وسيلة غير مشروعة، تتبع لمعاقبة الدول التي لا تتوافق مع الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية. وهي بديل عن العمل العسكري الذي كان يعتمد سابقاً، ويرهق الدول التي تلجأ إليه اقتصادياً.
ولهذا الحصار آثار سلبية كبيرة على حقوق الإنسان، سواء كان الحصار مشروعاً أو غير مشروع. فما هي هذه الآثار؟
4 ـ أثر الحصار الاقتصادي على حقوق الإنسان: يترك الحصار الاقتصادي آثاراً سلبية عديدة على حقوق الإنسان، الفردية والجماعية، منها:
أـ أثره على الحق في الحياة: يتأثر الحق في الحياة بالحصار والعقوبات الاقتصادية، بسبب عدم توافر الغذاء والماء والدواء، وكافة متطلبات الحياة اليومية. وهذا الحق بديهي وفطري لكلّ إنسان دون تمييز.
والحصار المذكور مخالف للحق في الحياة والسلامة الجسدية المكفول في المادة /3/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنصى على أنّ «لكلّ فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه».
وهو مخالف أيضاً لنص المادة /5 / من الإعلان عينه والتي جاء في صريح نصها أنه «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة».
ب ـ أثر الحصار على حق الإنسان في الصحة: تنص المادة / 15 / من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنّ «لكلّ شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة له ولأسرته، ويشمل الماكل والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الإجتماعية الضرورية».
وتنص على ذلك أيضاً المادة /12 / من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والإجتماعية والثقافية، والمادة /5 / فقرة (هاء ) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.
والحق في الصحة أساس في حقوق الإنسان، لا غنى عنه على الإطلاق. والحصار الاقتصادي يمنع هذا الحق عن الإنسان المحاصر.
ج ـ أثر الحصار على الحق في الغذاء: هذا الحق مكرّس في المادة /11 / من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتضمّن «حق كلّ فرد في مستوى مناسب لنفسه ولعائلته بما في ذلك الغذاء المناسب». كما أكدت عليه العديد من النصوص الدولية منها المادة 14 فقرة 2 (ح) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، والمادة 24 من إتفاقية حقوق الطفل.
والحصار يحرم الإنسان من حقه في الغذاء.
د ـ كما يحرم الحصار الإنسان المستهدف من حقه في التعلم، وهو حق مكفول في جميع المواثيق والعهود الدولية والإقليمية ذات الصلة، لا سيما تلك المشار إليها أعلاه.
هـ ـ ويعيق الحصار حق الشعوب في التنمية، لأنّ التنمية لا يمكن تحققها في ظلّ حصار وعقوبات اقتصادية، كونها تتطلب أمناً واستقراراً وانفتاحاً وتواصلاً، لتبادل الخبرات والإمكانيات وتراكمهما. ما يهدّد الأمن الاقتصادي للدول المستهدفة ولأفرادها. وهو أمر يخالف مقاصد ميثاق الأمم المتحدة في تنمية الإنسان وجعله أهم أهدافه وفق ما تضمنه المادتين الأولى و55 / الفقرتين 1 و 2 منه.
وأكثر من ذلك، يشكل الحصار الاقتصادي انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، لأنّ الجانب الإنساني مغيّب كلياً عند إقرار الحصار وأثناء تطبيقه، وتنجم عنه جرائم لا إنسانية خطيرة تودي بالبشر، وغالباً ما تشكل أحد أشكال الإبادة الجماعية للجنس البشري.
ويُعتبر الحصار الاقتصادي أيضاً حصاراً عسكرياً غير مباشر، لأنه يحقق ذات الأهداف التي يحققها الحصار العسكري. فهو مثله من حيث الأهداف والنتائج.
في الختام، لا يمكن لمن يحاصر الشعوب لإرغامها على اللحاق به والاستتباع إليه، أن يتشدّق بحماية حقوق الإنسان، لأنّ المتضرّر الأول والأخير من الحصار هو الإنسان في حقوقه الفردية والجماعية، طفلاً كان أم إمرأة أم عجوز. فهل للإنسانية من نصير؟