الحزام والطريق عبر سورية.. والإتجاه شرقاً
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
وقعت سورية والصين مؤخراً مذكرة تفاهم في إطار مبادرة الحزام والطريق، والتساؤل الذي يجول في خاطر الكثير منا هو، ما هي المبادرة الصينية، وما أهمية هذه المذكرة بالنسبة لنا؟
تنفذ الصين مبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، وتعتبر أكبر مشاريع البنية التّحتيّة والاستثمار في تّاريخ البشرية.
يهدف المشروع لتعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الدول التي يمر بها، وأطلقت الصين مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» أو ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق إحياءً لطريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، وتغطي المبادرة اليوم نحو 65 بالمئة من سكان العالم، وما يقرب 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
الاقتصاد الصيني المُخطط بدأ بالتوسع في عام 1978 واستمر ينمو بمعدلات كبيرة قاربت 10 بالمئة لغاية عام 2014،
وأطلقت الصين المبادرة عام 2013 بهدف دعم قدرتها على التصدير وتعدد مصادر الاستيراد.
وهو إحياء لطريق الحرير القديم الذي كان يربطها بأوروبا وسمته «الحزام» والطريق البحري القديم وسمته «الطريق»، تقول الصين إنها تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين الدول التي يمر بها.
أنفقت الصين أكثر من 900 مليار دولار على هذه المبادرة التي تتضمن المحاور التالية:
المحور التجاري: الصين ترغب في توسيع أسواق التصدير، والمبادرة ستخلق تعاوناً تجارياً ثنائياً أو أكثر يتحول تدريجياً إلى تحالفات.
المحور النقدي: تسعى الصين لزيادة نسبة التبادل التجاري بالعملة الصينية «اليوان» ومن فوائده تعزيز اليوان عالمياً وتقليل تكلفة التبادل التجاري وتقليل وقت التسوية، قياساً على التعامل بالدولار أو اليورو، والحد من مخاطر تقلبات أسعار الصرف.
العديد من الدول مثل روسيا وإيران وباكستان وفيتنام والهند وماليزيا تستخدم حالياً اليوان في التسويات التجارية.
المحور الجيوسياسي: نعتقد أن المسار البحري وحتى البري بكل تفاصيلهما قد تم تصميمهما ليس فقط لأهداف تجارية بحته وإنما أيضاً لأهداف أخرى جيوسياسية قد تولد مستقبلاً تحالفات من نوع آخر، فقد وقعت أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية وثائق تعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق ونُفذ 28 مشروعاً في عدة دول مختلفة باستثمارات تبلغ 5.4 مليارات دولار، كما بنيت شبكة كبيرة من خطوط السكك الحديدية في إطار المبادرة التي وصلت إلى 4 آلاف خط يربط بين الصين ودول آسيوية وأوروبية، وتخطت الاستثمارات الأجنبية بين الصين ودول المبادرة 70 مليار دولار.
وتتضمن المبادرة تشييد شبكات من السكك الحديدية، وأنابيب نفط وغاز، وخطوط كهرباء، وإنترنت، وبنى تحتية بحرية، ما يعزز اتصال الصين بالقارة الأوروبية والإفريقية.
ستمر المشاريع التي تندرج تحت المبادرة بالمراحل التالية:
1. الجسر القاري الأوراسي الجّديد.
2. ممر الصّين – شبه الجزيرة الهندية.
3. ممر الصّين – آسيا الوسطى – غرب آسيا.
4. ممر الصّين – باكستان.
5. ممر الصّين – بنغلاديش – الهند – ميانمار.
تعهدت الصّين بتخصيص 126 مليار دولار للمبادرة على أن تقوم كل دولة مشاركة بتمويل مشاريع البنية التّحتيّة التي تمر بها بنفسها، وتقوم بنوك أنشئت لهذا الغرض بتقديم قروض للتمويل، وأهمها: البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وصندوق طريق الحرير.
بالنسبة للشّرق الأوسط تشير خطط المبادرة إلى تبنيها ستة خطوط، يمر نصفها أو ينتهي على ضفاف المتوسط.
السّياسة الخارجيّة الصّينيّة في الشّرق الأوسط تركز على تهدئة المنطقة التي توصف عادة بعدم الاستقرار، بسبب الحروب والإرهاب. على الصعيد الأوروبي انقسمت دول أوروبا بين متفائل وقلق، فبدا الحماس في أوروبا الشّرقيّة والوسطى للاستثمارات الصّينيّة واضحاً، أما دول أوروبا الغربيّة وخاصة الشّمالية فلا تخفي قلقها، وتلتزم عدّة دول أوروبيّة الحذر كألمانيا وفرنسا.
تعد هذه المبادرة منافسة لاتفاقية الشراكة التجارية بين الدول المطلة على الأطلنطي التي تقودها الولايات المتحدة، والتي
تهاجم المبادرة الصينية، وتتهمها بإيقاع الدول النامية في ديون بعرض تمويل رخيص لا يمكنها تحمّله، وقد أكد الرئيس الصيني أن المبادرة ستواصل رفض «الحمائية»، في انتقاد لواشنطن التي تبنّت سياسات حمائية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
أكد الرئيس الصيني أن مبادئ السوق ستطبق في جميع مشاريع التعاون التي تتضمنها المبادرة على حين تلعب الدول دوراً داعماً.
لقد وقعت سورية والصين مذكرة تفاهم في إطار مبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين”، بدمشق، وسورية نهاية طريق الحرير في آسيا وبداية انطلاقته باتجاه أوروبا وإفريقيا، وبموجب المذكرة تكون سورية قد انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق، ما يساعد على فتح آفاقٍ واسعة من التعاون مع جمهورية الصين الشعبية، وذلك في عدة مجالات تتضمن تبادل السلع والتكنولوجيا، ورؤوس الأموال، وتنشيط حركة الأفراد، إضافة إلى التبادل الثقافي.
عملياً المذكرة تأتي كمرحلةٍ من مراحل الدعم المتواصل الذي قدمته وتقدمه حكومة الصين الصديقة لسورية، وهي مكملة للمساعدات الإنسانية والإغاثية التي قدمتها الصين والتي ساهمت في تخفيف معاناة الشعب السوري جراء الحرب الكونية الإرهابية على سورية.
تضمنت المذكرة مقترحات لربط مجموعة من الطرق البحرية والبرية لتسهيل التبادل التجاري مع الدول المجاورة وإنشاء مناطق تجارية إلى جانب إنشاء محطات توليد كهرباء، وهذا يسهم بمشاركة الشركات الصينية بمرحلة إعادة الإعمار إلى جانب التغلب على العقوبات الغربية الأحادية الجانب الظالمة المفروضة على سورية.
أخيراً نؤكد أهمية وضرورة الاتجاه شرقاً في ظل الحصار والعقوبات الاقتصادية الظالمة وقد جاءت مذكرة التفاهم مع الصين لتترجم هذا التوجه الوطني الواقعي القائم على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية مع دولة عظمى صديقة للسير معاً على طريق الحرير عبر سورية.