الحريرية تتذاكى: رفعُ الغطاء عن تكفيريّي تركيا وقطر… فقط!
صحيفة البناء اللبنانية ـ
د. وفيق إبراهيم:
لا تختلفُ منظمات الإرهاب التكفيري عن بعضها بعضاً ولو تعدّدت مصادر ولاءاتها وتمويلها. تتخذ أسماء متعدّدة وجغرافيا متنوّعة، لكنها تتشابه في رفض كلّ ما هو مدني وتزعم تمثيل الله على الأرض من طريق مصادرة «النص المقدس» وتركيب أحاديث نبوية ملفقة. فـ«النصرة» و«داعش» و«الجبهة الإسلامية» و«القاعدة» وعشرات التنظيمات الأخرى في سورية ومصر والصومال والعراق ولبنان واليمن ونيجيريا وباكستان… كلها تنتمي إلى مصدر إيديولوجي موحد هو القراءة الوهابية في الإسلام. وتتوهّم أنها تطبّق القرآن الكريم، في حين أنها لا تُنفّذ إلا قراءاتها ومفهومها الخاص للنصّ الإلهي، فتقتل وتسبي وتغتصب وتهدم وتدمّر وتزعم أنها مأمورة من الغيب في حين أنها مأسورة من قوى الظلام والجهل والتخلف. وتخدم ربما من دون أن تدري قوى عالمية صهيونية وغربية تسيّرها في شكل غير مباشر.
بداية، ومنذ تورّط السعودية في تمويل الإرهاب في سورية، تماهت الحريرية معها. واعتقدت أنّ إسقاط «أسد دمشق» مسألة أشهر فقط، فموّلت جماعات في شرق لبنان ومناطقه الشمالية، وبعض أنحاء مخيمات النازحين لتسليح إرهابيين لبنانيين وسوريين وفلسطينيين. وتوهّم الحريريون أنهم قاب قوسين أو أدنى من تولّي الحكم في دمشق.
واستفاد من حركتهم هذه «الإخوان المسلمون» وتنظيمات «القاعدة» المختلفة فتسلحوا وتدرّبوا موفرين لأوكارهم مخابئ وبيئات حاضنة. وكان إعلامهم ولا يزال يلعلع مستخدماً لغة مذهبية عنوانها رفع «الظلم عن أهل السنّة» والتصدّي لـ«حزب اللات والصفويين».
والمضحك أنّ الحريرية تسلّمت الحكم في لبنان منذ 1990 حتى 2010، فإذا كان هناك من ظلم فهو من صناعة الحريرية وحزبها «المستقبل» الذين أمسكوا بتوزيع المال العام محمّلين الدولة ديناً فاق الستين مليار دولار، واستعملوه كمالٍ سياسي لبناء الدولة الحريرية المنشودة في لبنان.
وكان نجوم الإرهاب التكفيري ثلاث فئات: «السعوديون» وهم نواب «المستقبل» في شمال البلاد، والمسؤولون العسكريون لديهم مع رؤساء بلديات البلدات الكبرى الحدودية وجمعيات أهلية في بيروت والبقاع والشمال، فضلاً عن أجهزة إدارية وأمنية رسمية لا تزال تشكّل جزءاً من النفوذ السعودي في لبنان.
ومن أبرز هذه الفئة وزير العدل أشرف ريفي والنواب كبارة وفتفت والجراح والمشنوق وقيادات حزب «المستقبل» أحمد ونادر الحريري. وتضمّ الفئة الثانية، «الإخوان المسلمين» اللبنانيين المضطرين إلى التحالف مع الحريرية لمعاودة الصعود وبتقية وصلت إلى حدود الباطنية. فالنائب الحوت يخطب وداً في آل الحريري وعيناه في قطر وقلبه في تركيا.
أما الفئة الثالثة، فتحتوي على كلّ الأوكار المتصلة بـ«القاعدة» و«النصرة» و«داعش» و«الجيش الحر» و«الجبهة الإسلامية» و«الأنصار» و«فتح الإسلام» و«الأسير» و«جماعة عزام» والمثيلات. وتشارك في تمويلها وتدريبها وإيوائها كلٌ من السعودية وقطر وتركيا. وهنا يأتي دور التأنيب الأميركي لهذه البلدان بذريعة دعمها الإرهاب. وتحوّل «داعش» وحشاً يرعب حتى من أنشأه، لذلك التزمت السعودية بالتحوّل الأميركي المناهض للإرهاب. وكذلك فعلت الحريرية بالتقليد والولاء، لكنها فوجئت بحجم تورّط جماعاتها الخاصة فيه، وبوغتت بتقلص جمهورها لمصلحة الفئات الأكثر تطرفاً، فكان استغلالها للهجوم الإرهابي على الجيش في الشمال، فرفعت الغطاء عن الفئتين الثانية والثالثة من داعمي الإرهاب، وسحبت بعضهم الضاهر والشهال إلى الفئة الأولى مع الاستمرار بدعمهم. وللتغطية ظلت تهاجم حزب الله إعلامياً وتساوي سلاحه بسلاح الإرهاب من الفئة الثانية والثالثة تركيا وقطر .
إنّ نواب الشمال ووزراء حزب «المستقبل» هم من أكبر المحرّضين على السلم الأهلي ووحدة الجيش وأكثر الدعاة إلى الصراع المذهبي والطائفي… هؤلاء تبذل الحريرية جهودها لإنقاذهم، وتنظم تمثيليات ومسرحيات إعلامية ملفقة لإنقاذ الضاهر وريفي وإخفاء معين المرعبي وفتفت وكبارة، وإيفاد الشهال إلى السعودية.
ومن سمحت الحريرية بتدميرهم هم جماعات ينتمون إلى المحور القطري ـ التركي ومنهم دقماق ومنصور ومولوي وحبلص… وهم رموز كبيرة لطالما تلقوا دعماً من الحريرية والميقاتية في آن معاً. فلماذا ترفع الحريرية حمايتها إذاً عن هؤلاء؟ تريد الاستفراد مجدّداً بالشارع عن طريق إزاحة من يمسك اليوم بالبيئات الحاضنة، وإعادة النفوذ السعودي بديلاً من التسلّل القطري ـ التركي.
فتعود الحريرية بذلك إلى تعويم نفسها كمشروع وطني كما كانت في عصر الرئيس رفيق الحريري، فهل هذا ممكن؟ إنّ بناء الأوطان لا يتمّ بالتذاكي والتحايل، والإرهاب واحد، فكما أنّ الإرهاب المدعوم من قطر وتركيا خطير ـ فإنّ الإرهاب المدعوم من السعودية لا يقلّ خطورة وشراً. فالشهال «السعودي» الهوى هو الذي دعا إلى اعتلاء المآذن والهجوم على الجيش الصليبي والتمرّد على الدولة. وخالد الضاهر هو المحرّض الكبير على تدمير الجيش والانشقاق عنه، وكذلك فتفت وكبارة والمرعبي وأمثالهم وهم كُثر. فلماذا يحميهم حزب «المستقبل»؟ ألأنهم سعوديون؟
المطلوب إذاً رفع الغطاء وبكامله عن الإرهاب، وكمِّ الأصوات المذهبية في إعلام «المستقبل» ووقف دعم بعض الأوكار الأصولية في المخيمات الفلسطينية، ودعم النازحين السوريين في شكل إنساني لا تحريضي، مع المساهمة بالقضاء الفعلي على إرهابيّي جرود عرسال، وإعادة التدريس الديني إلى اعتداله من خلال طرد «علماء الفتنة» وخصوصاً في شمال لبنان.
هذا الكلام ليس دعوة إلى الاستسلام بقدر ما هو طريقة للالتزام بأمن الوطن والمجتمع، وإلا فإنّ الندم لن ينفع لأنّ طابخ السمّ آكله ولو كره الكارهون.