الحريرية السياسية أداة التدخل السعودي في لبنان…
موقع الخنادق:
الحريري والسعودية
إن المسارات التي انتهجتها السعودية في لبنان ألحقت ضرراً عميقا بالبنية الاقتصادية والمالية، والاجتماعية، والسياسية، وكانت الحريررية السياسية احدى ادوات هذه السياسات التي اوصلت لبنان الى ما وصل اليه اليوم.
تتمحور المشكلة السعودية حول تصاعد نفوذ الدولة الإسلامية في إيران وتنامي نموذجها المقاوم في مواجهة الهيمنة الأميركية. وعلى إثر هذه الحسابات تغامر السعودية في محاربة أي طرف حليف لإيران، لذلك شدّت الخناق على لبنان لمحاربة حزب الله بعد ثلاثين عاما من التدخل بذريعة الإعمار في الوقت الذي كانت أثمان مشاريعها تزيد من الفجوة الاقتصادية والمالية في البلاد. حتى مع تدهور الأوضاع المعيشية مؤخرًا، لم يعنها التدهور الذي أصاب الشعب اللبناني ولا التداعيات، تراها جولة سياسية تراهن من خلالها على “اخضاع الشعب” لنيل طموحها في تقويض المقاومة.
إن مشكلة السعودية في لبنان هو حركات المقاومة والتحرر منذ عهد عبد الناصر حتى زمن حزب الله. كما أن الدور السعودي في المنطقة هو تأمين وضمان سلامة الكيان الاسرائيلي وخدمة المشاريع الأمريكية، وتاليًّا تحقيق المصالح السعودية، ولو على حساب الشعوب. إن المسارات التي انتهجتها وتنتهجها السعودية ألحقت ضرراً عميقا بالبنية الاقتصادية والمالية، والاجتماعية، والسياسية في لبنان. والهدف ليس إلا تحميل حزب الله تداعيات المترتبة عن الانهيار والأزمات ومحاولة إشغاله بالأزمات الداخلية بعيدا عن الفعل المقاوم.
لقد ضخّت المملكة أموال طائلة لمحاربة حزب الله كما تذكر مجلة “الإيكونوميست” البريطانية لكن لم يأت بفائدة، بينما بقي حزب الله يسيطر على “مفاصل الدولة”، بزعم الصحيفة. لقد دفعت المملكة الكثير على قادة الأحزاب اللبنانية المختلفة الحليفة لها لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية ضد حركات المقاومة المختلفة إلا أنها لم تسفر عن نتيجة مرضيةأيضا، بل على العكس ازداد نفوذ حزب الله وبقي متماسكًا في بيئته وموقعه السياسي، ونجح في وأد الفتنة، وفي المساهمة مع حلفاء الداخل في توسعة المشروع المقاوم والممانعة.
أساليب التدخل السعودي في عهد سعد الحريري
تعددت أساليب التدخل السعودي وطالت المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والقضائية. واتخذ مسار المملكة بالقطيعة تجاه لبنان منحى تصاعديًّا حتى وصل الأمر بأن يتحول التوتر المستجد بين المملكة والرئيس سعد الحريري إلى إهمال للملف اللبناني أثناء الأزمة الاقتصادية والسياسية ما بعد حراك 17 تشرين الأول 2019. وساهمت السعودية في الحصار الأمريكي على لبنان والتضييق على شعبه ما بعد قانون قيصر في سوريا 2020، ومن ضمن الاستراتيجيات التي اتبعتها الرياض في استهداف اقتصاد لبنان الهش حظر المنتجات الزراعية اللبنانية. وكانت السعودية قد منعت استيراد الخضراوات والفواكه من لبنان أو المرور عبر أراضيها اعتبارا من الثالث والعشرين من آذار عام 2021، بذريعة ضبط شحنة مخدرات داخل شحنة فواكه قادمة من لبنان، ليلي هذا القرار إعادة التصويب على حزب الله اللبناني. ويأتي التصويب نتيجة التذرع بحجّة أنّ الحزب هو المسيطر على مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، ليتضح لاحقا أن القرار السعودي هو قرار سياسي وليس له أي صلة بتلك الادعاءات التي تمسكّت بها المملكة لتبرهن صواب تلك الإجراءات.
التدخل على الصعيد السياسي
1. المسّ بالسيادة والقضاء
تعود قضية الأمير السعودي عبد المحسن بن وليد آل سعود إلى عام 2015حين تم القاء القبض عليه أثناء مغادرته مطار بيروت وفي أمتعته نحو 2 طن من المخدرات (أقراص كبنتاغون)، حاولت الرياض بأكثر من وسيلة انتشال الأمير من المأزق بتدخلات عدة وصولا الى عدم احترام سيادة الدولة اللبنانية. فقد حضر الوزير المفوّض في السفارة إلى المطار، وقال لرجال الأمن إن عليهم أن يتركوا الأمير يغادر إلى السعودية، لكن خطوته باءت بالفشل.
لاحقا، التقى وسيط سعودي بمسؤول عدلي لبناني، وعلى إثر الاجتماع، زار الوسيط الموقوف الشمّري ليختلي به في مكتب مكافحة المخدرات المركزي. نتج من هذه الخلوة “صفقة مشبوهة” تخلي سبيل الأمير لقاء أن يتحمل مرافقه كافة تبعات القضية، ويتراجع عن إفاداته أمام المحققين والمحامي العام في جبل لبنان وقاضي التحقيق. أما المقابِل، فصفقة مالية قبِل بها الشمّري، مقابل عدم تعرّضه للملاحقة في بلاده بعد خروجه من السجن. وضبط رجال الأمن ورقة في حوزة الشمري، عليها أسئلة وأجوبة مفترضة لما يُمكن أن يُطرَح عليه في أي جلسة استجواب مقبلة. وقد حُرّر محضر ضبط بحقّه، بعدما كان يذاكر ما هو وارد على الورقة، ليظهر بمظهر الواثق في أي جلسة استجواب سيتراجع فيها عن إفادته الأولية.
وتجاوب القضاء اللبناني في بعض المراحل والمواقف مع مصالح آل سعود بحيث أٌصدر حينها اجتهادا غير مألوف في المحاكم الجنائية اعتبر فيه أن حبوب “البنتاغون” ليست من فئة المخدرات الممنوع تداولها والإتجار بها، وليست على قوائم المحظورات الواردة ضمن القوائم والجداول الموضوعة بقانون المخدرات اللبناني، بما يعني أن تهريبها بدون ترخيص يتم العقاب عليه في قانون الصيدليات وليس قانون المخدرات ويعد الحكم الصادر أن الحبوب تستخدم للحلات المرضية لذا فإن استخدامها أو حيازتها لا يتم المحاكمة عليها بقانون المخدرات.
كتب الصحفي رضوان مرتضى مقالًا بعنوان “ملك في مخفر حبيش” عن بعض ما يعيشه الأمير داخل السجن بداية من الزيارات شبه الدائمة لدبلوماسي مكلّف من السفارة السعودية بمتابعة ملفه وكان يسمح للأمير آنذاك أن يستبيح القانون بحيث يعيش الأمير حياة رفاهية في توقيفه. كما كشفت مصادر أمنية أنّ “الموقوف عبد المحسن يعيش كأنّه في بيته، مشيرةً إلى أنّ غرفة خاصة في مبنى مكتب مكافحة المخدرات (المبنى المعروف شعبياً بمخفر حبيش) فُرِزت لأمير البنتاغون مزوّدة بكل وسائل الراحة. وينقل أحد الرتباء أن فيها جهاز تلفاز وهاتفاً. وتنقل المصادر الأمنية أنّ طلبيات التوصيل كانت تنقل الطعام يومياً إلى غرفة الأمير الموقوف المزوّدة بجهاز تبريد. وأنّ أحد العناصر مكلّف السهر على راحة الأميرلجهة تدوين طلباته، علماً أنّ الأخير يُسمح له بإجراء الاتصالات متى شاء، فيما عمال المصبغة يترددون بنحو شبه يومي لإحضار ملابس الأمير المكوية. هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على استباحة المملكة لقضاء الدولة اللبنانية والتدخل السافر بقراراتها كما لو كانت الرياض هي الأمر الناهي، وما كان ليحصل كل ذلك لولا الارتهان في الداخل اللبناني للسعودية.
2. مواجهة إيران عبر لبنان
تطول القائمة في التدخلات السعودية بالشأن اللبناني وليس خافيا على أحد أن تدخلها يتمحور حول محاربة إيران وبأي ثمن. في ظل النظام الاقتصادي الهش الذي عاش تداعياته الشعب اللبناني والتي وصلت إلى ذروتها، وبدأت تظهر معالمها عام 2019، تجدر الإشارة إلى أن السعودية كانت شريكة أساسية في بناء هذا النظام… شهدت العاصمة اللبنانية والمدن الرئيسة تظاهرات للتنديد بما وصلت اليه الامور وللضغط على الطبقة الحاكمة لإيجاد حلول توقف هذا الانهيار أو أن تستقيل الطبقة بأكملها. بعيدا عن هذه الأحداث وما آلت اليه الأمور، إلا أن السعودية كانت ترسم بمكان اخر بحيث تحدثت مصادر إعلامية عن وثيقة مسرّبة “ويكيلكس السعودية” أعدّها مستشارو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ بحيث كانت تكشف خطط السعودية ووسائلها لشنّ حرب ذات مستويات متنوعة ضدّ طهران.
كشفت الوثيقة السرية التي قدمتها المملكة الى الولايات المتحدة الأميركية الأهداف الاستراتيجية للسعودية في لبنان عبر مواجهة حزب الله. قدمت أفكارا عدة لتطويق المقاومة من خلال تطويق لبنان اقتصادياً واستهداف مصالحه عبر تشريع استهداف معابره الرئيسية بحجة سيطرة حزب الله عليها، أو تضييق الخناق على المغتربين وتحويلاتهم إلى البلد. كان هدف المبادرة محددا وهو إضعاف الحزب بشكل واضح وملموس على كل من الصعيد الداخلي الاقليمي والدولي لمحاربة إيران، وتتوزع الخطة على أربعة محاور: السياسي، والاقتصادي، والإعلامي، والعسكري.
3. حزب الله على لائحة “الإرهاب”
صنّف مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية حزب الله كمنظمة “إرهابية” عام 2016. أكد الملك سلمان على قرار التعاون الخليجي بحجة “استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها أفراد تلك المليشيات”، وما تُشكّله من “انتهاك صارخ لسيادة دول المجلس وأمنها واستقرارها”. هذ القرار أي تصنيف الحزب بجناحيه العسكري والسياسي كمنظمة “إرهابية”، كان من البنود الأولى التي وردت في المحور السياسي من الوثيقة. بعد عام 2017، حاولت الدول العربية إدراج تصنيف حزب الله كـ “إرهابي” في بيانات القمم العربية، لكنّها قوبلت باعتراض من قبل الوفد اللبناني. وبالتعاون مع المحاكم الأوروبية والدولية، كشفت السعودية في الوثيقة عن اقتراحها “رفع قضايا ضدّ حزب الله” خاصة عن “جرائمه في سوريا وفي الداخل اللبناني”.
4. منع التحالف مع حزب الله
بعد هذا التطويق الثنائي، الاقليمي والدولي، يأتي دور التطويق داخليا من التيارات السياسية المتحالفة معه وخاصة التيارات المسيحية، التيار الوطني الحر وتيار المردة، ودفع الدول المختلفة للضغط على هذه الأحزاب، عبر العقوبات على سبيل المثال. بالإضافة الى أن وثيقة الويكيلكس تضمنت خطة دعم شخصيات مؤثرة ومعتدلة داخل المكون الشيعي سياسيا وماليا ودعم شخصيات معارضة للحزب في الانتخابات النيابية لتتمكّن من الحصول على أغلبية برلمانية من ثم التركيز على قاعدة الشباب الشيعي لخلق مجموعات معتدلة في فكرها وبذل مجهودات حقيقية لاستقطاب القيادات الشابة داخل الحزب نفسه.
سابقا، لم تكن المملكة على خلاف مع التيار الوطني الحر أو بما يعرف الان تكتل لبنان القوي ولم تبد الرياض أي مانع من وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، لكنها لم توافق على ترشيحه. بدأ التضييق على عهد الرئيس عون، في شباط 2017، مع حديث الرئيس اللبناني إلى قناة CBC المصرية، عن ضرورة وجود سلاح المقاومة، طالما هناك أرض محتلة والجيش ليس قوياً كفاية ليُحاربها.
5. احتجاز رئيس الحكومة
في تشرين الاول من عام 2017، طلبت السعودية بتشكيل حلف جديد يضم كل من تيار المستقبل والكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية بالإضافة الى الحزب التقدمي الاشتراكي. وبعد دعوة السعودية ممثلي الاحزاب الاربعة إلى الرياض، لم يُلبّ الدعوة إلا الكتائب والقوات، في حين أنّ جنبلاط اعتذر، مُبرّراً بأنّه “لا أستطيع تكرار التجارب الخاطئة”. في 4 تشرين الثاني من العام نفسه، استُدعي الحريري على عجل إلى السعودية، حيث أُجبر على تلاوة بيان استقالته، بعد البيان تلقّى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم اتصالاً من ردينة العرب زوجة مسؤول فريق حماية الحريري، زوجة عبد الكريم العرب، لكي تخبره أنه تم اختطاف زوجها. واستمرت السعودية في الضغط مع اقتراب الانتخابات النيابية في 2018. استُدعي الحريري مجددا إلى الرياض للطلب منه تشكيل جبهة ضدّ حزب الله بعد الانتخابات النيابية. أما عن الرئيس عون فقد تعرّض لضغوط هائلة لفكّ تحالفه مع حزب الله في الانتخابات دون أن يرضخ لها.
بعد نتائج الانتخابات النيابية التي حاز فيها الحزب على تمثيل قوي من قبل الشعب، طلبت السعودية بدايةً من الحريري ترتيب العلاقة مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، ووافق الأول على الرغم من موقفه من سمير جعجع أيام حادثة الريتز، تشرين الثاني 2017، حيث احتجز الرئيس سعد الحريري أثناءها في أوتيل الريتز في المملكة السعودية من قبل ولي العهد محمد بن سلمان، وتخلى عنه حليفه سمير جعجع ولم يتدخل للمطالبة بالإفراج عنه، وإنما كانت مساع من رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية. أما الامر الثاني الذي شددت عليه المملكة فهو وضع فيتو (رفض) على تولّي حزب الله حقائب أمنية أو سيادية أو حقيبتي الاتصالات والأشغال.
التدخل على الصعيد الأمني
في عام 1925 استولت الوهابية على مكة المكرمة، وتم استقطاب الشباب العاطلين عن العمل للاندماج في الفكر الوهابي واحتضان السلفية، أشرفت سفارات المملكة والمراكز الثقافية السعودية على تدبير الموارد المالية المخصصة لنشر الفكر الوهابي وترويجه وخلق المؤسسات التي تهتم بنشر الفكر الوهابي. وللمال السعودي تأثير كبير في نشر الوهابية إذ بدأت من عام 1970 الجمعيات الخيرية السعودية بتمويل المدارس الدينية والمساجد افي جميع أنحاء العالم لنشر وتعزيز الفكر الوهابي بمساعدة من تمويل صادرات النفط وعوامل أخرى.
أنفقت السعودية أكثر من 10 بليون دولار على المؤسسات الخيرية في محاولة لاستبدال المناخ السُني الذي يميل إلى الصوفية والتسامح بآخر متعصب يلتزم بالوهابية. بحسب تقدير وزارة الخارجية الأمريكية، يقدر مسؤولو استخبارات الاتحاد الأوروبي أن 15 – 20 في المائة من الجماعات الإرهابية انضموا إلى تنظيم القاعدة. وفي تقرير لصحيفة التلغراف البريطانية، يشار الى الوهابية السعودية ودورها في نشر الارهاب في مختلف العالم وتؤكد الصحيفة أن هذا الفكر المتشدد استطاع أن ينتشر ويغزو عددا من بلدان العالم. تتابع الصحيفة بأن جذور “داعش” تعود إلى الوهابية أي الفكر المتطرف الذي يمارس في السعودية منذ القرن الثامن عشر، مشيرةً إلى أن الوهابية لها الآن تأثير في جميع أنحاء العالم. وتشير التلغراف إلى أن فكر الوهابية تنتهجه جماعات مثل داعش، حيث أدى هذا الفكر إلى ظهور خلايا من الناشطين خارج السعودية، على استعداد لارتكاب اعتداءات إرهابية مثل التي حصلت في بيروت وعدد من بلدان العالم.
ويقول المؤرخ في تاريخ الوهابية في جامعة “برينستون”، كول بونزل، في حديث إلى “نيويورك تايمز”، إلى أنّ “العقيدة الوهابية محورية في أيديولوجية الدولة الإسلامية (داعش)”، موضحاً أنها “تشكّل المصدر الأساسي لدينهم، وهي الجزء الأكثر ظهوراً من أيديولوجيتهم ككل. وقد تحولت السلفية إلى أداة في السياسة الخارجية للنظام السعودي، وتم توفير الموارد المالية للمؤسسة الوهابية وتقويتها وتعزيز روابطها بالخارج من أجل التأثير فيه ومحاصرة التحديات المقبلة على النظام السعودي من الخارج وتعد مواجهة إيران “والمد الشيعي” من التحديات التي تراها الرياض خطرًا عليها يجب دفعه بالنظرية السلفية وتطبيقاتها العملية. وهو ما أكدته الأحداث التي جرت في الأعوام الأخيرة في العراق وسوريا من قبيل الجرائم التي شنها تنظيم “داعش” والاستباحة للأعراض والانتهاكات، إذ عكست التجربة العملية للتنظيم مشارب الفكر الوهابي المتطرف بحذافيرها.
1. الوهابية… مواجهة أمريكية بحلة سعودية
قبيل الغزو السوفيتي لأفغانستان في نهاية كانون الأول عام 1979، اتخذ الرئيس الأميركي آنذاك جيمي كارتر قراراً بتقديم مساعدات لمعارضي النظام الشيوعي الموالي للسوفييت في أفغانستان، وفي سبيل تحقيق الولايات المتحدة لأهدافها من تلك الخطة تم تعزيز وتدعيم ما يسمى بالتطرف والتشدد الإسلامي.
بدأت الدعوة للجهاد بكلمة من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، والذي علق في بداية الأمر على التدخل الروسي في أفغانستان بالقول بأنه “صراع بين الملحدين الأقوياء وبين المسلمين المستضعفين”، ثم التقطت السعودية الشرارة بعد لقاء بين مستشار سابق للأمن القومي الأميركي،”بريجنسكي” وولي العهد السعودي آنذاك فهد ووزير الدفاع سلطان، حيث بدأت المملكة في الحشد والدعم في أفغانستان، الجدير بالذكر أن أحد أبرز هؤلاء كان قائد تنظيم “القاعدة” الأسبق “أسامة بن لادن” الذي غادر السعودية نهاية عام 1979 إلى أفغانستان حيث استطاع تأسيس مكتب الخدمات الذي تم الكشف على أنه كان برعاية جهاز الاستخبارات الباكستاني، وكيل جهاز المخابرات الأمريكية في الحرب.
قدمت السعودية مبلغ 800 مليون دولار إلى باكستان لدعمها في مناصرة المجاهدين الأفغان، وتم تكليف أمير الرياض وقتها، الملك الحالي سلمان، بإنشاء هيئة لدعم وجمع الأموال لصالح “الجهاد” في أفغانستان. وأصبح سلمان مديرًا للجنة جمع التبرعات من العائلة المالكة والسعوديين لدعم “المجاهدين”. ومع انتشار خطاب الدعوة للجهاد عملت السعودية على نشر الوهابية والتشدد في عموم البلاد الإسلامية عبر دعم الفكر المتشدد ودعاته ومؤسساتهم وجمعياتهم… وهنا نستذكر شهادة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية أمام الكونغرس عندما قالت “دعونا نتذكر هنا أن أولئك الذين نقاتلهم اليوم نحن من قمنا بدعمهم يومًا ما قبل 20 عامًا”.
كانت المصالح الأمريكية هي الدافع وراء ذلك الحشد الوهابي والتشدد، وبصيغة جديدة تم إعادة تأجيج الصراع لكن على شكل ثاني أي بين الشيعة والسنة لجعل إيران هي العدو الأكبر للعالم الإسلامي، ليأتي ذلك لصالح دولة الاحتلال. في المؤتمر الثالث عشر من مؤتمر “هرتزيليا” الصهيوني عام 2013 جاء ضمن التوصيات التشديد على تكريس الصراع السني-الشيعي من خلال السعي إلى تشكيل محور سني من دول المنطقة أساسه دول الخليج ليكون حليفاً لـ “إسرائيل” والولايات المتحدة، مقابل “محور الشر” الذي تقوده إيران وبحسب التصنيف “الإسرائيلي” هو “محور شيعي”. اتخذت الرياض وبقيادة ولي عهدها محمد بن سلمان خطوات كثيرة بهذا الشأن مقابل “شيطنة” إيران والهجوم عليها، وتسخير المنابر ضدها، وجعل الصراع السني الشيعي أخطر وأكبر من الصراع ضد الاحتلال الصهيوني.
2. نشر الإرهاب في لبنان
بناء على ما مر لجأت السعودية إلى تفعيل جبهة جديدة في لبنان بغية التأثير على التطورات الميدانية في سوريا (تحرير النبل والزهراء) وكان الخيار هو فتح جبهة جديدة بشمالي لبنان والجدير بالذكر أن هذه الفكرة تم عرضها لأول مرة من جانب المعهد المقرب من الكيان الإسرائيلي، في حينها أشار الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن المعروف بعلاقته الوطيدة مع اللوبي الصهيوني بأمريكا، فابريك بالانج، إلى هذه الخطوة. حيث تمكّن هذه الخطوة من إدخال الجماعات السلفية المحلية وآلاف اللاجئين السوريين المحبطين في هذا الصراع. وتضع هذه المبادرة المراكز الحيوية عرضة للتهديد بقطع خطوط الاتصال والإمداد من لبنان إلى سوريا.
من ناحية أخرى، كان لتنظيم داعش جولات في لبنان تركزت بالأخص في الضاحية الجنوبية لبيروت التي شهدت مناطق الضاحية تفجيرات متكررة وكان تنظيم داعش “ومن خلفه الداعم السعودي” المتبني الأول لهذه العمليات. وفي عام 2014 من شهر حزيران فجر انتحاري سعودي نفسه في أحد فنادق بيروت في منطقة الروشة خلال مداهمة عناصر من الأمن العام اللبناني لإحدى غرفه. التفجير الانتحاري وقع في فندق “دي روي” في منطقة الروشة إحدى المناطق السياحية في بيروت.
التدخل السعودي على الصعيد الاقتصادي
عندما نتكلم عن الشق الاقتصادي يعني أننا نصب في عمق الدولة، والحرب الاقتصادية لا تقل خطورة عن الحرب العسكرية. وعندما أرادت السعودية اضعاف الحزب وبيئته والمجتمع اللبناني ككل، رأت أنه من قواعد اللعبة الاقتصادية لإضعاف البلد عموما والحزب خصوصا تجفيف موارده المادية وإبعاده عن المرافق الحيوية كخطوة أساسية. لذلك كانت الخطة تشديد المراقبة على التحويلات المالية المرسلة الى لبنان، توقفت في 2016 التحويلات المالية من السعودية إلى لبنان، وفي 2017 رُفض تحويل الأموال، إلى بيروت إلا بعد موافقة الكفيل وطلب مستندات والتحقق من مصادر الأموال. بالإضافة الى مراقبة التحويلات المالية.
في بيان لوزارة الخزانة الأمريكية صدر العام 2007، تم فرض عقوبات على سبعة لبنانيين، هم على صلة بحزب الله وشركته المالية “القرض الحسن” المدرجة على لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية و”يستخدمها حزب الله كغطاء لإدارة الأنشطة المالية للجماعة الإرهابية والوصول إلى النظام المالي الدولي”. وفي عامي 2015 و2016، انضمت السعودية إلى أميركا في هذه الخطوة عبر فرض عقوبات على اثنين من قياديي حزب الله، وتجميد أصولهما وحظر تعامل السعوديين معهما بتهمة أنّهما مسؤولان عن عمليات إرهابية في أنحاء الشرق الأوسط. ثانيا، حذرت وزارة الداخلية السعودية من التعامل مع حزب الله بأيّ شكل كان كنوع من الترهيب مع التهديد باتّخاذ عقوبات مشدّدة بحق كل مواطن أو مُقيم يُظهر دعماً أو يُروج له، أو يتبرّع له. تأتي هذه الاجراءات السعودية بحسب مبادرتها للحدّ من سيطرة حزب الله على المنافذ الدولية (مطار بيروت الدولي، ميناء بيروت البحري) من خلال إجراءات ضغط، بحيث أن للملكة ثقل وازن في التأثير السياحي والتجاري السعودي على لبنان، ومن ضمن الخطة إنشاء مطار دولي بديل يكون شمالاً بحيث لا يخضع بأيّ حال لسيطرة حزب الله.
أما النقطة الثالثة، فهي تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لقطاع واسع من شباب الأعمال، وخاصة المكون الشيعي بهدف تحييد فئة كبيرة منهم، والذين يعتمدون على إعانة الحزب مادياً، مع خلق وظائف لهذه المشاريع مما يُساهم باستقطابهم أو إبعادهم عن الحزب، والفصل بينهم ليكون داخل هذا بيت تيار آخر يواجه الحزب.
1. العلاقة التجارية اللامتكافئة
على مر عقود، غابت عن الدولة اللبنانية سياسات دعم القطاعات الإنتاجية لتتعمّق ثقافة الاستهلاك في جسد المجتمع اللبناني وتتغيّب ثقافة الإنتاج، ليصبح لبنان بلداً مستهلكاً من الدرجة الأولى. وبلغة الارقام يظهر التأثير السعودي على الاسواق اللبنانية. والجدير بالذكر أن الرياض تمثّل سوقا استهلاكيا واسعا بحيث يبلغ عدد سكانها ما يقارب التسع وعشرون مليون فرد، وبالتالي فإن تأثير لبنان على السعودية يكون شبه معدوم، بالإضافة إلى أنه ليس من الممكن مقارنة حجم الاقتصاد السعودي وقوّة تأثيره مع قدرات لبنان.
تشير بعض التقارير إلى صادرات اللبنانية إلى السعودية توازي 12% من مجمل الصادرات اللبنانية البالغة 2.9 مليار دولار أي بحوالي قيمة 356.5 مليون دولار. ومن الصادرات اللبنانية المجوهرات وتمثّل 6% من مجمل الصادرات. تليها مجموعات توليد الكهرباء الكبيرة، ثم المنتجات الصحية. حصّة المنتجات الزراعية والصناعات الغذائية من مجمل الصادرات إلى السعودية ضئيلة وتشمل زيت الزيتون والشوكولا والمخللات والمربيات. الصادرات اللبنانية إلى السعودية توازي 12% من مجمل الصادرات اللبنانية البالغة 2.9 مليار دولار، فيما الصادرات السعودية إلى لبنان توازي 0.7% من مجمل الصادرات السعودية غير النفطية البالغة 50.6 مليار دولار. أما استيراد لبنان من السعودية، فهو يوازي 2.1% من مجمل واردات لبنان البالغة 18 مليار دولار، فيما استيراد السعودية من لبنان يوازي 0.2% من مجمل وارداتها البالغة 166 مليار دولار. يستورد لبنان من السعودية الألبان والأجبان، 200 مليون دولار لمشتقات الحليب والتمور، والزيوت النباتية واللحوم المبسترة، والسكر، ومنتجات المخابز على أنواعها، والمياه المعدنية، والمازوت، ومستحضرات للشعر، ومستحضرات للتنظيف المنزلي والاستعمال الشخصي، ومواد أولية تستخدم للصناعة المحلية. بالإضافة إلى منتجات زراعية لا يحتاجها لبنان أصلاً مثل البطاطا، علمًا أنها متوفرة في السوق المحلية اللبنانية بوفرة.
استطاعت السعودية فرض صيغة مناسبة لها للتسويق لشركاتها على الاراضي اللبنانية وعلى الرغم من وجود مصانع إنتاج الزيت النباتي في لبنان إلا أن الرياض تصدّر أكثر من 10 آلاف طن إلى لبنان من ماركات مختلفة، أبرزها من منتجات شركة “صافولا” التي تنتج زيت “عافية”، وشركة “بساتين المأكولات” التي تنتج زيت “مازولا”، فضلاً عن آلاف الاطنان من الزيوت النباتية التي تأتي إلى لبنان من عدد من دول الخليج أيضاً. وإلى جانب ذلك، يستقبل لبنان ألباناً وأجباناً سعودية المنشأ رغم وجود عشرات المصانع المحلية التي كانت تواجه مشاكل كثيرة لتصريف إنتاجها أو لتلفه أو ضخّه في السوق بعيوبه لصالح المنتجات الأجنبية وهذا قبل التطورات والاوضاع الاقتصادية المتدهورة التي شهدتها بيروت بعد 17 تشرين 2019.
يدخل إلى لبنان 356 ألف ليتر من الألبان السعودية (حليب ومشتقاته بشكله الطبيعي)، وحجم الأجبان يبلغ 1000 طنّ سنوياً. هذه المنتجات غالبيتها من ماركات معروفة مثل المراعي التي قامت قيامتها عندما قرّر وزير الزراعة أكرم شهيب إخضاع دخول منتجات الألبان والأجبان إلى إجازة استيراد، إذ تدخّل الملحق التجاري في السفارة السعودية وأجرى اجتماعات صاخبة مع ممثلي المصانع في لبنان ولوّح بإجراءات غير عادية. وعلى الرغم من اكتساح الاسواق اللبنانية بالمنتجات الداجنة السعودية الا أن المملكة تمنع العديد من المنتجات اللبنانية الدخول الى اراضيها، كالبيض الذي يمنع دخوله من لبنان لمنعه من منافسة المنتجات المحلية.
يستورد لبنان السكر المكرّر من السعودية، ولا سيما من ماركة “الأسرة” التي تنتجها شركة “صافولا”، كذلك يستورد لبنان المعلّبات مثال “ماكسيم” المعلبة تنتج في السعودية، وهناك منتجات “الربيع” أيضاً التي تنتج في شركة الربيع السعودية، ومنتجات ماركة “plein soleil”، وبعض منتجات العصائر مثل “واحة” و”Iceberg”. وعندما قرر وزير الصناعة حسين الحج حسن حماية مصانع بطاطا الـ “chips” المحلية أمام الواردات السعودية من رقائق البطاطا ثار غضب الملحق التجاري السعودي صالح الغنام، ودافع عن المنتج السعودي، وفرض على الحكومة تراجع الوزير عن قراره وتأجيله مرتين، علماً بأن القرار كان يشمل واردات الألمنيوم التي يأتي قسم كبير منها من السعودية أيضاً، وينافس عدداً من المصانع المحلية.
هذه اللمحة تكشف الاختلال التجاري الغير متوازن بالإضافة الى الفساد المستشري، والحروب الدورية في إنشاء اقتصاد وصل إلى هذا الانهيار وبرزت معالمه مع بداية عام 2020، ومع كل ذلك الحصار الذي يشهده لبنان إن كان على صعيد مباشر أو غير مباشر وهنا لا بد من الإشارة للدور السعودي المساهم في التضييق وشدّ الخناق على بيروت، فمنذ عدة سنوات قامت الرياض باستهداف ثلاث مجالات لبنانية وهي: العمالة الوافدة، القطاع المالي والسياحة.
على الرغم من أن “مملكة الخير” المشبعة بالبترو دولار حتى الاختناق، لا تحتاج إلى هذه الأرباح الزهيدة المتأتية سوق صغيرة كلبنان، إلا أنها تصر على إغراق السوق بمنتجاتها، وفقاً لسياسات تدمير الإنتاج اللبناني لإخضاع لبنان للسلام مع كيان الاحتلال.
التدخل على الصعيد العسكري
انطلاقا من الأهمية الكبرى لموقع سوريا الجغرافي، أرادت المملكة السعودية في السنوات الماضية من خلال الحرب السورية السيطرة على منطقة الحدود بين لبنان وسوريا، بهدف منع وصول أي امدادات عسكرية للحزب في حال لم يسقط الرئيس بشار ولم ينجح المخطط في إسقاط النظام. كان آخر المحاور في مستند “مواجهة حزب الله في لبنان”، “ويكيليكس السعودية” هو المحور العسكري بحيث نصّت بنوده على تشديد الرقابة بالوسائل كافة على تهريب الأسلحة لحزب الله، وتفعيل دور قوات الأمم المتّحدة لتتمكّن من الاضطلاع بمراقبة الحدود البرية مع سوريا والحدود البحرية)، لكن العنصر الأهم كان في ضرورة بناء مراكز كشفية للشباب “المعتدل” لتدريبهم داخلياً وإمكانية ارسالهم في دورات خارج لبنان بهدف إنشاء مؤسسات عسكرية وأمنية مستقبلاً، ومواجهة حزب الله داخلياً إن لزم الأمر. وأضافت الوثيقة أن الدعم للجيش اللبناني مشروط يعني ذلك أنه تقوية جيش البلاد ومؤسساته مقترن بخلو وجود الحزب أو أي من عناصره لينجح الدعم وتعزيز المواجهة.
ومن باب تشديد الحصار على لبنان ومعاقبته، أوقفت السعودية مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوة الأمن الداخلي اللبناني “نظرا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين”، حسب وكالة الانباء السعودية الرسمية، وذلك يعود لخلفية الصراع بين الرياض وطهران ومشاركة حزب الله اللبناني في مساندة سوريا الى جانب الرئيس بشار الاسد في الحرب التي فرضت عليها، في مسعاها الدائم لإخضاع المؤسسة العسكرية اللبنانية لرغباتها وسياساتها ومصالحها.
التدخل على الصعيد الاعلامي
شكّلت بيروت المركز الإعلامي في المنطقة ووجهة تمويل كبير لمنشوراتها. وشارك المستثمرون رؤساء دول عربية وعلى وجه أخص أفراد في الأسرة المالكة السعودية وبلدان الخليج في تمويل غرف الأخبار اللبنانية، لإدارة معاركهم السياسية ودعمها. وبالتالي، كانت الأموال الأجنبية تُضخّ في السوق الإعلامي بوفرة وثبات. وحالياً، يتراجع ضخ هذه الأموال بشكل كبير نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية وبروز المحطات والقنوات الجديدة في الخليج. ومما لا شك فيه أنّ طابع جزء من القنوات اللبنانية مناهض لسياسة حزب الله، وعند أي حدث لا تنكف هذه القنوات عن بث التضليل للرأي العام لتشويه صورة المقاومة ولتحريف مسار القضايا التي يعاني منها المجتمع اللبناني والتصويب على أن الحزب هو من يتحمل تداعيات الازمات وأسبابها ونتائجها.
في الرابع من حزيران من عام 1997 صدر قرار ظل في طي الكتمان منحت بموجبه محطة الـ M.B.C السعودية ترخيصا للبث التلفزيوني والاذاعي في لبنان، وتم اعطاء هذه المحطة ترخيصا خارج إطار مجلس الوزراء ولم تتم مناقشته داخل أي جلسة ولم يطلع عليه حينها سوى من أمروا بالترخيص من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة ووزير الاعلام. والجدير بالذكر أن اعطاء رخصة يملكها بالكامل أشخاص غير لبنانيين يعتبر خرقا لقانون الاعلام المرئي والمسموع الذي ينص على منع تملك غير اللبنانيين لمحطات اعلامية.
اعترف رفيق الحريري في جلسته امام مجلس الوزراء 1997-6-25 أن القرار كان هفوة واعتبر لاغيًا، لكن في حقيقة الأمر واصلت المحطة استكمال ملفها وقرار الالغاء الذي صرح به الحريري لم يكن سوى شفهيا ولم ينفذّ. وفي المقابل تمارس السعودية قمعا للإعلام اللبناني، حيث وجّه وزير الثقافة والإعلام، الدكتور عادل الطريفي، بإيقاف قناتي الميادين والمنار “المواليتين لإيران وحزب الله”. وقال “كانت القناتان المواليتان لإيران وحزب الله قد شنَّتا هجمات إعلامية متوالية على السعودية، لفّقتا من خلالها الكثير من الشائعات والأكاذيب خلال “عاصفة الحزم”.
إن النموذج الاقتصادي للإعلام اللبناني غير مبني على المبيعات أو الإعلانات بل على الدعم المالي السياسي المباشر من رجال أعمال أو قوى سياسية ومالية أو دول. وعلى سبيل المثال تلفزيون المستقبل (سابقا) كغيره من العديد من المحطات التلفزيونية اعتمد بشكل أساسي على المال السياسي، وبالدرجة الأولى المال السعودي. والحال أيضا في قناة الـ MTV المملوكة من قبل عائلة المر ويتضح التأثير السعودي على المحطة عند زيارة مواقع القناة الالكترونية او عند الاستماع الى نشرات اخبارها بحيث تظهر وكأنها تبث من الرياض من شدة الانسجام مع الخط السعودي.
أما في الحديث عن قناتي العربية والحدث السعوديتين فهما جزء أساسي من بث الأضاليل وتشويه الحقائق والدور التي تلعبه المحطتان من محاربتهما “للمد الإيراني” لا يستثني حزب الله اللبناني البتة. فقد تجاوزت القناتان كل المعايير الإعلامية في بثها للأضاليل والكذب لتشويه عقل المتلقي وتحريف الحقائق، وأرشيف العربية والحدث حافل بتزوير الحقائق.
جاء في الوثيقة المسربة الحديث عن دعم القنوات الإعلامية اللبنانية والتلفزيونية المعتدلة والوطنية المناهضة لسياسات حزب الله، والعمل معها على وضع سياسات تزعم أنها تكشف تجاوزات الحزب وتوجيهاته العقائدية. والجدير بالذكر أنه وقبل أربع سنوات، كشفت “ويكيليكس” وثائق سرية لوزارة الخارجية السعودية. تُظهر الوثائق أنّه في عام 2012 دفعت السعودية مليونَي دولار لقناة الـ MTV اللبنانيّة، شرط أن تكون بخدمة المملكة تقنياً وسياسياً. عملت المملكة أيضا على تطويع المؤسسة اللبنانية للإرسال LBCI، إنّما بوسيلة أخرى، فقد هُددت القناة بلَي ذراعها عبر شركة الإعلانات المتعاقدة معها (مجموعة الشويري الخاضعة للوصاية السعودية)، إذا تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعتها المملكة لهذه القنوات، وهي التمادي بأي موقف ضدّ المملكة.