الحرب على سورية.. انكشافات أميركية وذهول عربي
ثمة أسئلة كثيرة تُطرح عن سرّ امتقاع كثير من الوجوه العربية جراء اتفاق إيران ودول “5+1″، وهناك من يذهب إلى القول لا بل أرواحهم أيضاً امتقعت.
هل نحن في زمن تغييرات جيواستراتيجية كبرى أساسها انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط؟
متوهم من يعتقد أن واشنطن وصلت إلى حدود الوهن، لأنها منذ مشروع ايزنهاور في العام 1957 ركّبت الشرق الأوسط على أساس توزيع الطحين على الناس والدول، وعندنا في لبنان خبرنا “المكرمة” الأميركية من النقطة الرابعة؛ المزارع التي أشرفت عليها، حيث كان أجر أصغر موظف أميركي فيها خلال تلك المرحلة لا يقل عن 6 آلاف ليرة، بينما أجر المهندس اللبناني أو أكبر موظف لم يتجاوز الـ500 ليرة، وعدة مئات من آلاف الدولارات التي رصدتها أميركا يومها لتحسين وتطوير الوضع الزراعي اللبناني ذهبت في معظمها أجوراً للموظفين الأميركيين، وربح اللبنانيون “تربيح الجميلة” فقط، وفي ال”ارامكو” في الحجاز؛ المملكة الأميركية المستقلة تماماً داخل مملكة آل سعود، ثمة من يشير إلى أن أجر “خبير التنظيفات” الأميركي يبلغ ضعف أو ضعفي أجر أهم مهندس سعودي أو عربي يعمل فيها.
الحزب الديمقراطي التركي يومها ذو الميول “الإخوانية” برئاسة جلال بايار وعدنان مندريس اعتبر نفسه بديل عثمان أرطغرل، بدأ عام 1951 إنكليزياً مع مشروع حلف بغداد وانتهى أميركياً مع هزيمة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، لترث الولايات المتحدة كل ما كان من نفوذ في هذه المنطقة لصُناع سايكس – بيكو، وتفرض سطوتها على الخليج، لكن الولايات المتحدة التي فرضت بساطها على المنطقة في تلك الفترة دون أن تتكلف شيئاً، ورثت الاستعمار القديم بفعل ضعف وهزل الإمبراطورية البريطانية، التي كات لا تغيب الشمس عن أراضيها أو مستعمراتها، ليست الآن في أحسن حال بفعل تدخلها المباشر في المنطقة؛ من أفغانستان إلى الخليج إلى العراق وصولاً إلى اليمن والصومال، ناهيك عن جنودها وقواعدها العسكرية المنتشرة في كل أنحاء المعمورة.
أميركا التي اعتادت ربح المعارك العسكرية بسهولة، اكتشفت أن ترسيخ هذا “الربح” يكلف كثيراً كثيراً من القتلى والمعاقين والجرحى والمشوّهين جسدياً وعقلياً، وأزمات اقتصادية ومالية عميقة لن تجد لها الحلول الناجعة بسهولة.
لكن ثمة من تسبب لها بكل الواقع الجديد المأزوم، وهو ببساطة حلف المقاومة، فتعددت وسائل حربها ضده، فكانت حرب تموز 2006، وكانت حرب غزة 2008، وكان خلق كل المجموعات التكفيرية والأصولية، التي لم توجّه كلمة واحدة ضد العدو “الإسرائيلي”.. ولا حتى إلى اليهود.
كانت الحرب الاقتصادية ضد إيران وجريمة ما يسمى العقوبات، لكن إيران صحّ فيها القول “رُبّ ضارة نافعة”، فشهدت تطوراً علمياً مذهلاً، واستطاعت أن تكتفي ذاتياً في كثير من المجالات الحياتية والعلمية والإنتاجية والصناعية والزراعية.. فكان استهداف “أكس” المقاومة والممانعة المتمثل في سورية، بعد أن بيّنت الدولة الوطنية السورية أنها تتمتع باستقلال حقيقي من خلال اكتفائها الذاتي، بحيث إن سورية تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي لا يترتب عليها دَيْن خارجياً، رغم الميزانية الكبرى للتسليح والدفاع، والتي تلتهم نحو 80 بالمئة من الميزانية العامة للدولة.
إذاً، ثمة حقائق تفرض نفسها، وهي أن زعيمة الرأسمالية العالمية المتوحشة فُرض عليها الانسحاب من العراق، ومفروض عليها أن تنسحب من أفغانستان، وسيكون مفروضاً عليها أن تعيد النظر بوجودها العسكري المباشر في محميات الخليج.
كثيرون فهموا معنى إعادة الحسابات، فهاهو رجب طيب أردوغان الذي اعتقد فترة أنه صار السلطان إلى ما أبعد من تركيا، فسرق حلب وما حولها، يتحول وكأنه بات جارية عند السلطان، فيحاول أن يهرب نحو علاقة جديدة مع إيران أو بغداد، أو حتى كردستان.
الأردن يجد نفسه في مستنقع لا يعرف الخلاص منه، فبدأ حديث واسع عن استبدال الملك بأخيه حمزة، أو العودة إلى عمه حسن.
لبنان وما أدراك ما لبنان، حيث سياسيوه من “14 آذار” يبدون وكأنهم أحفاد نجباء لعملاء القناصل منذ العام 1841 في زمن القائمقاميتين، وهكذا نجد “تيار المستقبل” وامتداداته وتفرعاته من أصوليات وقوى سياسية يترجم القرار السعودي باستخدام طرابلس لتفجير فتنة مذهبية.. وربما ما هو أكثر قد يكون من أبرز ما في المرحلة المقبلة تحميل الجيش أعباء مواجهة خطر حرب أهلية، ما يعني وضعه هدفاً للتصويب عليه.
حقيقة إضافية، وهي أن المملكة السعودية ما تزال وحدها تنظر بذهول أمام سقوط حلقات مؤامراتها الواحدة تلو الأخرى:
– تنظر بخوف وارتياب ورعب إلى الاتفاق الإيراني – الأميركي.
– مرعوبة من كسر حلقات مؤامراتها وفتنها في سورية ولبنان.
– تنظر بارتياب وخوف إلى مصر التي تتجه إلى تعزيز علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع روسيا.
– تنظر بخوف وارتباك ووجل إلى دول مجلس التعاون الخليجي، والتي ملّت الغطرسة والعجرفة السعودية.
والسؤال هنا: هل تقدم السعودية على خطوة جريئة وتقول لبندر بن سلطان وأخيه سلمان وسعود الفيصل وشقيقه تركي: “ستوب” كفى مغامرات؟
في العادة، طريق الانتحار يبدأ بالمغامرات الطائشة.
ببساطة، لنتابع المغامرات السعودية في سورية، حيث “وهابيوها” يحطمون الأضرحة والآثارات وشواهد التاريخ العظيم.
ولنتابع رياح الدولة الوطنية السورية، دعوا خيالكم يذهب إلى أبعد نقطة.. فدمشق عاصمة التاريخ والأزل.. ومدينة الياسمين.. المؤامرة الكونية الكبرى ستسقط.
أحمد زين الدين – موقع الثبات