الحرب المزعومة على عروق الإرهاب المصنّع في المنطقة واستراتيجيات الغموض الخماسي
كتب: المحامي محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
واشنطن تعاني من HOMESICK لماضيها الدموي شوقاً وحنيناً، وروسيّا تتمسك بالشرعية الدولية وقواعد القانون الأممي وتعرف أنّ الهدف النهائي هي بالأساس وترد، وسورية تحاول التأقلم مع المتغير الجديد في المنطقة عبر استراتيجيات الغموض الخماسي المشترك(سوري، روسي، صيني، إيراني، حزب الله) فماذا يجري؟
قلب وتقليب مفردات التاريخ ولغات وحقائق الجغرافيا من جديد من قبل الماما الأمريكية وحلفائها وأدواتها من البنات والذكور إزاء الفدرالية الروسية وعبر سورية وأوكرانيا، بمثابة صراع مباشر وحرب سياسية ساخنة ودبلوماسية متفجّرة في طور التحول والتمحور والتبلور وبكل اللغات، إلى انفجار أمني وعسكري واقتصادي حيث نواة هذا الانفجار سورية، كون الحرب المزعومة على عروق الإرهاب في الداخل السوري عبر التحالف، هي من ستشعل النواة الأولى لانطلاق هذا الانفجار الأمني والعسكري الشامل المتوقع بين موسكو والغرب.
الحرب على عروق الإرهاب في سورية بشكل خاص، هي لإسقاط سورية كمدخل لإسقاط روسيّا وتقويض توسع مناطق النفوذ الروسية بالمشرق العربي، مع الاعتراف أنّ الداخل الروسي يستشعر ومنذ الحدث السوري وبشكل كبير الآن، بأنّ ملامح الفوضى الأمريكية ونسخ استراتيجيات توحشها تحرك بعض من في الداخل الروسي للمطالبة بالانفصال عن الجمهورية الاتحادية الروسية.
(…عقد من زمن الحروب قد ولّى…)أليس هذا وعدك لشعبك يا حاج أوباما عشية فوزك للمرة الثانية برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؟ نعم لقد تمكنت من استبدال جيشك بآلات الإرهاب القديم الجديد، عبر اعتمادك وحلفائك وأدواتك على نسخ قاعدية تكفيرية إرهابية متوحشة، ودفعت بها إلى منطقتنا العربية والى أوكرانيا الآن من خلال استثماراتك ومجتمعات مخابراتك ونظيراتها من حلفائك من بعض عرب وبعض غرب، في فكر ابن تيمية والشيخ محمد عبد الوهاب كفكر الغائي إقصائي، واستثمارات في ديمغرافيات شعوب الدول المستقلة المراد استهدافها لإشباع غرائز الطاقة لدى خلايا البلدربيرغ الأمريكي.
سيدي الرئيس حاج باراك حسين أوباما: روسيّا ليست مجرد بلد وكفى، ولا تقوم بدور ذكر أو زكر النحل وكفى، إنها حضارة كاملة وقصّة أكثر من ألف عام وبوتقة ثقافية ذات قوّة هائلة لا بل إنها أيقونة ثقافية مجتمعية متنوعة كاملة، والروس هم أقرب إلى الشرق منهم إلى الغرب لا بل هم شرقيون على الأغلب الأعم.
حاج باراك أوباما الآن أراد إعادة التموضع وتجنب مزيد من الخسائر، فادّعى محاربته لصنيعته وبدعته(الدولة الإسلامية في العراق والشام)على أرض سورية وبعيداً عن الشرعية الدولية، دون أن ينتبه وحكومته الأوتوقراطية حكومة الأثرياء في الداخل الأمريكي، بأنّ هذه سورية قلب الشرق ومركز المسيحيّة العالمية والضرب فيها وهم على وهم سيدي الرئيس.
لا يستطيع أي أحد أيّاً كان أن يدافع عن شرعية الضربات الجويّة والصاروخية للولايات المتحدة الأمريكية في الداخل السوري إزاء مجتمعات الإرهاب المدخل إلى الداخل السوري من قبلها ودول تحالفها المزعوم، كونها خارج قرارات الشرعية الأممية ومجلس الأمن الدولي سواءً كانت بعلم الحكومة السورية أو بدونها أو حتّى على مستويات التنسيق السري أو العلني المختلفة، وعبر طرف ثالث ان لجهة الزمن الحاضر، وان لجهة المستقبل، خاصةً وأنّ القيد الزمني للغزو سيطول ويطول سنوات، ناهيك عن القيد الموضوعي والذي قد يتطور إلى ضرب مواقع الجيش العربي السوري وحتّى مقرات الرئاسة السورية، فهي مدانة وغير شرعية وبكل اللغات وخارج قرارات الشرعية الدولية، وتخالف صراحةَ قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واحترام سيادة دولة مؤسس للأمم المتحدة.
الولايات المتحدة الأمريكية يبدو أنّه أصاب عقول كوادرها السياسية والأستخباراتية ومفكريها، لا أقول فقط الجمود والعطب، بل لوثة فكرية وأيديولوجية عميقة، وتخلّت عن فن الممكن وفقدت أهلية الحوار ولم تعد ترى وتسمع، إلاّ عن طريق فوهات المدافع ومنصات الصواريخ، صواريخ الكروز والتوماهوك، لتنشر ديمقراطيات الكروز والتوماهوك. لقد تخلّت عن السياسة وأساليبها وآليات العمل السياسي، وتحولت إلى دولة محاربة مقاتلة وبشكل مستمر ومتواصل وصارت القوّة العسكرية الطريقة الوحيدة المتبعة لتأمين المصالح وتحقيق الأهداف.
أميركا هاهي تقود العالم عبر بدعة الفوضى الخلاّقة وإدارة التوحش المستولدة من الأولى، بالاعتماد على تكريس الإرهاب ودعمه والاستثمار فيه عن طريق تمدده وانتشاره، أميركا تعاني من HOMESICK إلى الماضي الدموي الذي أتاح لها سبل نشوئها، وما تحاول تقديمه من نموذج حضاري ما هو إلا ادعاء مزيف وخديعة جديدة، أميركا صانعت الإرهاب والمستثمر الأكبر فيه وحلفائها من بعض العرب من بعض دول الدمى، وتحاربه وصارت المنقذ لنا ولأدواتها من بعض العرب بعض دول الدمى.
الجيوش الأمريكية الحربية أصبحت الجيوش التي لا تستريح ولا تتوقف، فحيث تكون مصالحها ترى قوّاتها العسكرية تسبقها إليه، فالضربات الجويّة لصنيعة الإرهاب الأمريكي(مجتمعات الدواعش) إن لجهة الداخل العراقي المراد احتلاله وتقسيمه وإنشاء “إسرائيل” جديدة في شماله دولة كوردستان، وان لجهة الداخل السوري المراد إسقاط نسقه السياسي ونظامه وحكومته كبوّابة لإسقاط روسيّا لاحقاً، فهذه الضربات ترويض للوحش الداعشي وليس قتله وإعادة هيكلة وتوجيه جديد له، حيث الجانب السياسي في هذا الأمر وصل إلى مرحلة الإشباع، إن من حيث توصيف العلاقة الوثيقة لمجتمع المخابرات الأمريكي بالدواعش وغيرها من الجماعات الإرهابية بما فيه تنظيم خوراسان الجديد، وان من حيث التعرض لأبعاد وأهداف الضربات الأمريكية في إعادة صياغة شكل جديد للتدخل في المنطقة ورسم قوانين صراع جديدة تتلاءم مع متطلبات السياسة الأميركيّة.
الجنرال جون ألن منسق العمليات العسكرية الأمريكية على أبناء الماما الأمريكية من الدواعش وجلابيبها، يعتمد على القوّات المحلية(الصحوات الجديدة التي تم بعثها من جديد) في العراق لمحاربة أبنائه الدواعش وعقوقهم لوالديهم، من خلال ما تملكه الأجهزة الأمنية الأردنية وعلى رأسها جهاز المخابرات الأردني من DATA معلومات وشبكات علاقات مع عشائر الأنبار، وبالتالي التأثير على فصلها عن الدواعش وتأسيس صحوات بنسخ مستحدثة مع مجاميع بعثية سابقة معهم، وتقول المعلومات أنّه في القريب سيعقد مؤتمر ثان للمعارضة العراقية بالتنسيق مع حكومة حيدر العبادي في عمّان، لغايات فك ارتباط العشائر السنيّة بداعش وجلابيبه.
وفي المعلومات أيضاً، أنّ الحدود العراقية السورية ستكون بمثابة منطقة عازلة مع فرض حظر جوي لاحقاً على شرق سورية وشمال شرق سورية وبالتنسيق مع الأتراك، حيث ستكون منطقة عازلة لها بعد طائفي معين – سني، ومن هنا قال أرودوغان شروطه لكي يشترك بالتحالف (اللغم) بالنسبة له لمحاربة داعش، حيث اشترط منطقة عازلة وفرض حظر جوي فوقها. والآن يعمل الجميع على حشر الدواعش في سورية ورفدها بمجاميع الإرهاب المعتدل، بعبارة أخرى يريدون محاربة الإرهاب بالإرهاب، وهذا من شأنه أن يؤسس لمشهد قاتم جدّاً في قادم الأيام.
السفلة الأمريكان يسعون إلى بلورة وجهة الصراعات القادمة في المنطقة وبعد إعلان واشنطن عن ائتلافها من زيف محاربة الإرهاب إلى فكرة وصيغة مؤداها: ضرب المقاومات عبر الأحزمة الأمنية المستنزفة بين سورية والجولان المحتل، وقد يمتد إلى بين سورية والأردن، والحال كما وصفناه سابقاً على الحدود السورية العراقية والحدود السورية التركية. نعم الإستراتيجيات الأمريكية الجديدة في المنطقة تتمثل، في إقامة الأحزمة الأمنية الآمنة ومناطق حظر جوي مع ممرات إنسانية لاحقاً وبعيداً عن الشرعية الدولية وعبر توسيعات للقرار 1270 متلاقحاً مترافقاً للقرار 1278 مجلس أمن دولي، وان كان الأخير بلا آليات وجداول زمنية رغم ايجابيته.
داعش أطلق ضيوفه من الأتراك عبر فصول مسرحية بدأت تتضح مشاهدها، ويستمر بالهجوم على عين العرب(كوباني بالكوردية) بدعم من الوحدات الخاصة التركية التابعة لجهاز المخابرات التركي وجهاز استخبارات الجيش التركي، ليمهد لآقامة منطقة عازلة مع حظر جوي للقضاء على الحلم الكوردي المتعاظم في إقامته على الأقل مناطق حكم ذاتي، قد تقود في النهاية إلى إقامة دولة كورديّة غير دولة كوردوستان “إسرائيل” الجديدة في الشمال العراقي.
رعاة البقر والكابوي عادوا إلى المنطقة بغطاء عربي عسكري ووفّر العرب فكرة مفادها: أنّ المعركة ليست بين واشنطن والسنّة في العراق وسورية أو لدعم المحور الشيعي في المنطقة، إنها فكرة تظليليّة قاتمة ومع ذلك تحاول دمشق النازفة التأقلم مع المتغير الجديد وفق حسابات خاصة بها.
الغزو كان في بداية هذا القرن في العراق تحت عنوان الإرهاب ويتكرر من جديد بعيد عقد من الزمن تحت العنوان نفسه، بعد إعادة هيكلة ودعشنة داعش ونصرنة النصرة وقوعدة القاعدة من جديد عبر عمليات هندرة حروب الوكالة الأستخباراتية، فكان خوراسان وموراسان ولا ندري ماذا سيكون غداً.
ولخلط الأمور ببعضها البعض وعبر خلاّط مولينيكس سعت وتسعى واشنطن إلى زج إيران في معركتها الاستعراضية ضد دواعشها وجلابيبهم، لكن إيران لم تكن في عجلة من أمرها لسحب الكستناء من النار الأمريكية، إنها العقلية الإيرانية الشهيرة القائمة على الصبر وإتقان العمل حتى موعد الحصاد، والذي غالباً لا يظهر في السجّاد الإيراني قبل إتمام الحياكة، هي حنكة إيرانية ودهاؤها الدبلوماسي والأمني الذي أوصلها إلى أن فرضت إعادة رسم خريطة التوازنات الإستراتيجية في المنطقة، على الرغم من أنّها تراجعت الى موقع الدفاع الذي يجبرها على أن تكون المتلقي للصدمات، إلاّ أنّها اختارت الصد عبر الهجوم هذه المرة، فدعمت الحراك اليمني من جهة، وأفشلت المخططات في العراق والشام، لقد طوّقت الدول التي تآمرت، وأثبتت أنّها قادرة على الإمساك بالمنطقة دون الحاجة الى احتلال دول أو ضربها وعبر لعبة المعابر والمضائق، من هرمز الى باب المندب، لتوجه ضربة قاسمة للوجود الصهيوني في البحر الأحمر وفي القرن الأفريقي وخاصة في أثيوبيا.
لكن العلاقات الأمريكية الإيرانية في هذه المرحلة بالذات، توصف بأنّها مثل المتزوج الذي دعا عشيقته ذات القوام الممشوق والأرداف المكتنزة وذات الوجه الملائكي، الى عشاء بشموع حمراء بالخارج ولا يريد لأحد أن يراه فيفضح سرّه.
الولايات المتحدة الأمريكية تواجه الآن عواقب ألاعيبها الماكرة ضمن ظروف يصعب السيطرة عليها، إلاّ بتحالف شبيه بتحالف بوش الابن وشن حرب جديدة على أبنائها من الدواعش يأجوج ومأجوج العصر والبرابرة الجدد، فهي خلقت فيروس داعش ونسخته المتقدمة خوراسان الآن لإنشاء دولة كوردوستان(إسرائيل الجديدة) وتقسيم العراق وسورية ولاحقا تركيا، ومحاولاتها المستمرة للإطاحة بالأسد وحكومته ونظامه وبالنسق السياسي السوري كلّه كانت السبب بغض الطرف عن الإسلاميين ونشوء الدولة الإسلامية في العراق والشام.