الحرب التجارية الأمريكية مع الصين لن توقف التضخم
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر (ترجمة):
بدأ الرئيس ترامب الحرب التجارية في أوائل عام 2018 من خلال فرض رسوم جمركية على الألواح الشمسية والغسالات والألمنيوم والصلب. وعلى الرغم من أن الرسوم الجمركية لم تطبّق على المنتجات الصينية فقط، إلا أنها كانت إلى حدّ كبير نتيجة اعتقاد ترامب أن الاقتصاد الأمريكي قد تضرّر من الممارسات التجارية الصينية غير العادلة، بما في ذلك التلاعب بالعملة، وسرقة الملكية الفكرية، ونقل التكنولوجيا القسري، وإغراق السلع المدعومة منخفضة السعر في سوق الولايات المتحدة.
كان يأمل الكثيرون أن تؤدي الحرب التجارية إلى تقوية الاقتصاد الأمريكي من خلال تشجيع الشركات على إعادة وظائف التصنيع إلى الولايات المتحدة، وتقليل العجز التجاري المتزايد باستمرار مع الصين، وردّ الصينيون بالمقابل بفرض تعريفات جمركية على البضائع الأمريكية، وتكرّر هذا النمط المتبادل من خلال خمس جولات من التعريفات الإضافية على مختلف المنتجات. واتفقت الدول على وقف التصعيد في كانون الثاني 2020، حيث تعهدت الصين بشراء المزيد من السلع والخدمات الأمريكية مقابل خفض الرسوم الجمركية على بعض المنتجات.
وعندما غادر ترامب منصبه في كانون الثاني 2021، بلغ متوسط الرسوم الجمركية 20.7٪ وغطت 66.4٪ من الواردات الصينية، وعندما تولّى الرئيس بايدن منصبه لم يظهر أي إشارات على أنه ينوي إنهاء الحرب التجارية في أي وقت قريب.
لم تسر الحرب التجارية كما أريد لها، فقد فشلت من نواحٍ عديدة، حيث أدّت في البداية إلى زيادة طفيفة في الوظائف في صناعات الصلب والألمنيوم الأمريكية. ومع ذلك، دفع المستهلكون ما يقدّر بنحو 900 ألف دولار سنوياً عن كل وظيفة في مجال صناعة الصلب تمّ إنشاؤها -أكثر من 13 ضعفاً لمتوسط راتب عامل الصلب- ثم تلاشت هذه المكاسب الوظيفية خلال الوباء. تبلغ الطاقة الفائضة المتبقية في العالم لإنتاج الصلب نحو ستة أضعاف القدرة الإنتاجية لصناعة الصلب الأمريكية، لذا فإن محاولة تنشيط الصناعة من خلال الرسوم الجمركية كانت دائماً معركة شديدة الصعوبة.
وفي الشأن ذاته، فشلت الرسوم أيضاً في تحسين العجز التجاري للولايات المتحدة، الذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 859.1 مليار دولار في عام 2021، حيث نما العجز التجاري مع الصين بنسبة 14.5٪ إلى 355 مليار دولار، مما يعكس الاعتماد المستمر على السلع الصينية.
وقد أضرّت الحرب التجارية بالمستهلكين الأمريكيين أيضاً، حيث يجد الاقتصاديون عادةً أن التعريفات التي تفرضها الدول الكبيرة تؤدي إلى انهيار بالأسعار، فالشركات التي ترغب بمواصلة تصدير السلع إلى البلدان التي تفرض التعريفة تخفض أسعارها وتتقاسم العبء مع المستهلكين. ومع ذلك، لم يحدث مثل هذا الانهيار خلال الحرب التجارية. لقد تمّ تمرير الرسوم إلى المستهلكين وانخفض الدخل الإجمالي الحقيقي بشكل طفيف في كلّ من الولايات المتحدة والصين.
إن الذين يلقون باللوم على الحرب التجارية في ارتفاع الأسعار ليسوا مخطئين تماماً، حيث زادت الرسوم الجمركية الأمريكية 49.1 مليار دولار بين الربع الأخير من 2016 والربع الثالث من 2021 لتصل إلى 85.7 مليار دولار. وتمثل الزيادة 0.3٪ من 16 تريليون دولار ينفقها المستهلكون الأمريكيون على النفقات الشخصية، إذ من شأن إلغاء التعريفات أن يوفر الحدّ الأدنى من التخفيض لمرة واحدة في أسعار المستهلك، لكن هذا الانخفاض مجرد قطرة ولن يفعل الكثير لوقف المدّ المتصاعد للتضخم.
في نهاية المطاف، سيكون الإصلاح بسيطاً في حال كانت التعريفات هي المحرك الأساسي للتضخم، لكن التضخم يرفع سعر كل شيء، وليس فقط البضائع الجمركية. فقد يؤدي إلغاء الرسوم إلى تخفيف طفيف، لكنه لن يفعل شيئاً لإبطاء ارتفاع أسعار الغذاء والإسكان والوقود التي تؤثر على حياة الأمريكيين اليومية، أكثر بكثير من أي سلع مثقلة برسوم الحرب التجارية!.