الحرب الباردة بعثت من جديد
موقع إنباء الإخباري ـ
فادي زواد السمردلي:
أظهرت الأزمة ما بين بريطانيا وحلفائها من جهة، وروسيا من الجهة الأخرى، على خلفية ادعاءات تسميم العميل المزدوج سيرجي سكريبال وابنته في بريطانيا ـ والذي يحيا بصحة جيدة هو وابنته! ـ أن الحرب الباردة عادت من جديد، وها نحن نرى أكبر عملية طرد للدبلوماسيين منذ زمن طويل.
التهمة التي وجهتها بريطانيا و29دولة تنفيها موسکو جملة وتفصيلا، وتعتبرها عملاً استفزازياً، إذ أن بريطانيا لم تقدم دليلاً واحداً على قيام روسيا بعملية التسميم بغاز الأعصاب الذي يُصنع في العديد من الدول، وليس حكراً على دول بعينها، أضف الى ذلك أن قیام الغرب بهجمة شرسة على روسيا له مدلولات أخرى بعيدة كل البعد عن قضية التسميم. فالدور المتعاظم لروسيا علی الساحة العالمية، خصوصاً علی الساحة السورية وفي دول البلقان، يشعر الغرب بسحب البساط من تحت أقدامه.
هناك أمور أخرى أكثر أهمية دعت لظهور الحرب الباردة من جديد، ومنها تبني حلف الأطلسي منذ عام 2010 مفهوماً استراتيجياً جديداً، وفي مقابل هذا المفهوم يبرز محور قوي جديد يتكون من روسيا وإيران وتركيا، بالإضافة إلی الصين ـ القوة الاقتصادية والعسكرية العظمى ـ وهذا الحلف يحضر بقوة على الساحة العالمية وفي مجالات السياسة والاقتصاد والعسكر.
ومما يزعج الغرب أكثر اليوم، أن روسيا المعاصرة تختلف اختلافاً كبيراً عن الاتحاد السوفييتيـ في العديد من السلبيات التي أدت إلی انهيار الاتحاد السوفيتي. فقد استطاع الرئيس فلاديمير بوتين إعادة بناء الدولة على أسس قومية، وليس على أسس الأيديولوجية الشيوعية التي تبناها الاتحاد السوفييتي السابق.. بالإضافة إلی إدارة اقتصادية مثلی لموارد الدولة وتنويع مصادر الاقتصاد، بدلاً عن اقتصاره على انتاج النفط وبيعه بالسوق العالمية دون الاهتمام في آلية تحديد سعره، معتمدين على الانتاج الكبير.
التطورات النفطية العالمية السابقة أدت إلى تسریع سقوط الاتحاد السوفييتي. لكننا الآن نری آن هناك تنوعاً في مصادر الإيرادات والصادرات الروسية، کالغاز الطبيعي الذي لا يقل أهمية عن النفط، بالإضافة إلى تنويع أسواقه. لهذا أصبحت الأسواق الآسيوية مقصداً مثالياً للصادرات الروسية، وعلى رأسها الصين، ما أدّی إلی تنويع الأسواق وعدم الاعتماد على سوق واحدة قد تؤدي إلی انتكاسة اقتصادية جديدة، بالإضافة لعمل شراكات مع الدول المنتجة للنفط كالسعودية ودول الأوبك لضبط مستويات الإنتاج والتنسيق بما يخص آليات التسويق والمنافسة منعاً لانهيار الأسعار.
لكن وبالرغم من كل ذلك، نشهد اليوم حقبة جديدة من الحرب الباردة، والتي ستؤثر في الاقتصادات والسياسة العالمية التي تتقدم نحو المجهول!