الحرب الأوكرانية تُنعش صناعة الأسلحة الأمريكية.. صفقات بالمليارات
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
في جميع الحروب دائمًا هناك رابح وخاسر. أما في الصراع الأوكراني، فالخاسر الأكبر هو شعب هذا البلد، والفائز الوحيد حتى هذه اللحظة هو شركات السلاح الأمريكية.
فالسباق الذي تخوضه إدارة الرئيس جو بايدن، مع الزمن والمشرعين في الكونغرس – قبيل انتخابات 2024 – لتزويد أوكرانيا بالأسلحة الأساسية لهزيمة روسيا، أدى إلى تسريع واعد في إنتاج الأسلحة، بما في ذلك طرازات قذائف المدفعية التابعة لحلف شمال الأطلسي، والتي من المتوقع أن يصل إنتاجها قريبًا إلى ضعف المعدل الأمريكي قبل الحرب البالغ 14000 طلقة شهريًا، خصوصًا وأن هجوم كييف المضاد يتوقف مصيره على قدرة الغرب على تلبية حاجة أوكرانيا التي تعاني من نقص كبير في ذخيرة المدفعية.
فوفقاً لأحد التقديرات الأميركية، أطلق الأوكرانيون نحو مليوني طلقة من ذخائر المدفعية عيار 155 ملم منذ بدء الحرب، مما أدى إلى استنفاد المخزونات الغربية تقريباً.
ما هو حجم أرقام صفقات شركات السلاح الأمريكية الموجهة لأوكرانيا؟
في الواقع، جلبت الحرب في أوكرانيا طفرة لشركات الأسلحة الأميركية، التي تتسابق لتوسيع الإنتاج وقدرة المصانع، حيث يشهد البنتاغون تدافعًا بيروقراطيًا للحصول على المعدات اللازمة في الوقت المناسب.
فبعد مرور عام ونصف على اندلاع المواجهة الروسية ــ الاطلسية في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، يجري تعزيز صفقات الإنتاج بشكل تدريجي. فمن أصل 44.5 مليار دولار خصصتها الولايات المتحدة لتصنيع الأسلحة المتجهة إلى أوكرانيا أو تجديد المخزونات الأمريكية المتبرع بها، وضعت وزارة الحرب حتى الآن اللمسات النهائية على عقود لإنتاج أسلحة تبلغ تكلفتها حوالي 18.2 مليار دولار، أو 40.8% من هذا الإجمالي.
ومع ذلك، فإن هذه الأرقام مرشحة للإرتفاع، إذ يقدر مسؤولو البنتاغون أن القيمة النهائية للعقود المتعلقة بأوكرانيا المبرمة حتى 18 آب الجاري، ستكون أعلى بكثير من الرقم البالغ 18.2 مليار دولار.
ليس هذا فحسب، وبينما تستثمر الولايات المتحدة في توسيع إنتاج الذخائر والطائرات من دون طيار وصواريخ الدفاع الجوي وغيرها من الأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا، تركز واشنطن في الوقت ذاته على إنتاج قذائف المدفعية عيار 155 ملم، والتي كانت الدعامة الأساسية للترسانة الغربية التقليدية لعقود من الزمن، وأثبتت أهميتها بالنسبة لأوكرانيا في هجومها المضاد المستمر.
كيف ارتفع عدد قذائف المدفعية التي تنتجها المصانع الأمريكية حاليًا؟
تقوم مجموعة من الشركات الأمريكية بأدوار مختلفة في تصنيع القذائف، بما في ذلك تصنيع المقذوفات الفولاذية وتجميعها للمعركة، فضلًا عن ذلك تستثمر وزارة الحرب الأمريكية أيضًا في توسيع خطوط الإنتاج.
من هنا، ومنذ شباط 2022 أبرم البنتاغون عقود تصنيع بقيمة 2.26 مليار دولار لقذائف مدفعية عيار 155 ملم، مما ساعد على زيادة الإنتاج الأمريكي من 14000 طلقة، قبل شهر من الصراع، إلى حوالي 24000 طلقة شهريًا هذه الأيام. ومن المقرر أن يصل الإنتاج قريبًا إلى 28000 شهريًا، بهدف إنتاج مليون قذيفة سنويًا بحلول خريف عام 2025. والغريب في الأمر أن المسؤولين الأمريكيين رفضوا تحديد الحصة التي ستذهب إلى أوكرانيا مقابل الكمية التي سيتم الاحتفاظ بها في الاحتياطي في الولايات المتحدة.
كما يلفت المسؤولون الأمريكيون الانتباه إلى أن بعض العقود الموقعة لتجديد الإمدادات الأمريكية أو إنتاج أسلحة محددة لأوكرانيا قد تم الانتهاء منها في غضون 30 يومًا أو أقل، بما في ذلك صفقات لصنع طائرات من دون طيار من طراز Switchblade وPhoenix Ghost وأنظمة الدفاع الجوي NASAM. كما أنهم يستخدمون لأول مرة عقود ذخائر متعددة السنوات.
ماذا عن مخزون الحلفاء؟
كانت الحرب بمثابة جرس إنذار لمؤيدي أوكرانيا في جميع أنحاء الغرب حيث يرى المسؤولون في حلف “الناتو” أن هناك حاجة ملحة لزيادة مخزوناتهم من الذخيرة، وتساءل هؤلاء إلى متى يمكن للتحالف الغربي تحمل حرب تقليدية كبرى؟
بدوره أشار كاميل غراند، الذي شغل منصب مساعد الأمين العام لحلف الناتو للاستثمارات الدفاعية بين الأعوام 2016 إلى 2022، إلى أن النزاعات الأخيرة في أفغانستان والعراق، لم تستهلك المدفعية بنفس الوتيرة السريعة مثل الحرب في أوكرانيا.
من هنا، تحاول الدول الأوروبية معالجة هذه المشكلة. فهذا الصيف، وافق الاتحاد الأوروبي على خطة ثلاثية المسارات في نهاية المطاف لإنتاج 650 ألف طلقة مدفعية من العيار الكبير سنويًا، والتزم بتسليم مليون طلقة لأوكرانيا في جهد مشترك في غضون الاثني عشر شهرًا القادمة.
وفي هذا السياق قال غراند إن “أكبر عقبة هي الجدول الزمني”، واضاف “من الجيد والرائع أن نعرف أنه بعد خمس سنوات من الآن، سنكون قادرين على زيادة الإنتاج وإعادة ملء المخزونات ولكن في غضون ذلك، أوكرانيا تقترب من الضعف، وسنكون في مأزق”.
هل تواجه الولايات المتحدة أي عوائق وتحديات لزيادة إنتاج السلاح؟
يرى الخبراء العسكريون في واشنطن أن إعادة ملء ترسانة الولايات المتحدة بالأسلحة سيتطلب إيجاد مواد أساسية لصنعها، وهي مشكلة معقدة بسبب الندرة العالمية للمواد الكيميائية والمتفجرات.
فالولايات المتحدة لم تعد تنتج مادة “تي إن تي” لذلك انتقلت إلى بديل يسمى IMX، وهو متفجر يوفر الطاقة، مع مخاطر أقل للانفجار العرضي.
إضافة الى ذلك، فإن الزيادة الهائلة في إنتاج القذائف دفعت الولايات المتحدة إلى البحث عن موردين عالميين جدد لمادة “تي إن تي” خصوصًا أن بولندا، كانت مصدرًا رئيسيًا للولايات المتحدة. ولهذا يقول البنتاغون انه يعمل مع حلفائه وشركائه لزيادة إمداداته، بما في ذلك من اليابان.
وأشار مارتن فينكل، المتحدث باسم شركة Explosia التشيكية المملوكة للدولة، والتي تصنع شحنات الوقود، إلى ندرة المواد الخام ذات الصلة، مثل النتروجليسرين والنيتروسليلوز. وإذ أكد فينكل أن الشركة تعمل بكامل طاقتها لتصنيع الوقود الدافع لقذائف 155 ملم، كشف أن هناك حاجة إلى استثمارات طويلة الأجل لمضاعفة إنتاجها، وهو ما تأمل الشركة في تحقيقه بحلول عام 2026.
في المحصلة، للحفاظ على أرباحهم، يعمل مسؤولو وزارة الحرب في واشنطن وفق استراتيجية تقوم على ضمان استمرار الجيوش الغربية بشكل فعال في طلب المزيد من الأسلحة لمخازنهم أواكرانيا معًا. لأن عدم القيام بذلك سيؤدي إلى خفض الإنتاج في خطوط المصانع الأمريكية، كما حدث مع صواريخ من طراز Stinger، حيث يتعين على الشركة المصنعة للصواريخ المحمولة على الكتف تجنيد المتقاعدين للمساعدة في إعادة الإنتاج مرة أخرى.