الحاج عماد مغنية: قائد عسكري يهوى الفن أيضاً
موقع قناة المنار –
لطيفة الحسيني:
الحاج عماد مغنية يختزن القائد الشهيد عماد مغنية في شخصيته العديد من الأسرار المفاجئة.. تتوازى مهارته في القيادة العسكرية مع شغف بعالمٍ بعيد ٍ عن السياسة والمواجهة مع العدو، عارفوه يشهدون على حبّ نما منذ صغره لأشكال من الفن الملتزم ..
لا يزال الشهيد الكبير عماد مغنية لغزاً يحيّر الكثيرين، شخصيته وهويته الغامضة التي لم تُكشف إلّا بعد اغتياله تبدو وكأنها نبعٌ يفيض بالأسرار الغريبة والجميلة في آن معاً.. مسيرته الجهادية الطويلة تشير الى أنه واحد من القادة القلائل الذين تميّزت حياتهم بخط تصاعدي على كافة المستويات، ممتلكين قدرات ولياقات ذهنية غزيرة.
من عايش الحاج عماد على مدى سنوات، يتحدّث عن هواية فنية تطوّرت مع مراحل عمره.. فهو اندفع في بداية “مشواره” السياسي الى متابعة المسرحيات التي تتناول الواقع اللبناني المأزوم، وعندما انطلق في مسيرة النضال (قبل توليه مسؤولية قيادية في حزب الله)، التقى الفنان زياد الرحباني الذي كان “يتعقّب” أعماله الساخرة.
الى جانب الفن الرحباني، عُرف عن الحاج عماد ولعه بأناشيد الفنان مارسيل خليفة الثورية، كان يهوى الاستماع إليها لأنها تعكس قضايا الامة والارض.
حظيت الموسيقى الملتزمة في حياة القائد الشهيد بحيّز من الاهتمام، فهو لم يكن مستمعاً فحسب، بل كان مشاركاً في العديد من الأعمال الفنية الإنشادية الى حدّ أنه تعاون مع فريق “كورال” لتسجيل نشيد “المجد لأيلول الشهداء”، وأدخل صوته فيه.
تعلّقَ الحاج بالموسيقى الايرانية أيضاً، التي لم تفارقه في رحلاته الى سوريا. يروي العارفون أن الرحلة الأخيرة الى “الشام” شهدت “صدفة” غريبة، فالحاج كان يستمع قبل وصوله الى وجهته هناك، الى قطعة فنية إيرانية تراثية للفنان محمد الأصفهاني تحمل عنوان “امشب در سر”.. عند ترجمة كلماتها الفارسية للعربية، يتبيّن أنها تصف حالته النفسية قبيل استشهاده وكأنها أغنية الوداع، فهي تقول في إحدى مقاطعها ” هذه الليلة شيء واحد .. العاطفة والفكر.. إذ أنا بعيد عن هذا العالم”.
لم يحدّ شيء من شغف القائد الكبير يوماً.. يستعيد المقربون منه “خبريات” تُذكّر بحماسته للأعمال الفنية المُحكمة والمعدة بإتقان.. فالحاج، لطالما واكب تصوير أناشيد المقاومة على طريقة “الفيديو كليب”. يشهد نشيد “نصرك هزّ الدني” على تدخل الشهيد في أدقّ تفاصيله، الى حدّ تعديله لبعض المشاهد فيه، وخصوصاً عندما أعاد تصوير مشهد شاب يركض حاملاً علم حزب الله، ليستبدله بالعلم اللبناني. ويروي أحد المجاهدين الذين عايشوه كيف أصر الحاج على إعادة طلي مجموعة كبيرة من حاملات راجمات الكاتيوشا لتظهر في فيديو “نصرك هز الدني”، على قاعدة أن الصورة تعبّر عن طبيعة وشخصية من فيها أو من خلفها، وعليه، منح “الأخوة” يومها مهلة لا تتجاوز الـ 24 ساعة كي ينتهوا من عملية الطلاء ثم حضر للتفقّد وأوعز بالبدء بالتصوير مجدّداً.
قبل ذلك، عمل الحاج عماد على استعادة “فلاشات” الاناشيد الفلسطينية القديمة كـ “طالعلك يا عدوّي طالع” لتعرض على قناة “المنار” في إطار “فيديو كليبات”.
وبقدر ما كان مشاركاً فعّالاً في كلّ نشاط فني يدعم المقاومة، كان القائد الشهيد، حاضراً من وقت الى آخر في المسرحيات السياسية التي تعنى بالنهج الثائر.. ويحكي البعض أنه حضر يوماً مسرحية نظّمتها وحدة الانشطة الاعلامية في حزب الله بعنوان “وارث” للمخرجة هداية سنان في حديقة بلدية الغبيري في الجناح، وحرص حينها على تهنئة المخرجة وإبداء ملاحظاته على ما قدّمته.
تلفزيونياً، يُنقل عن الحاج عماد متابعته الدائمة للمسلسلات الكوميدية وخصوصاً أعمال الممثل السوري ياسر العظمة الساخرة (مرايا). الفن السوري عموماً شدّ انتباه القائد الشهيد، لقاؤه بالممثل دريد لحام بعد حرب تموز 2006، واستشهاده بمقولة للأخير عن أن لبنان سيحتلّ يوماً ما جنوب “اسرائيل”، يعكس مدى تأثره بمسرحيات “غوار” ولا سيّما “كاسك يا وطن” التي تنتقد الواقع العربي بطريقة كوميدية.
للممثل السوري الراحل خالد تاجا قصة مع الحاج عماد.. تعرّف إليه بعد 12 شباط 2008، أي عقب استشهاده، وعندما اطّلع على إنجازاته العسكرية وقيادته لنصري المقاومة في الـ 2000 والـ2006، نظم له قصيدة بعنوان ” بعد أن رحلت قالوا لنا من أنت”، لكنه لم يكتفِ بذلك، فبادر الى الطلب من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الحصول على مقتنيات الشهيد، وكان له أكثر، أرسل له السيد المصحف الخاص بالحاج عماد و”شاله” الأسود..
في حياته وبعد استشهاده، ظلّ الحاج “رضوان” لغزاً جميلاً يثير “حشرية” الكثيرين، يودّون معرفة أي جديد عنه وعن اهتماماته وميوله.. فرسم صورة مختلفة عن قياديين عسكريين نمطيين في الوطن العربي، ليغدو أيقونة المقاومة الساحرة بإنجازاتها وأحجياتها.