الحائكة على أوتار الليل
موقع إنباء الإخباري ـ
نغم حسن:
جلست على كرسيها الهزاز .. تحيك على أوتار الليل الصامت لحن أمنياتها….
بصنارتها وكبكوب الصوف المتدلي على الأرض، يتراقص مع كل حركة من حركات أناملها المتعبتين.. فيقترب حيناً ويبتعد أحياناً أخرى.. وكأنه الشوق الذي يعتري الروح حنيناً فيقترب كأمواج البحر التي تتسابق والرياح.
وحدها صنارتها تفهم عليها… تغزل ما تبقى من أنفاسها الصاعدة نحو السماء….
أغمضت عينيها وتذكرت اللحظات الأولى …. ها هي نبضات القلب هل تسمعينها؟ ها هي الحركات الصغيرة في رحمها كفراشة تلعب في حديقة المنزل…..تتنقل من مكان إلى آخر وترقص مع نسيم الهواء الجنوبي.
ها قد ولد أمير الدار …. كان طفلاً جذاباًً بعينين بارقتين وابتسامة ثغر كزهر الرمان أو أجمل…. أسرّ قلبها منذ اليوم الأول! لا تدري لماذا؟!!!!
كبر الطفل المدلل وكبرت الأحلام والآمال…كيف لا وهو التلميذ الفطن الذي لا تسأله عن شيء إلا ويجد له جواباً….
كان المراهق الخجول الذي يمر أمام الجميع بتهذيب ويبادر السلام …
كبر نبض القلب وصار رجلاً فتياً…. أرادت أن تزوّجه وفي كل مرة كان يتهرب من الموقف…. فظنت أن قلبه أسير فتاة ما…. قالت له تعال يا بني أخبرني من شغل قلبك!؟ فابتسم قائلا لا أحد.. وبعد إصرار الوالدة ابتسم قائلاً جهاد….!!! تفاجأت الام. من جهاد!!!! قال لها ممازحاً سأتزوج القضية: لا تخافي!!!
نظرت إلى ولدها نظرة عتاب: كيف تقول هذا!؟ أليس الزواج هو نصف الدين!؟ كيف تقسو عليّ هكذا!!! ألا يجب أن أرى حفيدي بين يدي!؟ ألا تريدني أن أشعر بتقدير عندما أسمع كلمة جدتي!!!!
وقعت هذه الكلمات كالحجر على قلب علي… شعر أن والدته محقة بشكل كبير … قال لها: حسناً، ابحثي لي عن ابنة الحلال لعلها تقبل بعاشق للأرض يمضي وقته فوق التلال وبين الأشجار، لعلها ربما … تقبل أن تتزوج بي …
مرت الأيام ونسي علي ما قاله لوالدته … وفجأة قالت له: ما رأيك بفلانة ابنة فلان!! ارتبك وسألها لماذا!؟ قالت له للزواج، لماذا برأيك ؟!!
غاب مهدي فترة من الزمن… وقلب أمه يلاحقه من مكان إلى آخر
وفي يوم اللقاء كانت الأم تحتضنه بشوق وفرح ودموع الاشتياق …. قبّلها على جبينها وهمس في أذنيها قائلاً: أين هي العروس التي أعجبتك؟ دليني عليها…
قفز قلب الأم فرحاً، لم تصدق ما قاله ابنها … وأخيراً سيتحقق الحلم، وأخيراً سأرى ابني ببدلة العرس!!! وأخيراً ستكتمل فرحتي… سأزغرد في فرحتك يا بني حتى ينقطع النفس….
واكتملت التحضيرات واكتمل الحلم الجميل الذي راود مخيلة أم علي…
شهران من السعادة كانتا كافيتين ….. حمل الجعبة وفوهة البندقية كانت محددة الهدف…. هو ذا التكفير الذي حاول غزو أهله وأحبابه.. هو ذاك الحقد الذي تفجر في تلك الأحياء التي حفظها وحفظ كل وجوه أهلها ….. من سيحمي زينب!!؟ من سيدافع عن تلك القيم، من سيحضن الأطفال ويطمئن قلوبهم ؟!! لأجل كل هذا رحل الى هناك….. حيث السماء واحدة والقلوب واحدة….
طال الانتظار … وطالت الأيام والليالي…
كانت تنتظره بلهفتها المعتادة … وكلما اشتاقت اليه احتضنت عروسه لتشتم بعضاً من رائحته… كانت تتوجه إلى خزانته، تبحث بين الثياب عن عطر جسده اليافع…. لتغمره بين أحضانها وتقبّله وكأن علي بين يديها فتغفو على حبه حتى الصباح.
حضر إليها بعض الأصدقاء. ابتسمت وقالت: الحمد لله….. وقفزت دمعة من عينها!!!
صدم الأصدقاء.. لقد ظنوا أن المهمة ستكون أصعب، لكنها كانت تدرك أن حضورهم سيحمل هذا الخبر…
سجدت على الأرض منادية ياااااا رب خذ حتى ترضى …. يا رب خذ ما شئت من جوارحي…. خذ روحي …. يا رب هو علي الذي نذرته قرباناً قد عاد إليك….. واختنقت الكلمات
لم يعد للعالم المحيط أي وجود….
لقد أبحرت أم علي إلى عالم آخر حيث يلعب طفلها علي برمل الشاطئ …..
عادت إلى أول كلمة نطقها علي
عادت إلى تلك اللحظات التي كان في أحشائها يتحرك وتسمع دقات قلبه….
نزلت دمعة على خدها التي حفرته علامات السنين…. لتستقر على تلك الصنارة… فتستيقظ من وحدتها …. فتغزل الدمعة ثوباً من الحب والعشق …. ليكتمل بعد أشهر ٧ ولادة الأمل الذي انتظرته … ليعود علي من جديد…. فيملأ البيت فرحاً وتصبح ام علي … تاتا….
تلك الكلمة التي انتظرتها …
تلك الأحرف التي طرب قلبها كانتظار مسافر لقطار الحياة
في عيدك أيتها الام التي نسجت من أحلام ابنها أيقونة العشق والأمل
كل عام وأنت بخير يا أم الشهيد ….