الجيش المصري .. يسترد ’حق الشهيد’ في سيناء
منذ فشل الهجوم الموسع الذي شنه تنظيم “ولاية سيناء” التابع للتنظيم الارهابي “داعش” في تموز/ يوليو الماضي على نقاط عسكرية تابعة للجيش المصري في رفح والشيخ زويد في سيناء، بات واضحا ان التنظيم دخل مرحلة “تراجعية” على المستوى الميداني بفعل الضربات المتلاحقة التي نفذتها قوات الجيشين الثاني والثالث الميدانيين التي تم انشاء قيادة جديدة باسم “قيادة منطقة شرق القناة ومكافحة الأرهاب” من اجل ادارة عملياتها تحت قيادة الفريق “أسامة عسكر”.
ومنذ إنشاء هذه القيادة كان متوقعا أن تنفذ قوات الجيش بعد الفترة الماضية من العمليات الاستنزافية التي استهدفت الارهابيين في سيناء عملية موسعة تهدف الى الاجتثاث الكامل والنهائي للإرهاب في سيناء وتجفيف منابعه ومراكز تدريبه وتجمعه ومصادر تمويله ومنافذ هروبه وتموينه، بالفعل انطلقت هذه العملية فجر اليوم السابع من الشهر الحالي تحت اسم “عملية حق الشهيد”.
خصائص وحجم القوات المشاركة في هذه العملية تؤشر بوضوح الى انه تم التخطيط لها منذ فترة طويلة وعلى ما يبدو فان عدة تطورات حدثت فى سيناء خلال الفترة الماضية عجلت بتنفيذها، بالإضافة الى هجوم حزيران/يوليو الماضي، وقد شهد شهرا تموز/يونيو وآب/أغسطس الماضيين وأيلول/سبتمبر الحالي عدة محاولات للهجوم على مقر القوات الدولية في الجورة شمال سيناء، وهي القوات المكلفة بمراقبة تطبيق اتفاقية كامب ديفيد بين مصر و”اسرائيل”، كما تم الكشف عن مخزن كبير للمواد المتفجرة كان من ضمن موجوداته ما يقرب من 30 طنا من مادة “سي 4” شديدة الأنفجار وتبع هذا الكشف القبض على عدد من العناصر الأرهابية جنوب مدينة رفح كانت تتجهز لتنفيذ عمليات انتحارية في سيناء، ويبدو ان هذه التطورات عجلت ببدء هذه العملية العسكرية.
بالنسبة للقوات المشاركة فى العملية فإننا للمرة الأولى نجدها قوات مشتركة من كل أقسام الجيش المصري، حيث تشاركت قوات من الجيشين الثاني والثالث مدعومة بالدبابات والمدفعية والعربات المدرعة بجانب قوات التدخل السريع والوحدات البحرية الخاصة والضفادع البشرية والقوات الجوية ووحدات الهندسة العسكرية بجانب وحدات من قوات مكافحة الأرهاب التابعة للشرطة وبالتالي نستطيع ان نقول ان هذه العملية تعد الأكبر التي يتم تنفيذها في سيناء منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.
فيما يتعلق بأهداف هذه العملية وطبيعتها فهي تتسم بثلاث صفات اساسية تجعلها مختلفة تماما عن اي عملية عسكرية سابقة، فهي عملية “هجومية” و”مشتركة” و”متعددة الأهداف”، هذه العملية تمثل تطورا نوعيا في التكتيك المتبع من قبل الجيش المصري في سيناء حيث تحولت قوات الجيش في رفح والشيخ زويد والعريش الى وضعية الهجوم وليس الى وضعية الدفاع كما كان الحال عليه فى الشهور الماضية حين كانت القوات تتحصن في مواقعها ونقاطها ولا تهاجم مواقع الارهابيين المحتملة الا في حالة الضرورة القصوى، وفي الغالب كانت هذه المهمة تترك للقوة الجوية لكن الآن باتت جميع القوات في سيناء في حالة هجوم مركز ومستمر على كل المواقع والبؤر الإرهابية التي تم تحديدها مسبقا وهذه الحالة يتم تنفيذها بخطة مشتركة بين كل القوات المنفذة للخطة بما يضمن التكامل فيما بينها.
الهدف الأساس لهذه العملية على المستوى الميداني هو التطهير التام للعريش والشيخ زويد ورفح من نقاط تمركز المسلحين ومخازن ذخيرتهم واماكن اعاشتهم. تتعدد الأهداف الفرعية لهذه العملية وهي أهداف لا تقل أهمية عن الهدف الرئيس ونستطيع ان نجملها على النحو التالي:
1- الانتقال الى استراتيجية “الهجمات الاستباقية” و”البحث والتدمير” التي فيها يتم اجهاض اي عمليات محتملة من جانب العناصر الارهابية، وهو ما حصل فعليا في هذه العملية بعد رصد عدة حوادث اكدت انه يجري الإعداد لهجمات متزامنة بالسيارات المفخخة على غرار ما حدث في هجوم يوليو الماضي الفاشل وهذه الاستراتيجية ايضا تعد من ملامح التطور اللافت في الأداء العسكري المصري في سيناء.
2- تطبيق مبدأ “الصدمة و الرعب” بنقل المعركة الى داخل المناطق التي يتواجد فيها المسلحون مما سيسبب قطعا ارتباكا كبيرا في صفوفهم و انهاء لأي فرصة لاستمرار تواجدهم في المناطق التي درجوا على استخدامهم كنقاط انطلاق لتنفيذ عملياتهم الارهابية وكذا تدمير القدرات المتوفرة لديهم في التصدي لقوات الجيش او مهاجمتها سواء على مستوى التسليح او على مستوى الأفراد.
3- تحقيق القطع التام للروابط بين المجموعات الإرهابية المختلفة داخل سيناء وتشتيتها بحيث يكون من الصعب تجمعها في هجمات كبيرة بجانب قطع طرق تنقل هذه المجموعات سواء برا او بحرا والإنهاء التام للدعم الذي تتلقاه هذه المجموعات من خارج الحدود.
استراتيجية تنفيذ العملية
لتأمين تنفيذ ناجح لهذه الخطة “الموسعة الهجومية” تم تقسيم المهام القتالية على كل سلاح من الأسلحة المشاركة في الخطة على النحو التالى:
1- القوات البرية: تم تكليف القوات البرية ممثلة بقوات الجيشين الثاني والثالث وقوات التدخل السريع وقوات مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية بمهام الهجوم المباشر على المواقع والنقاط المحددة مسبقا لتطهيرها بشكل تام من العناصر الإرهابية، تم تعزيز هذه القوات بدبابات قتال من نوع “M60” وناقلات جند مصفحة من نوعي “M113″ و” YPR-765 “وعربات مدرعة مصرية الصنع من نوعي “تمساح” و “فهد” بجانب عربات جيب عسكرية من نوع “هامفي” ومدفعية ميدان ومروحيات هجومية. وتم تكليف هذه القوات بتنفيذ دوريات مدرعة على الطرق الفرعية والواصلة بين القرى وتأمين المقار الحكومية والممتلكات العامة والخاصة.
2- القوات الجوية : تم تكليف المروحيات المقاتلة من نوع “اباتشي” بمهام الدعم الأرضي للقوات البرية المهاجمة بجانب تنفيذ طلعات قصف على مواقع محددة مسبقا، كما نفذت الطائرات دون طيار من نوع ” ASN-209″ طلعات مراقبة ورصد لدعم القوات الأرضية بالمعلومات المحدثة اولا بأول.
3- القوات البحرية: تم تكليف لواء الوحدات البحرية الخاصة وفرق الضفادع البشرية بتنفيذ دوريات بحرية على طول سواحل شمال سيناء لرصد اي محاولات هروب للعناصر الأرهابية او سفن مشتبه بها فى نقل أسلحة او عتاد لهم.
4- الوحدات الهندسية: وضع على عاتقها تطهير الطرق والمدقات من العبوات الناسفة التى تزرعها المجموعات الأرهابية وكذا التعامل مع الشراك الخداعية الموجودة فى المناطق التى تنفذ القوات البرية اقتحامات فيها والعربات المفخخة، وكان لافتا الكمية الكبيرة من المتفجرات والعربات المفخخة التي تم التعامل معها خلال ثلاثة عشر يوما من العمليات العسكرية.
– يضاف الى ما سبق شق مدني تنفذه ايضا القوات المشاركة في العملية وهو يتعلق بخطة لتنمية سيناء على المدى القريب تم البدء في تنفيذها بالتزامن مع انطلاق العملية حيث تشرف قيادة منطقة شرق سيناء على مد خطوط لمياه الشرب داخل المناطق التي تعاني من نقص فيها داخل سيناء كما ينفذ الجيش الثالث الميداني خططا علاجية داخل مناطق عديدة فى سيناء.
نتائج العملية حتى الآن
النتائج المتوفرة لمسار العمليات العسكرية حتى يومها الثاني عشر على النحو التالي: تصفية 567 إرهابيا وتفكيك اكثر من 494 عبوة ناسفة وتدمير 97 عربة و 212 دراجة نارية بجانب 33 مخزن للأسلحة والمواد الغذائية خاصة بالعناصر الإرهابية، وتدمير 687 بؤرة ونقطة تجمع وموقع اعاشة للعناصر الإرهابية وضبط 667 مشتبها بهم ومطلوبين أمنيا.
اما بالنسبة لخسائر القوات المشاركة في العملية فحتى الآن استشهد 12 عنصرا و اصيب نحو 20 فردا بجانب تدمير ثلاثة عربات جيب عسكرية من نوع “هامفي” و دبابة من نوع “M60″، وحسب هذا المعدل فإن نسبة خسائر الجيش تعد متدنية جدا خصوصا فى ظل طبيعة المعارك الدائرة حاليا فى سيناء وفي ظل الحصيلة الكبيرة للعمليات العسكرية والتي تؤكد ان سيناء خلال الأعوام الماضية باتت تشكل تحديا حقيقيا للجيش المصري في ظل وفرة السلاح والمواد المتفجرة والتي نتجت عن التراخي الأمني الذي عاشته مصر خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
– لوحظ ايضا من مسار العمليات تزود معظم الآليات العسكرية المشاركة فى العملية بهوائيات خاصة للتشويش على موجات الهاتف الخليوى بهدف منع العناصر الارهابية من استخدامها سواء في التواصل او في تفجير العبوات الناسفة، كما لوحظ ايضا استخدام القوات البرية لقاذفات اللهب للتعامل مع مقرات تمركز العناصر الإرهابية، كما توسعت القوات المدرعة المصرية في استخدام التدريع القفصي وتزودت به لأول مرة العربات المدرعة مصرية الصنع من نوع “تمساح” بهدف حمايتها من القذائف المضادة للدبابات .
في المحصِّلة، نستطيع القول ان القوات المصرية في سيناء دخلت مرحلة حاسمة في معركتها مع الإرهاب، اصبح فيها الجيش المصري صاحب المبادرة والمهاجم والباحث عن العدو. التحسن المستمر في الأداء العسكرى المصري في سيناء بدأت ثماره تظهر منذ هجوم العناصر الإرهابية الفاشل فى يوليو الماضي، واذا استمر معدل الأداء بهذا الشكل قد نرى قريبا جدا نهاية رسمية للمخاطر الإرهابية في سيناء وكامل التراب المصري.