الجنون «الإسرائيلي» والرخصة الممنوحة لتل أبيب بالقتل…!
جريدة البناء اللبنانية-
رنا العفيف:
الاحتلال الإسرائيلي يسابق الزمن في غزة، لا سيما أنّ الجنون «الإسرائيلي» قد بلغ مداه، عالرغم من أنّ هناك تحذيرات أميركية، فهل تنتهي مدة صلاحية الرخصة الممنوحة لتل أبيب بالقتل؟
انطلاقاً من الواقع الميداني وعدد لقطات أو الفيديو الذي نُشر حول مقتل الأسير الإسرائيلي ساعر باروخ وعرض الفيديو بعد الرواية الإسرائيلية، نفت ما تحدّث به القسام عن محاولة لتحرير الأسير وما حصل، لكن القسام أرفقّ البيان بصور موثّقة، وهذا يشير إلى «إسرائيل» التي تغامر على المستوى الأمني والإعلامي بحق أسراها الذين تقتلهم بشتى الوسائل، إذ كان هناك محاولات جدية للوصول إلى الأسرى، كما اعتمدت على المعلومات الاستخبارية عن طريق حلفائها وتسخير الطاقات والإمكانيات لمساعدتها في هذا الأمر، لكن النتيجة الأهمّ والحلقة المفصلية هي أنّ سردية العدو تسقط في كلّ مرة تحت أقدام المقاومة الفلسطينية، وخير دليل على ذلك هو الفيلم الذي نشرته بالصوت والصورة يتكلم عن الأسير باروخ وبعض التفاصيل التي تتعلق بأسره وعن الرسائل الموجهة… إلى ما هنالك من معلومات دقيقة، عدا عن أهله الذين ينظرون إلى الرسالة التي كانت في حوزة كتائب القسام، إذ تكلم عن حكومة نتنياهو وجيشه المتوحش، وبالتالي انّ عدم اعتماد المهنية في التعاطي مع أحداث كهذه منذ بدء العملية البرية ومع تحدّ كهذا وتحديداً تجاه قدرة المقاومة الفلسطينية على اكتشاف الأمر، لذلك اعتمد الاحتلال على إطلاق عنان الإجرام بالقصف مع حجب الرؤية خشية أن يراه مجتمع المستوطنين في «إسرائيل»، إضافة لتعتيم الإعلام الغربي على المجازر والإبادة التي ترتكب دون أن يحرك مجلس الأمن ساكناً، بالرغم من القرار الأميركي بالفيتو، وطبعاً هذا الشلل الذي أصابه لسببين أساسين،
الأول يتعلق بعدم تحقيق «إسرائيل» أي إنجاز عسكري، في مقابل السبب الآخر الذي هو رأس الحربة في خضمّ المعركة النفسية والعسكرية والأمنية والاستخبارية والسياسية التي تقودها المقاومة الفلسطينية، أيّ في مقابل إنجازات المقاومة وهي كثيرة ومتعدّدة على أكثر من مستوى، وهي مستمرة نراها كلّ يوم في أرض الميدان كأن تعلن المقاومة الفلسطينية قصف تل أبيب ثلاث مرات بعد 63 يوماً من القتال…
إذن .. كثيرة هي اللقطات التي تستوقف المحللين والمراقبين لكلّ خطوة يتقدّم بها الكيان المحتلّ بالتوازي مع الخطوات المتتالية التي تتقدّم بها المقاومة الفلسطينية وجبهات الإسناد، في حقيقة الأمر هذا جدير بالتوقف عنده لما فيه من خفايا سواء على مستوى مقتل الأسير أو غيره على يد جيش العدو، في ظلّ معركة الصورة التي تبث حيال هذه المواجهة، وبالتالي الهدف المزعوم الذي يدعون تحقيقه فاشل استراتيجياً وما زالت المقاومة بتحركاتها الاستباقية قادرة على ضبط زمام الأمور بقوة وزخم أكثر من ذي قبل والمؤكد على هذا من خلال فيديو ساعر الذي استحوذ على ملاحظات عدة بالإثبات بعد أن كشفت عنه المقاومة التي ما زالت تسيطر على المكان وظهرت القوة المهاجمة ومن ثم لاذت بالفرار، بالإضافة إلى أنهم استخدموا سيارات الإسعاف ضمن إطار العملية وهذا دليل إضافي على أنّ الأمر كان أمنياً ومدبراً،
وفي السياق عينه ما أقدم عليه الكيان المحتلّ هو بمثابة نسف كامل للادّعاء بالسيطرة، ولكن المقاومة بكلّ ذكاء أسقطت السردية ووقع الاحتلال في كمائن المقاومة التي أذاقت العدو ما لا يطيقه، لا سيما بإطلاق الصواريخ في وضح النهار رداً على المجازر التي ترتكب بحق المدنيين، وبالتالي كلّ هذا التخبّط الاسرائيلي، هدفه إثبات صورة انتصار في إطار معركة الصورة والتحكم والسيطرة، إلا أنّ المقاومة توثق ما تقوم به بالصوت والصورة والكلمة، بينما العدو الإسرائيلي لا يقوم أو يتعاطى بمهنية مع مجريات الأحداث منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، إذ أنهم قاموا بنشر مقطع فيديو على أنه لمقاتلي حماس، إلا أنه تبيّن أنه لمدنيين بينهم صحافيون معروفون قد تمّت تعريتهم من ملابسهم وتصوريهم على أنهم من مقاتلي حماس، علّهم يحققون صورة إنجاز ولكن هذا الأمر يفقد المصداقية العامة لدى المجتمع الإسرائيلي، خاصة أنّ هناك مواقع تواصل اجتماعي عديدة، متناسية «إسرائيل» أنه يمكن الوصول إلى تلك الفيديوات لمعرفة ما يحصل ويجري، لكن الخوف والقلق خشية أن تنكشف مسيطرة على عقليتها الهمجية يجعلها في مكان متخبّط فاقدة للمصداقية والسيطرة، والسبب الآخر ربما هو أن أهالي المحتجزين لدى المقاومة يحمّلون حكومة «إسرائيل» المسؤولية، وبالتالي الجميع بدأ يتلمّس الحقيقة في الداخل الإسرائيلي، إضافة للأحاديث عما يجري في قطاع غزة، لذلك قد نشهد مظاهرات و»فوضى خلاقة» في تل أبيب ستكون أكبر مما يتصوّره العقل بعد أن كشف البعض منهم خيانة نتنياهو وحكومته.
أما بالنسبة للموقف الأميركي ونقلاً عن أقوال مسؤولين أميركيين للصحافة البريطانية، فقد تكررت مدة الرخصة الممنوحة لتل أبيب للاستمرار في القتل، ومثلها الصحافة الأميركية كانت قد أعطت «إسرائيل» مهلة حتى نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل لإنهاء العمليات، ولا نعلم إذا ما كان هذا رسمياً أم أنه مجرد تمنيات أميركية على «إسرائيل»، وبالتالي تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف محرج، فهي من ناحية تريد أن تدعم ومن جهة أخرى تريد أن تحقق لإسرائيل «إنجازاً»، والأهداف هي ذاتها إذ لطالما تريدان القضاء على حماس وهذا أمر بات مستحيلاً على الإطلاق، كما أنّ هناك تناقضاً إلى حدّ كبير في الإدارة الأميركية نفسها، فهي تارة تقول بأنها طلبت من «إسرائيل» تقليص خسائر المدنيين وتارة تدعمها بالسلاح المحرم دولياً، وتارة تستخدم الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضدّ مشروع قرار وقف إطلاق النار، وهذا ما يدور في أروقة مجلس الشيوخ الاميركي وما كُتب في صحيفة «هآرتس»، وقد كشف مقرّبون من وزير الدفاع الأميركي وغيرهم كثر قالوا بأنّ «إسرائيل» قد تنتهي بتحقيق انتصار تكتيكي عسكري ولكنها انتهت وستنتهي بهزيمة «إسرائيل» لا محال ولا مجال لأيّ صورة انتصار يبحث عنها الكيان، وهذا يشي بأنّ صلاحية الرخصة على وشك الانتهاء…