التهويل بالحرب على إيران ممكن شنّ الحرب عليها مستحيل
صحيفة البناء اللبنانية ـ
د. عصام نعمان:
أبدى وزير الحرب الإسرائيلي الجديد، قبل عشرة أيام، استعداده للقيام بعملية عسكرية لإبعاد إيران عن حدود “اسرائيل”. قال إن وضعها الداخلي العاصف يتيح فرصة ملائمة للعمل على التخلّص من الوجود الإيراني في سورية.
بنيامين نتنياهو لم يتفوّه بكلام مماثل وإن كان أوحى، بتهويله المتواصل بخطر إيران على أمن
“إسرائيل” القومي، انه يوافق ضمناً على موقف وزير حربه.
لا يُخفى على احد داخل الكيان الصهيوني وخارجه ان ما يتفوّه به كلاهما هو لغايات انتخابية بالدرجة الأولى.
فقد بات من المؤكد أن “اسرائيل” مُقبلة على انتخابات ثالثة خلال أقل من سنة، وان تقارب حظوظ النجاح فيها بين زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو وغريمه الرئيسي بني غانتس، زعيم تكتل “أزرق أبيض”، يدفع برئيس الحكومة اليميني المنتهية ولايته الى فعل المستحيل ليفوز في الانتخابات ابتغاءً للبقاء في السلطة. ذلك ان بقاءه رئيساً للحكومة يتيح له حصانة تمنع محاكمته موقوفاً، وفوق ذلك قد تُؤجل المحاكمة اشهراً عدّة.
للبقاء في السلطة لجأ نتنياهو الى إطلاق مواقف يظنّ أنها تساعد في تعزيز تصويره لدى الإسرائيليين رجل دولةٍ من طراز رفيع، وان ذلك يعزّز كثيراً حظوظه الانتخابية. في هذا السياق، ركّز نتنياهو خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في العاصمة البرتغالية ليشبونة على مسألتين: تشكيل حلف دفاعي مع الولايات المتحدة، والحصول على اعترافٍ منها بسيادة “إسرائيل” على منطقة غور الأردن.
هل يستجيب الرئيس الأميركي؟
قياساً على اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لـ”اسرائيل”، واعترافها ايضاً بسيادتها على الجولان السوري المحتل، فإن قيام ترامب بالاعتراف بسيادة
“اسرائيل” على منطقة غور الأردن يبدو ممكناً، لكن قبوله بعقد معاهدة دفاع مشترك معها قد يكون مستبعداً. ففي سياق الحملة الضارية لشيطنة إيران وحصارها وتصعيد العقوبات الاقتصادية عليها قد لا يتورع معها الرئيس الأميركي النزق الاعتراف بـأحقية ضمّ “اسرائيل” لغور الاردن متسلّحاً بحرص واشنطن الثابت على صون أمن “اسرائيل” القومي في كل الظروف وبكل الوسائل المتاحة. لكن توقيع معاهدة دفاع مشترك معها يبدو مستبعداً، ولا سيما من قِبَل الدولة الأميركية العميقة – أي البنتاغون (وزارة الدفاع) ووكالة الاستخبارات المركزية واباطرة شارع المال والأعمال (وول ستريت) – وربما ايضاً من قِبَل اركان الحزب الديمقراطي المعارض.
المعارضون الأميركيون المحتملون لتوقيع معاهدة دفاع مشترك مع “اسرائيل” لا يفعلون ذلك كرهاً لها بل حفاظاً على مصالح الولايات المتحدة ونفوذها في بلاد العرب والمسلمين. ذلك لأن كبار اركان الدولة العميقة يدركون ان قادة “اسرائيل” لن يتورّعوا عن ارتكاب حماقات مميتة بدعوى الحفاظ على أمن “إسرائيل” القومي كأن يقوموا بشنّ عملية عسكرية واسعة على إيران بذريعة منعها من صنع سلاح نووي، فتكون الولايات المتحدة مضطرة تالياً الى مساندتها حتى لو تطلّب الأمر المشاركة في الحرب عملاً بأحكام معاهدة الدفاع المشترك التي تنصّ غالباً على اعتبار أي عدوان خارجي يُشَن على أحد طرفيها عدواناً على الآخر.
إن لدى الولايات المتحدة الكثير من الوسائل لدعم
“إسرائيل” سياسياً وعسكرياً، كما كان الأمر دائماً، من دون الاضطرار الى التورط في حرب مع إيران او غيرها، وهي تلتزم دائماً هذا النهج مذّ زرعت “اسرائيل” بين ظهراني العرب قبل اكثر من سبعين سنة. الى ذلك، فإن واشنطن غير واثقة من أن قواعدها ومصالحها في بلاد العرب ستبقى بمأمن من التدمير والتخريب اذا ما تنطحت الى شنّ حرب على إيران كرمى لعينيْ “اسرائيل”. الامر نفسه ينطبق على حلفاء الولايات المتحدة في بلاد العرب.
يتحصّل من مجمل ما تقدّم بيانه ان متابعة واشنطن حملتها لشيطنة إيران وفرض الحصار والعقوبات الاقتصادية عليها، والتهويل بخطرها على دول الخليج لابتزازها سياسياً ومالياً ستبقى ممكنة ومعتمدة، لكن من المستبعد جداً بل من المستحيل لجوء الولايات المتحدة الى اتخاذ قرار أحمق بشن الحرب على إيران كرمى لـ “اسرائيل” او لغيرها.
قد يقول قائل إن ترامب يهمّه، شأن نتنياهو، الفوز في الانتخابات، وربما يظنّ ان قيامه بتسديد ضربة مدمّرة لإيران يشكّل رافعة عظيمة له في الانتخابات ويضمن له ولاية رئاسية ثانية. الحقيقة أن ترامب أحمق، لكنه ليس مجنوناً. حتى لو جنّ وبلغ به الجنون حدّ التفكير بمثل هذه الحماقة المدوّية، فإن أركان الدولة العميقة لن يسمحوا له بالتأكيد بأن يمارس جنونه على هذا النحو المدمر لمصالح أميركا ونفوذها في العالم.
*وزير سابق.