التناقض بين السلطة والسيادة في لبنان
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
هناك فارق كبير بين المعارك الوظيفية والمعارك السيادية، وهو ذات الفارق بين الطموح الوظيفي وبين التوق إلى الاستقلال الوطني، وذات الفارق أيضًا في الغايات بين غاية الانتفاع الشخصي وغاية الكرامة والعزة.
لم تكن المقاومة طرفًا مباشرًا في العنوان المخادع للأزمة السعودية المفتعلة مع لبنان، لكنها تمثل العقدة الرئيسية المانعة لاختطاف لبنان وسيادته خليجيًا وأمريكيًا وصهيونيًا، وإعادته الى العصر الذي يستطيع العدو الإسرائيلي فيه اجتياحه بفرقته الموسيقية.
ربما نجحت الضغوط في إجبار وزير الاعلام جورج قرداحي على الاستقالة، وهذا لا يشكل نصرًا للسعودية بل ضعفا للبنان في مناعته السيادية وكرامته الوطنية، في معركة كشفت حجم الارتهان وشكلت فرزًا واختبارًا عمليًا لمدعي السيادة. لكن النصر السعودي الحقيقي هو عودة لبنان لعصر ما قبل المقاومة، وهو أمر بعيد المنال. فالمقاومة في لبنان لم تكن السلطة على أجندتها بل السيادة، وهناك فارق كبير، فلو كانت السلطة هي الهدف لكانت الممارسات مختلفة، ولكانت تمثلت في الانجرار لصدامات أهلية لفرض وزنها النسبي بالقوة، ولكانت تمثلت في تنازلات مبدئية لتهدئة الصراع مع القوى الاستعمارية ووكلائها الإقليميين. بينما الهدف كان ولا يزال وسيظل أسمى وأصعب وأكثر كلفة وتضحية، وهو السيادة الحقيقية والاستقلال الوطني والكرامة. شكلت السلطة مغنمًا لأطراف كثيرة تغنت بالسيادة ولم تعمل بها أو لنيلها، بينما شكلت السيادة مغنما للمقاومة ولم تتغنَّ بالسلطة ولم تعمل بها أو لنيلها.
يجمع الفقهاء على أن السيادة هي التي تميز الدولة عن غيرها من الأشخاص المعنوية العامة، وهي تعني الصلاحيات التي تعد حقوقا للدولة، تمارسها في النطاق الإقليمي لها، كحماية الحدود، والحفاظ على الأمن، وغير ذلك.
والسيادة الخارجية مرادفة للاستقلال السياسي، ومقتضاها عدم خضوع الدولة صاحبة السيادة لأية دولة أجنبية والمساواة بين جميع الدول أصحاب السيادة، فتنظيم العلاقات الخارجية يكون على أساس من الاستقلال وهي تعطي الدولة الحق في تمثيل الأمة والدخول باسمها في علاقات مع الأمم الأخرى.
أما السيادة الداخلية فتكون ببسط سلطان الدولة على إقليمها وولاياتها، وعلى كل الرعايا، وتطبيق أنظمتها عليهم جميعًا.
وكلا المظهرين في الدولة مرتبط بالآخر، فسيادتها الخارجية هي شرط سيادتها الداخلية.
والسؤال اليوم هو: أي سيادة تحققها سلطات تأتمر بالخارج وتحاول استرضاءه على حساب كرامتها؟ وأي مصلحة عليا يمكن أن تتمثل في الذل واستجداء المساعدات على حساب حرية القرار بل وحرية الرأي؟
في القانون الدولي، تنقسم الدول من جهة السيادة إلى قسمين:
القسم الأول: دول ذات سيادة كاملة لا تخضع ولا تتبع في شؤونها الداخلية أو الخارجية لرقابة أو سيطرة من دولة أخرى، ولها مطلق الحرية في وضع دستورها أو تعديله.
القسم الثاني: دول منقوصة السيادة لا تتمتع بالاختصاصات الأساسية للدولة لخضوعها لدولة أخرى أو تبعيتها لهيئة دولية تشاطرها بعض الاختصاصات، كالدول التي توضع تحت الحماية أو الانتداب أو الوصاية وكالدول المستعمرة.
وهذا يعطي تقييمًا رسميًا لحال دولنا العربية عامة وللحالة اللبنانية الفجة على وجه الخصوص. وهو ما يجعلنا عند تناول الشأن اللبناني نفرق بين مفهومي السيادة والسلطة، فالنخب الحاكمة باستثناء المقاومة وحلفائها تتحدث وتعمل للسلطة، مهما كانت مقتضيات التمكين لها متناقضة مع السيادة الخارجية من ارتهان القرار وحماية الفاسدين والميليشيات التي تشكل دولة موازية.
بينما المقاومة وحلفاؤها يعملون للسيادة، بما تفرضه من حتمية امتلاك القوة والردع وحرية القرار الاقتصادي وإقامة العلاقات مع مختلف الدول بما يحقق الصالح العام والسيادة الخارجية، واحترام السلم الأهلي ومؤسسات الدولة بما يحقق السيادة الداخلية.
وما نود قوله إن التمادي في الانتصار لمفهوم السلطة على مفهوم السيادة هو خطر كبير، قد ينذر بتغير آليات ووسائل الحفاظ على الصالح العام، حيث يقود التمادي بانتهاك السيادة إلى أوضاع يصبح معها انتزاعها مرادفًا للمصلحة العامة التي ظلت المقاومة وستظل أكبر راع لها.