التكتلات الإقتصادية لمعالجة الأزمات
صحيفة البعث السورية-
ريا خوري:
ما زال الاقتصاد العالمي يعيش تخبطاً وقلقاً، فقد تابع الخبراء الاقتصاديون والمتابعون المهتمون بالشؤون الاقتصادية العالمية محاولات خروج الاقتصاد العالمي من عام 2022 وهو في وضعٍ مخيف ومضطرب، وذلك بفعل الأحداث الساخنة الكبيرة التي شهدها ويشهدها العالم بخاصة الحرب الروسية الأوكرانية التي ترجمت استحقاقاتها وأعباءها ارتفاع أسعار السلع الرئيسية كالغذاء والطاقة، فضلاً عن الارتفاع الحاد في مستوى التضخم النقدي، ولجوء المصارف والبنوك المركزية إلى رفع مستويات الفائدة بشكلٍ غير مسبوق الذي انعكس ارتفاعاً كبيراً في معدلات الديون من سندات الديون المستحقة، وانهياراً متزايداً في أسواق الأسهم العالمية.
في ظل هذه الظروف الصعبة، لا يضع المستثمرون في جميع أنحاء العالم آمالاً كبيرة في تحسن الأوضاع الاقتصادية خلال العام الحالي 2023، فالمؤشرات الحالية تؤكد أن هناك الكثير من المخاطر التي تتربص بالاقتصاد العالمي الذي يصعب أن ينجو بسهولة. ولهذا السبب نجد أن السلطات التشريعية الاقتصادية الأمريكية تسعى بكل ما تستطيع من أجل إبقاء وتيرة مؤشرات الأداء الإقتصادي المحلي ضمن إطارها الداخلي المحلي، أي أن التباطؤ الحالي سيكون أفضل بكثير من الوصول إلى حالة الركود المتوقعة. بمعنى أن التباطؤ الراهن سيكون أفضل بالتأكيد من الوصول إلى دائرة الركود المتوقعة.
وما لا شك فيه أنّه ليس أمام المشرعين والقانونيين الاقتصاديين حالياً سوى هذه السياسة لكبح جماح التضخم المتزايد، الذي بلغ نحو 6.5%، بينما تقدم المؤشرات والتقارير الأولية وتوقعات المحللين الاقتصاديين على بقائه لفترة طويلة، أي أن هذا المستوى سيبقى مرتفعاً حتى نهاية عام 2024 على الأقل.
ومن هذه الصور السلبية على كثرتها، استمر الحديث دون توقف خلال الفترة الماضية من معظم الجهات الدولية المتخصصة والخبراء الاقتصاديين ورجال المال والباحثين عن ضعف وتراجع مؤشرات الاقتصاد العالمي وبطء نموه الملحوظ، والتوقعات القاتمة لتطور أدواته في المستقبل بهدف تحسين مستويات اقتصادات الدول المختلفة والمتنوعة.
يذكر أن ريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، حثت الدول على أن تعمل معاً لتنشيط التجارة الدولية بطريقة عادلة كي يستفيد عدد أكبر من البشر من العولمة، وتنويع سلاسل التوريد العالمية استناداً للمنطق الاقتصادي العالمي.
مما هو واضح فإن الاقتصاد العالمي في العام الجاري 3023 لن يغير مسار التباطؤ إلى أقل من 3%، ولا تزال مبررات واستحقاقات جائحة كوفيد 19، والحرب الساخنة في أوكرانيا، وتشديد السياسة النقدية، هي جملة الأسباب والظروف التي يعلق عليها الصندوق الدولي جميع أسباب ومبررات التباطؤ في النمو العالمي للاقتصاد، إضافة إلى جملة كبيرة من المخاطر التي تحدق بالاستقرار الاقتصادي والمالي والبنوك الكبيرة المنتشرة حول العالم.
لقد ألمح صندوق النقد إلى المكانة الكبيرة التي حقّقها الاقتصاد الصيني، وتأثيره العميق جداً في نمو الاقتصاد العالمي، فقد كانت تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن كل زيادة بـ 1% في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين تؤدي إلى زيادة 0.3% في نمو الاقتصادات الآسيوية الأخرى، كما يتوقع المحللون الاقتصاديون والمختصون في الشؤون المالية العالمية أن تحقق الصين وحدها ثلث النمو العالمي في عام 2023. وفي سياق هذه الأرقام فهنالك تحذير واضح من تقسيم العالم إلى تكتلات اقتصادية متنافسة، وهذا الاتجاه سيؤدي فيما بعد إلى انقسام حاد وخطير يجعل الجميع أقل أمناً وأكثر فقراً وأقل قوةً ومنعةً في مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية المتوقعة مستقبلاً.
لقد ألمحت السيدة ريستالينا جورجيفا إلى تنامي الاقتصاد الإقليمي على حساب الاقتصاد العالمي، فالإقليمية تمثل واحدة من أكثر عمليات إعادة الهيكلة الاقتصادية الأساسية التي تؤثر في الاقتصاد العالمي منذ تأسيس مبادئ التجارة الدولية، حسب ما ورد مؤتمر “بريتون وودز”.
تعتبر الإقليمية الآسيوية واحدة من أبرز الإقليميات التي أخذت أبعاداً كبيرة وواسعة من التفاعل الاقتصادي وليس السياسي، فقد تمكنت من تحقيق استراتيجيات نمو ناجحة وموجهة نحو الخارج بشكل ملحوظ، وتشير العديد من التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن دول إقليم جنوب القارة الآسيوية حققت انتعاشاً اقتصادياً قويا بلغ 6.5% عام 2021، و4.0% عام 2022 على الرغم من بيئة عالمية غير مؤكدة. ومن المتوقع أن يرتفع إلى 4.3% عام 2023، ومع القلق المتزايد وعدم اليقين اللذين يلفان الاقتصادات المختلفة حول العالم، والركود الكبير الذي يهدد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، فإن آسيا لا تزال نقطة مضيئة نسبية في الاقتصاد الدولي، لكن ذلك يجعل دول الإقليم الآسيوي اليوم أقرب إلى بعضها بعضاً، وأكثر تكتلاً وانسجاماً، ولا أدل على ذلك مما أشارت إليه تقديرات الصندوق الدولي أن كل زيادة بـ1% في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين تؤدي إلى زيادة 0.3% في نمو الاقتصادات الآسيوية الأخرى، لذا فإن الارتباطات واضحة وقوية للغاية، بحيث إن المصالح المشتركة بين الدول الإقليمية الآسيوية تتزايد بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، وقد عززتها الاتجاهات التكنولوجية والتقنية المتطورة الجديدة وصعود الهند.