التطبيع في لبنان: الإحتلال يمرّر الرسائل الناعمة!
موقع الخنادق:
يضع كيان الاحتلال ضمن استراتيجياته توقيع “اتفاقيات” التطبيع مع الدول العربية في المنطقة، ويعمل على تحقيقها إما عبر الترهيب العسكري – الذي كبّله محور المقاومة بمعادلات الردع وبناء القوة – وإما عبر اختلاق “عدوّ” وهمي للأنظمة العربية أو من خلال افتعال المشكلات والأزمات لدى الشعوب العربية لتضييق ظروف معيشتهم اليومية بما يدفهم نحو الأجندات الإسرائيلية. ولا يستثني الاحتلال أيضاً الأدوات الناعمة والخطابات الإعلامية الدعائية التي تستهدف مستوى الوعي والثقافة لدى الجمهور العربي.
وفي لبنان، تمرّ رسائل التطبيع بشكل “سلسل ومخفّف”، الا أنها تثير الكثير من الشكوك حول جرأة طرح التطبيع بشكل ظاهر وعلني:
أولاً، مسألة لافتة في منصة وزارة الصحة اللبنانية لتسجيل دخول الوافدين الى لبنان تثير الكثير من التساؤلات حول ما إذا كانت خطوة مقصودة من الجهات المعنية أو هفوة من القائمين على البرمجة، ففي المنصة تغيب “فلسطين” من بين خيارات تحديد جنسية الفرد لتحل مكانها “الأراضي الفلسطينية” مع كل ما تتضمّن هذه العبارة من تهميش الفلسطينيين وسلخهم عن هويتهم. وقد طالب ممثل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان إحسان عطايا، وزارة الصحة اللبنانية بضرورة الإيعاز إلى المعنيين لديها بالبرمجة لتصحيح الخطأ الوارد على منصتها، مُبديًا “خشيته من تنفيذ مخططات مشبوهة تضرّ بالمصلحة الوطنية اللبنانية والفلسطينية”. رسالة عطايا الاحتجاجية – المرسلة منذ حوالي الشهر – لم تلق حتى اليوم أي جواب أو تعليق (لا سلباً ولا إيجاباً) من المعنيين اللبنانيين أو مبادرة تصحيح! ما يطرح أيضاً الكثير من علامات الاستفهام حول مسؤولية الدولة اللبنانية في متابعة هذه التفاصيل الحسّاسة ذات الأبعاد الخطيرة على مستقبل العلاقات اللبنانية والتوجّه الأيديولوجي في لبنان.
كمُّ الأفواه خدمة للأنظمة المطبّعة
ثانياً، وتحت ذرائع “الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية العربية ” للبنان مع دول الخليج ولا سيما السعودية، كان القرار لوزير الداخلية بسام المولوي، بمنع إجراء ندوة جمعية “الوفاق الوطني الإسلامية” في الذكرى الحادية عشر للثورة البحرينية، معبراً أنها “مسرحاَ لبث روح التحريض”. ولم يكن هذا الموقف المحرّض بدوره على حقوق الشعب البحريني في “إقامة نظام ديمقراطي عادل” الا من أجل كمّ الأفواه المؤيّدة لكافة أشكال المقاومة في المنطقة ضد النظام البحريني المطبّع بالتزامن آنذاك مع زيارة رئيس وزراء كيان الاحتلال نفتالي بنيت الى العاصمة البحرينية المنامة.
الترسيم البحري: نافذة التطبيع
ثالثاً، في موضوع ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة، فقد أوضحت تصريحات المفاوض آموس هوكشتاين نوايا الولايات المتحدة وكيان الاحتلال بفرض مقايضة ملف الترسيم مقابل التطبيع حيث قال بـ “ضرورة توقيع اتفاقية” مباشرة بين لبنان والكيان”. كما نقل هوكشتاين “دعوة إسرائيلية” للبنان بالانخراط بالتطبيع. وكذلك يُطرح على لبنان إجراء صندوق “مشترك” بينه وبين كيان الاحتلال “لتقاسم” عائدات النفط والغاز في المنطقة المحاذية في البحر الأبيض المتوسط (بحسب ترسيم الحقول)، وذهب هوكشتاين أبعد حدّ “التشجيع” بصريح العبارة “لإبرام توقيع لبنان لمعاهدة اقتصادية مع الكيان الإسرائيلي بشأن استخراج الغاز والنفط”.
رابعاً، كذلك من الجانب الاقتصادي، يبدو ان الحصار الأمريكي والخليجي على لبنان يثير الكثير من علامات الاستفهام من ناحية تضييق الحصار على اللبنانيين ليبقى التطبيع هو “الخلاص” الوحيد. وقد برز ذلك في كلام وزير حرب الاحتلال بيني غانتس الذي “عرض المساعدات” المالية على الجيش اللبناني بوساطة “اليونيفيل” فيما لم يلق هذا العرض “التطبيعي” الواضح أي ردّ فعل مستنكر من وزارة الدفاع أو مؤسسة الجيش اللبناني وقيادتها أو غيرهم من المسؤولين المعنيين في الدولة اللبنانية.
صحافيون: أبواق التطبيع في لبنان!
خامساً، على مستوى الصحافيين والخطاب الإعلامي، فقد ورد الحديث عن “العلاقات” مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وكأنه “وجهة نظر” و”حرّية رأي وتعبير” لا سيما على قناة الـ MTV المعروفة بتبعيتها الخليجية. وكذلك ظهرت الإعلامية ماريا معلوف في مقابلة مباشرة على الاعلام العبري ومع صحافي إسرائيلي لتعبّر عن رغبتها في العلاقات مع هذا الكيان. أما الصحافي نديم قطيش فلا ينفك يكتب المقالات ويظهر على شاشة قناة “Sky News العربية ” للتحريض ضد المقاومة وسلاحها، ولتسويق “المنفعة الاقتصادية” للبنان في تطبيعه العلاقات مع الاحتلال!
وتشكّل الصحافية حنين غدّار بدورها أيضاً بوقاً من الأبواق المشجعة على التطبيع ومعروفة بمواقفها الداعمة لمثل هذه العلاقات. وتعتبر غدّار من الشخصيات التي نشطت في التحريض ضد المقاومة في جلسات الكونغرس الأمريكي خلال حراك “17 تشرين”. كما أنها تشغل حالياً موقع زميلة زائرة في زمالة “فريدمان” الافتتاحية، في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى التابع للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. فيما لا تزال التساؤلات تطرح حول دورها ضمن الأجندة الأمريكية في المرحلة القادمة في لبنان وخاصة مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي.
تحالف لأجل لبنان: تحالف لأجل التطبيع
ومن ناحية أخرى، أسّس قطيش وغدّار مع آخرين ما يسمى “تحالف لأجل لبنان” في حزيران 2021، وهو مشروع ينادي بالتطبيع بشكل واضح بالربط أيضاً بالوضع الاقتصادي و”المساعدات”، ومستخدماً عناوين برّاقة كـ “السلام”، الا أنه لم يمض شهران حتى انكشفت نواياه في “الرغبة” في التطبيع، حيث شارك في الكونغرس لتقديم مشروع لسن تجريم “تحريم التطبيع”، أعلن تضامنه وتأييده للعميلة كندا الخطيب، وأقام ندوة افتراضية عبر “الزوم” لصالح معهد واشنطن في 22حزيران 2021 أدارها جوزيف برودي اليهودي.
وفي النتيجة تبقى هذه الخطوات على الرغم من خطورتها مجرّد محاولات إسرائيلية، اذ إن خيار المقاومة في لبنان واضح في الصفوف والبيئة الشعبية، وهو نَفسٌ في تعاظم سواء علة المستوى العسكري أو السياسي أو الثقافي، ولا سيما أن لبنان عانى من الاحتلال لحوالي الـ 18 عاماً. كما من عدوان في تموز العام 2006، بالإضافة الى انتهاكات متكرّرة للسيادة اللبنانية في الجو والبر والبحر.