التضليل الرئاسي
جريدة البناء اللبنانية-
نمر أبي ديب:
على حدود المتغيّرات الإقليمية يقف لبنان اليوم بملفاته الداخلية واستحقاقاته الدستورية خالي الوفاض، بالرغم من الأجواء الإيجابية التي طغت مؤخراً على الساحتين العربية والإقليمية إضافة للمعلومات الرئاسية التي تركت في أروقة القرار اللبناني انطباعات أكثر من جيدة لدى البعض، حملت في طياتها في الحدّ الأدنى توافقا خارجياً على «الهوية الرئاسية»، رغم السجالات اللبنانية، وذهاب البعض بعيداً في امتهان سياسات التضليل والتحريف للموقف الخارجي الغير معلن بعد، وأيضاً للمسلمات الرئاسية التي بلغت بالنسبة للدول المعنية في الملف اللبناني مراحل اللا عودة الرئاسية، في ظلّ التنامي الغير مسبوق لرهانات داخلية نابعة من زواريب السياسة اللبنانية، وأيضاً من عداوات شخصية تفوّقت في «الحسابات الفئوية الضيقة» على مبدأ رجالات الدولة، نتيجة شعارات شعبوية، وعناوين تاريخية فقدت مع سقوط «اتفاقية 17 أيار» إمكانية الترجمة العملية على الساحة اللبنانية، وتحقيق ما بات يُعرف بالأحلام القديمة الجديدة لبعض القوى رغم المتغيّرات السياسية، وجملة التحوّلات الاستثنائية في موازين القوى البرلمانية، ما يؤكد على سلسلة عوامل أساسية ومنطلقات استراتيجية ما زالت تتحكم في الفكر الاستراتيجي لدى البعض وأيضاً بالرؤية السياسية التي أكَّدت فيها التجربة على مبدأ «العقم السياسي» وغياب الفاعلية في مراحل إنتاج الحلول والتكيُّف الظرفي وحتى الاستراتيجي مع متطلبات المراحل وظروفها الاستثنائية.
ما يجري اليوم على الساحة اللبنانية «اشتباك رئاسي» بمعايير وشروط الوقت الضائع، بتموضعات ومقدمات رسمت من خلالها القوى المسيحية الإطار العام لحراكها السياسي الناشط، رغم الأثمان السياسية التي دُفعت سابقاً نتيجة رهانات البعض الخاطئة، و»العناد السياسي الغير مبرّر»، المشهد الذي تصدّر الواجهة السياسية من جديد، ما قد يطرح العديد من علامات الاستفهام السياسي والتساؤل، حول المنطلقات الفكرية وحتى السياسية التي قامت عليها وما زالت حسابات القوى الرافضة في الأمس واليوم خيار سليمان فرنجية الرئاسي إضافة للحساسية التاريخية التي وفرها فرنجية» للبيئة المسيحية والمقصود «الطبقة السياسية».
السؤال هل وجدت القوى المسيحية الرافضة اليوم لخيار فرنجية الرئاسي، فرصة حقيقية لإيقاظ ما تبقى من «أحلام قديمة» ورهانات تمحورت في الشكل حول «سليمان فرنجية الجدّ» واليوم حول «سليمان فرنجية الحفيد»؟ أحلام تتخطى في أبعادها السياسية وأيضاً بمفاعيلها المسيحية، حدود الهوية الرئاسية من جهة، وسياسة لبنان الخارجية الإقليمية منها وحتى الدولية.
الإجابة على هذا التساؤل تكمن في الانتقال الرئاسي من زواريب السياسة الداخلية إلى لعبة المحاور الاقليمية، وتعويل البعض على وصول شخصية مسيحية ذات توجه مغاير لمحور المقاومة، لا يتوافق اليوم مع المناخ الإيجابي الذي تركه الاتفاق السعودي الإيراني من جهة، وأجواء الانفتاح السياسي السعودي على سورية نتحدث اليوم عن ضرورة خروج البعض من جبهات إقليمية لم تعد موجودة، عن انتقال سياسي وآخر ثقافي / عقائدي من ايديولوجيا «السياسة المقفلة» إلى أخرى تسمح بقيام تموضعات جديدة أكثر مرونة وقدرة، على التعاطي مع «رياح التسويات» انطلاقاً من حقيقة سياسية مفادها أنّ الزمن لا ينتظر أحد، كما أنّ التسوية الاقليمية لن تتشكل على قياس أو رغبة أحد والتجارب اللبنانية السابقة غير مشجعة، وبقاء المكون المسيحي الذي يرفض اليوم خيار فرنجية خارج اتفاق الطائف مثال أكثر من واقعي لأزمة اليوم، لمسار رئاسي يسمح بدخول الجميع «مندرّجات التسوية الجديدة» انطلاقاً من رغبة مشتركة خارجية وأخرى داخلية لمحور المقاومة، تتمثَّل بعدم أخراج أحد، أو إجبار هذا أحد على دخول التسوية، وأيضاً على البقاء والمشاركة.
مما لا شك فيه أنّ المؤثرات الجانبية للتباين «السعودي ـ الأميركي» قد لامست بشكل أو بآخر الاستحقاق الرئاسي الذي دخل مؤخراً مع خيارات القوى السياسية، مراحل تحديد الاتجاهات وحجم التأثير الخارجي الاقليمي من جهة والدولي على مجمل القوى الداخلية التي تتشبّث اليوم بموقفها الرافض لخيار فرنجية الرئاسي، وتنطلق من عاملين:
أولاً: حسابات مسيحية مسيحية دخلتها جملة عوامل شخصية، عائلية، حزبية، أخطرها ما غفلت عنه الذاكرة اللبنانية رغم «الترجمات المتكرّرة لمفاعيله السياسية» وأيضاً لتردّداته الاستراتيجية،
ثانياً: حسابات سياسية عابرة للشخص تتعلق بإسقاط رهان المقاومة في الدرجة الأولى، والانتقال الفعلي إلى مراحل تثبيت التحوُّل والقيام بما عجزت عن تحقيقه حكومة لـ 2006.
انطلاقاً مما تقدّم لا شكّ أنّ العمق العربي لآل فرنجية سبب مكمل لجملة الأسباب السياسية والمسبّبات التي ألزمت القوى المسيحية اليوم كما السابق برفض خيار سليمان فرنجية الرئاسي، مع ما تحمله هذه القراءة من جوانب إضافية عكست بشكل لا لبس فيه «تجذُّر جبهة الرفض المسيحية لسياسة آل فرنجية»، وعدم ارتباطها بأزمة لبنان، والشعارات المطروحة في هذه المرحلة، كما عكست البعد الحقيقي لـ «أزمة وطن»، لحسابات سياسية ورهانات داخلية تتعلق بـ»هوية لبنان» وأيضاً بـ سياسته الخارجية، التي يعمل البعض على تمريرها بالتزامن مع أي تحوّل استراتيجي أو حتى ظرفي يمر فيه لبنان…