التضحية بالسائق أم بالمشاة؟
يتجه الإنسان منذ فترة ليست بالقصيرة لتوكيل الآلات التكنولوجية للقيام بمهمات كان يقوم بها، مثل بعض العمليات الجراحية، حيث أثبتَ الروبوت أنه أكثر دقةً من الإنسان، كما تمكّنت الروبوتات من التفوق على الإنسان في بعض العمليات المعقّدة مثل لعبة الشطرنج.
انطلقت فكرة السيارات الذاتية القيادة عام 1920، وقد ظهرت السيارة الذاتية القيادة الأولى عام 1980، ومنذ ذاك الوقت تقوم شركات كثيرة مثل مرسيدس بنز، جنرال موتورز، بوش، نيسان، تويوتا، أودي وغوغل، بأبحاث لتطوير هذه السيارات.
عام 2004 قامت وكالة الدفاع للأبحاث المتقدّمة بتقديم جائزة مليون دولار لأفضل بحث وتطبيق حول السيارات الذاتية القيادة بهدف إنتاج آليات عسكرية ذاتية القيادة بحلول عام 2015.
اليوم يمكنك شراء سيارة ذاتية القيادة مثل نافيا Navia (انظر الصورة)، وهي محدودة الاستخدامات في المنتجعات وسرعتها القصوى 19 كيلومتراً بالساعة، ويبلغ سعرها 250 ألف دولار. في مطار هيثرو الدولي يوجد أيضاً “روبو تاكسي” يقوم بنقل الركاب بين المدرجات. كذلك يُظهر فيلم The space between us الذي أُطلق هذا العام الممثل غاري أولدمان وهو نائم تماماً، وسيارة فولفو شبه الذاتية القيادة تقوده إلى عمله.
في السنوات الأخيرة، تطوّرت التجارب التي تجريها الشركات على هذه السيارات، بحيث ظهرت سيارات من دون مقود ولا دواسات وبدأت السلطات القانونية مثلاً في ولاية كاليفورنيا تناقش قانوناً يسمح للسيارات ذاتية القيادة التي لا تملك عجلة قيادة ولا دواسات ولا يوجد فيها سائق بالقيام بتجارب على طرقات الولاية.
بالتوازي مع تطور التقنيات السريع يتطور نقاش أخلاقي حول هذه السيارات، يدور جزء أساسي منه حول نقطة مثيرة للاهتمام: كيف على السيارة أن تتصرف في حال حصول حادث حتمي؟ لذلك يقوم الباحث فرانسوا بونيفون في جامعة تولوز للاقتصاد بأبحاث أخلاقية تطبيقية حول الموضوع عبر سؤال الناس حول هذا الأمر، وذلك لتحديد نوعية الـ algorithms أي الخوارزميات البرمجية لهذا الموضوع.
فلنتصور المعضلة التالية: يوماً ما في المستقبل، حين تكون جالساً في سيارتك نائماً أو تأكل، تتفاجأ السيارة بعشرة أشخاص يعبرون الشارع، لا يمكنها أن تتوقف بالسرعة الكافية، وبالتالي لديها حلّان فقط: إمّا أن تصطدم بالمشاة وتقتلهم أو تغيّر مسارها نحو وادٍ مجاور ما يؤدي إلى قتل السائق. ماذا ستفعل السيارة؟
يبرز هنا العديد من الأسئلة: هل يجب أن تقلّل عدد الضحايا حتى لو أدى هذا الأمر إلى قتل السائق والركاب؟ أم عليها حماية السائق والركاب بأيّ ثمن حتى لو أدى هذا الأمر إلى قتل الكثير من الناس الموجودين في محيطها؟ أم عليها أن تنتقي بشكل عشوائي الأجوبة لهذه الأسئلة؟ إذا كانت الإجابة قتل السائق، فلماذا سيشتري الناس سيارة قد تتخذ قراراً بجرحهم أو قتلهم أو إعاقتهم؟
أبرز الحلول المطروحة هي أن تكون السيارة مبرمجة لتقليل الخسائر البشرية، ضمن نظرية أن قتل شخص واحد أفضل من قتل 10 أشخاص، لذلك قام بونيفون بتوزيع استمارات تتضمن السيناريو السابق على عدد كبير من الأشخاص بهدف معرفة رأيهم بالموضوع.
أتت النتائج مثيرة للاهتمام ومتوقعة حيث أن الجميع يفضلون أن تضحي السيارة بالسائق طالما ليسوا هم من في السيارة. وعليه، يطرح بونيفيون مجموعة من الأسئلة التي تحتاج جدياً إلى إجابات عليها: هل من المقبول أن تتجنب السيارة الاصطدام بدراجة نارية لتصطدم بحائط، حيث أن احتمال نجاة سائق السيارة أكبر من سائق الدراجة النارية؟ هل يجب اتخاذ قرارات مختلفة إذا كان هناك أطفال في السيارة؟ هل من الممكن أن تصمم الشركات المصنعة خوارزميات وبرمجة مختلفة بحيث يمكن للزبون أن يختار البرمجة التي يريدها مثل الحفاظ على حياة السائق مهما كان الثمن أو العكس؟ من سيتحمّل مسؤولية الحوادث السائق أو الشركة المصنعة؟ ماذا لو تم اختراق نظام السيارة وتم دفعها إلى قتل السائق؟
حتى اليوم لا إجابات أو تشريعات تجيب بشكل واضح على هذه الأسئلة، إلا أن تقديم إجابات أخلاقية ومنطقية يعدّ أمراً أساسياً لقبول هذه السيارات في المجتمع وللسماح لها بالسير في الشوارع العامة في المستقبل القريب.