التصعيد الأميركي ضد سوريا: هل هو مقدمة لحل سياسي؟
صحيفة السفير اللبنانية ـ
زياد حيدر:
توقعت مصادر ديبلوماسية تحولا جديدا في الصراع السوري المتعدد الأوجه، قد لا يخلو من تصعيد عسكري، ولكن بشكل يمهد للعملية السياسية التي يمكن أن يحتويها مؤتمر جنيف المرتقب.
ودخل الصراع السوري هذه المرحلة مع وصول لجنة التحقيق باستخدام الأسلحة الكيميائية إلى دمشق الاثنين الماضي، تحضيرا لجولة واسعة على مواقع بعيدة، ثمة زعم باستهدافها بالسلاح الكيميائي، لتدخل مجزرة الغوطة بشكل مثير للجدل على خط عملها، وعلى مسافة لا تبعد سوى كيلومترات عدة عن موقع إقامتها. وتطور الموقف وصولا إلى التهديدات الأميركية المبطنة بهجوم عسكري في حال تأكدت مسؤولية الجيش السوري عن الهجوم.
ووفقا للتحليل الديبلوماسي، المستند إلى قراءة للتطورات الأخيرة، فإن الضربة العسكرية الأميركية، إن حصلت، لن تقتصر على مواقع تابعة للجيش السوري فحسب، بل وستطال مواقع خاضعة لسيطرة المعارضة السورية بجناحها المتشدد المتحالف مع تنظيم «القاعدة».
ووفقا لتلك القراءة ومعلومات «السفير»، فإن الأسلحة الكيميائية لم تعد تقتصر في وجودها على الجيش السوري، وإنما أصبحت بحوزة فصائل مسلحة متشددة، بعضها توعد صراحة باستخدامها كما ثبت في بيان زعيم «جبهة النصرة» في سوريا أبو محمد الجولاني، وتوعده أمس برد على مجزرة الغوطة بالسبل ذاتها، وهو ما شكل «إنذارا جديدا بالنسبة الى أمن إسرائيل لن تتهاون معه إدارة الرئيس باراك أوباما»، كما أشارت إليه تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الأخيرة.
وتبدو قراءة التطورات المريبة «مربكة» في الأيام الأخيرة، خصوصا أن كلا من واشنطن وبعض حلفائها الدوليين شككوا سريعا برواية الكيميائي التي ساقتها المعارضة. وبرزت تصريحات روسية باحتمال أن تكون المعارضة المتشددة خلف الهجوم، وذلك بتزامن مع تصريحات نقلها موقع «الخبر برس» المحلي الخميس الماضي عن ديبلوماسي سوري بأن دمشق تمتلك صورا أخذت عبر الأقمار الاصطناعية تظهر أن إطلاق الصواريخ الكيميائية تم من مناطق المعارضة، وذلك وصولا إلى تبني واشنطن، أمس الأول، قناعة مباغتة بأن الحكومة السورية مسؤولة عن الهجوم، واستخدامها التهديد العسكري المبطن.
ويشير ديبلوماسي غربي إلى ضرورة التوقف عند الإعلان الصريح لرئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي، مؤخرا، بأن أي تدخل في الصراع لن يكون لصالح واشنطن لأن مقاتلي المعارضة السورية لا يدعمون المصالح الأميركية. واللافت في كلام المسؤول العسكري الأرفع في إدارة أوباما أنه جاء في رسالة داخلية إلى النائب الديموقراطي المتحمس لضربة عسكرية لسوريا اليوت أنغل، وذلك قبل أيام فقط من اجتماع الأخير بقادة جيوش دول عدة في المنطقة في عمان.
ولفت ديمبسي، في رسالته، إلى «تشتت المعارضة السورية وثقل المجموعات المسلحة المتطرفة في صفوفها». كما قلل من أهمية تدمير سلاح الجو السوري، مشيرا إلى أن ذلك «سيُدخل الولايات المتحدة حتما في النزاع»، ولكن من دون أن يعني تغيير التوازن العسكري أن الصراع سيتوقف، بل شدد على أن واشنطن بكل إمكانياتها «لن تكون قادرة على حل المشاكل الاثنية والدينية والقبلية التاريخية التي تغذي النزاع».
من جهته، قال أوباما شيئا مشابها حين كرر في حديث تلفزيوني منذ يومين إن «فكرة أن الولايات المتحدة قادرة على تسوية الحرب الأهلية في سوريا فكرة مبالغ بها»، معارضاً بوضوح دعوات التدخل العسكري المباشر في سوريا من دون تفويض دولي، وهو تفويض لن يحصل عبر الأمم المتحدة بشكل مؤكد، إلا إذا كان الهدف تكوين حلف دولي واسع، كما جرى في كوسوفو، يؤيد ضربة عسكرية محدودة في سوريا.
ويشير دبلوماسي غربي لـ«السفير» إلى صعوبة تكون مثل هذا الحلف، كما إلى الكلفة العالية التي يمكن أن تتسبب بها ضربة عسكرية، واحتمالات التصعيد الإقليمي المتعلقة بها. إلا أن تطورات الأيام الأخيرة لا تخلو من إشارات تراجع أميركي عن القراءة المتأنية والباردة للصراع، خصوصا بعد ضغوط مارستها شخصيات تشريعية في مجلسَي الشيوخ والكونغرس على إدارة أوباما لـ«تحرك ينقذ وجه أميركا كقائدة للعالم» إضافة إلى ضغوط من الحلفاء الإقليميين والدوليين، الأول متمثل بتركيا والسعودية، والثاني متمثل بفرنسا وبريطانيا.
وتبدو الإدارة الأميركية في موقف محرج أخلاقيا، فكما أن التردد في الهجوم على أهداف سورية، لا يخلو من ثمن أخلاقي لـ«سكوت الإدارة الأميركية، وتحديدا أوباما على هجوم 22 آب»، فإن للضربة ثمنها الأخلاقي أيضا، لاعتبارات كثيرة من بين أبرزها أن تنظيم «القاعدة»، متمثلا بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» و«جبهة النصرة» سيتحولان إلى حليفين عسكريين مع الولايات المتحدة للمرة الأولى بعد حرب أفغانستان، بحيث تتحرك الأولى ميدانيا على الأرض والثانية عبر القصف الصاروخي. وهو الأمر الذي دفع إلى توقع ضربات متزامنة لمواقع «داعش» في سوريا في حال حصلت ضربة أميركية لمواقع النظام.
أيضا على الإدارة الأميركية أن تقدم حججا للشعب الأميركي مجددا حول تورطها العسكري المباشر في حرب داخلية، خصوصا أن آخر استطلاعات الرأي تظهر معارضة كبيرة لأي تدخل عسكري.
هذا كله دون الأخذ بعين الاعتبار احتمال أن تكون المعارضة وراء الهجوم، وهو الأمر الذي تقول دمشق وطهران بأنهما تمتلكان أدلة عليه. من جهته، يقول ديبلوماسي مقرب من الحكومة السورية أنه أيا تكن نتيجة مأساة 22 آب، فإنها ستخلص إلى أمرين أولهما تسريع إمكانية انعقاد مؤتمر جنيف بحضور الأطراف الفاعلة جميعها من دون استثناء أحد، والثاني اتفاق الأطراف جميعها على مكافحة الإرهاب القائم على الأرض السورية، وهو ما تراه دول عديدة في أوروبا أولوية في ضوء التقارير الاستخباراتية التي تشير إلى نفوذ كبير واستقرار لوجستي لفصائل «القاعدة» في الشمال والشمال الشرقي من سوريا.
ووفقا للمصدر عينه، فإن الإعلان عن اتصال وزير الخارجية الأميركي جون كيري بنظيره السوري وليد المعلم يأتي في هذا السياق. ويمثل للمراقب خير دليل على اللحظة الحرجة التي بلغتها الأزمة في سوريا، والحاجة الماسة لإحداث تحول في اتجاه الصراع، وهو تحول يرى الخبير في الشأن السوري أنه يحمل وجهين: الأول يكرس احتمال التصعيد العسكري وصولا لجنيف، والثاني يسمح بتحول سياسي سريع نحو المؤتمر، من دون كلفة بشرية أو عسكرية وذلك بالاستناد إلى صفقة لاحقة. وتستند هذه القراءة إلى تحليل غربي أيضا يعتقد بصعوبة حصول ضربة عسكرية أميركية استنادا لقراءة ديمبسي الأخيرة في رسالته لأنغل. وهي القراءة السائدة والمستقرة في أوساط الاستخبارات والجيش والخارجية الأميركية، ما يضع التصعيد الأخير في سياق تسخين الضغط السياسي نحو نقطة التحول المطلوبة.
وكان مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أعلن أن كيري تحادث بشكل استثنائي الخميس الماضي مع المعلم في قضية الهجوم الكيميائي المفترض على منطقة الغوطة بريف دمشق.
وقال المسؤول إن كيري ابلغ المعلم خلال المحادثة انه «لو لم يكن لدى النظام السوري شيء يخفيه كما يزعم لكان عليه ان يسمح بوصول فوري وبلا عراقيل إلى موقع» الهجوم في الغوطة.