التصعيد الأمريكي في سوريا: قراءة في الخلفيات والأهداف
موقع العهد الإخباري-
حيان نيوف:
شهدت الفترة الأخيرة طوال شهر أيار/مايو المنصرم تصعيداً متعمدا للولايات المتحدة في سوريا، وعلى أكثر من صعيد سياسي وميداني واقتصادي، التصعيد الاميركي بدأ بمشروع قانون في الكونغرس لتشديد العقوبات على سوريا وتلا ذلك فرض عقوبات على شركات صرافة وأفراد، وما لبث ان انتقل التصعيد الاميركي إلى الميدان، أكده بيان صادر عن مركز المصالحة الروسي في حميميم، والذي أكد أن “طياري القوات الجوية الأمريكية ينتهكون بروتوكولات عدم الصدام في سوريا ويقومون بتنشيط أنظمة الأسلحة عند اقترابهم من طائرات القوات الجوية الروسية”، وقبل ذلك بأيام هاجم عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي الذي تدعمه وتوجهه الولايات المتحدة كتيبة للقوات الروسية في منطقة السخنة بالبادية السورية مما ادى لاستشهاد عقيد و4 عناصر وإصابة 10 بجروح، ويضاف ذلك الى ما تسرب عن قيام قوات الإحتلال الأمريكي بنشر منظومات “هيمارس” في حقلي “كونيكو” و”العمر”، وهذه المنظومات لديها القدرة على اطلاق صواريخ دقيقة وموجهة يصل مداها الى 70 كم، وكان رئيس المخابرات الروسية قد أعلن كذلك أن الولايات المتحدة تسعى لتنفيذ هجمات ارهابية في المناطق السكنية في المدن السورية، وقبل ذلك أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ان واشنطن تعمل على تشكيل فصيل إرهابي متطرف في محافظة الرقة تحت مسمى “جيش سورية الحرة” وهو تشكيل ارهابي يضم عناصر من “داعش” وما يعرف بلواء “ثوار الرقة” بدعم من “قسد” التي اطلقت الدواعش من السجون بطلب امريكي.
ماذا وراء التصعيد الاميركي في سوريا وتحديدا ضد القوات الروسية؟ وما هي خلفياته وأهدافه؟
لتحليل خلفيات التصعيد الامريكي لا بد من الإضاءة على ما شهدته المنطقة من تحوّلات رئيسية خلال الفترة السابقة والتي يمكن إيجازها بالآتي:
• اتفاق المصالحة السعودي ــ الإيراني الذي تمّ التوقيع عليه في بكين.
• الإنفتاح العربي على سوريا والذي تتوّج بالقمة العربية التي عقدت في جدة.
• اللقاء الرباعي الذي عقد في موسكوعلى مستوى وزراء الخارجية وضمّ “روسيا وإيران وسوريا وتركيا”.
• المناورة التي نفذتها المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني.
• الأزمة الداخلية المستمر في الكيان الصهيوني.
• الإنتخابات التركية “البرلمانية والرئاسية” والتي انتهت بفوز أردوغان والتحالف الذي يقوده.
تخشى الولايات المتحدة من أن دمشق التي تمكنت من اختراق وكسر العزلة العربية، وتحقق تقدما في إطار صيغة اللقاءات الرباعية مع موسكووطهران بمواجهة أنقرة، تخشى من أنها باتت في وضع أقوى مما كانت عليه طوال الحرب التي فرضت عليها من قبل الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين والغربيين، وبالتالي فإنه في ظل الحراك الإقليمي لإنجاز المصالحات والتسويات ما بين ايران وتركيا والدول العربية وما بين سوريا من جهة والدول الغربية من جهة أخرى، وسوريا وتركيا، فإن المناخ العام سيكون ملائما أكثر لاستعادة دمشق لزمام المبادرة والتحرك لاستعادة حقوقها وتحرير اراضيها المحتلة مدعومة بموقف عربي إلى جانب الموقف الروسي الإيراني ما يعني تسارعاً في استعادة سوريل لدورها المؤثر في الإقليم.
تتبنى الولايات المتحدة سياسات تقوم على تحقيق مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني، وطوال سنوات استغلت الولايات المتحدة حالة الصدام الإقليمي بين الدول والقوى الفاعلة في المنطقة وحرضت على ذلك وعملت عليه استخباراتيا وسياسيا وعسكريا لتحقيق أهدافها واستخدمت التهديديدات والعقوبات لأجل ذلك.
ومن جانب آخر شكّل الكيان الصهيوني طوال تلك الفترة واحدا من الاذرع الخبيثة للولايات المتحدة لتحقيق هذه الاهداف سواء على الصعيد الإستخباراتي اوعلى صعيد الإعتداءات العسكرية ، أوعلى الصعيد السياسي عبر محاولات الإختراق الإبراهيمية وحلف النقب.
ووفقاً لذلك فإن قراءة الأميركي للمشهد الحالي جعله يجد نفسه محشورا في الزاوية، فلا هوقادر على إيقاف عجلة التسويات العربية الإيرانية، ولا هوقادر على عرقلة الإنفتاح العربي على سوريا، وجاءت مناورة المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني وخطاب الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله الذي تضمّن تهديدا صريحا وعلنيا بالمواجهة الكبرى والمفتوحة على كامل الجبهات، وهو ما شكل ردعا قويا لأي توجه أمريكي لاستخدام الذراع الإسرائيلية، وأما الانتخابات التركية وما افرزته فقد شكلت ورقة ضغط على واشنطن على اعتبار انها باتت مضطرة لاحتواء رجب طيب اردوغان وتجنب الإشتباك معه وتجنب استفزازه ولو مرحليا، وبالتالي ابتعادها عن المراهنة على الورقة الكردية وتحديداً “قسد”، بل والخشية من اتفاق سوري ــ تركي عبر صيغة استانة ولقاءات موسكو الرباعية ينتج عنه حلا للشمال السوري، وما يعنيه ذلك من تحول الضغط الى شرق الفرات وتحديدا على حليفتها “قسد” من قبل جميع الأطراف الفاعلة وخاصة روسيا وتركيا وحتى السعودية للقبول بحل سياسي مع دمشق يفضي الى خروج قوات الإحتلال الامريكي.
إذا وجدت الولايات المتحدة نفسها وقد فقدت الكثير من التاثير السياسي خاصة والميداني، ولأنها أعجز من أن تفجر المنطقة بالكامل لأسباب عدة، فقد اختارت الضغط على دمشق من جهة، وعلى حليفتها موسكومن جهة أخرى، وهذا الضغط تمثل بالإجراءات التصعيدية التي ذكرناها آنفاً بهدف خلط الاوراق من جديد ومحاولة منع الجيش العربي السوري من التقدم الى شرق الفرات والضغط على روسيا لعرقلة محاولاتها للتسوية في تلك المنطقة.
أخيرا؛ تدرك الولايات المتحدة أن محور المقاومة يمسك اليوم بمفاصل الصراع في كامل الإقليم، ويدرك جيدا استراتيجية التوقيت والمرحلة وموقعها في الصراع العالمي، بالإضافة إلى أنه راكم الكثير من عناصر القوة وخاصة العسكرية والسياسية مع تحكمه بمفاصل طرق سلاسل التوريد العالمية، وأنه أي محور المقاومة اتخذ قرارا لا رجعة فيه بإخراج الأميركي من غرب آسيا بالتوازي مع النهج السياسي والدبلوماسي والتصالحي الإقليمي، لذا فإن على الولايات المتحدة أن تعي جيدا بأن ما فشلت فيه طوال سنوات لن تستطيع تحقيقه عبر هذه المناورات التصعيدية المكشوفة، وأنه ليس أمامها إلا الرضوخ ولملمة قواتها والرحيل.