التحرك الإيراني النووي الحصيف يربك السياسة الأميركية
صحيفة الوطن العمانية ـ
والتر بينكوس*
حققت إيران نقلة ذكية في برنامجها النووي في الفترة ما بين منتصف ديسمبر 2011 ومنتصف اغسطس الماضي. فقد حولت نصف مخزونها تقريبا من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% الأكثر خطورة إلى شكل سلمي لا يمكن استخدامه في انتاج سلاح نووي.
مع ذلك وفي نفس الوقت, فقد زادت بشكل حاد من قدرتها التصنيعية لانتاج نفس اليورانيوم المخصب بنسبة 20% بشكل اكثر سرعة، او حتى للوصول الى مستوى أعلى أي يورانيوم مخصب بنسبة 90% وهو المستوى الذي يمكن معه صناعة سلاح نووي حال قررت طهران الاقدام على تلك الخطوة.
وبقراءة دقيقة لأحدث تقرير للوكالة الدولة للطاقة الذرية، يتضح ان ما يمكن وصفه بالتحرك الذكي يتمثل في ان ايران ـ على الرغم من أنها لاتزال منتهكة لقرارات مجلس الأمن الدولي ـ لاتزال تستطيع الادعاء بان برنامجها لتخصيب اليورانيوم ليس لانتاج الاسلحة. وتستطيع ان تدعي بدلا من ذلك ان البرنامج يهدف الى توفير وقود لمفاعل ابحاث طهران الذي عمره 45 سنة، او لمفاعل مستقبلي او مفاعلات انتاج الطاقة.
من بين الـ437.4 رطل من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% المنتج حتى منتصف اغسطس الماضي في نتانز، محطة التخصيب الرئيسية في ايران, وفوردو، المحطة الاحدث تحت جبل قرب مدينة قم، اعلنت الوكالة ان 212.3 رطل قد تم ارسالها للتحويل الى وقود لصالح مفاعل ابحاث طهران.
وبنفس الشكل، اضافت ايران 1076 جهاز طرد مركزي لمحطة فوردو، التي تضم بالفعل 1064. مع ذلك فحتى 18 اغسطس الماضي، لم يتم توصيل أي من اجهزة الطرد المركزي التي تم تركيبها مؤخرا بأنابيب، وهو ما يعني انه كان على الوكالة ان تخمن فيما اذا كانت سوف تنتج في النهاية يورانيوم مخصب بنسبة 20% او اقل من 3.5%. هذا وفقا لمعهد العلوم والامن الدولي، المنظمة غير الربحية التي تدرس البرنامج الايراني.
ثمة مطلب رئيسي للولايات المتحدة وحلفائها يتمثل في وقف ايران برنامجها لتخصيب اليورانيوم وبشكل خاص عنصر الـ20%. كما يريدون من ايران ايضا تصدير اليورانيوم المخصب بنسبة 20% المنتج بالفعل. والكل يأمل من وراء ذلك منع طهران من الحصول على برنامج نووي.
من المفارقات ان الولايات المتحدة هي التي زودت ايران بمفاعل طهران في عام 1967 في اطار برنامج الذرة مقابل السلام. وفي نفس الوقت فان الوقود الذي زودتها به الولايات المتحدة كان يورانيوم مخصب بنسبة 93% والذي يمكن استخدامه في انتاج الاسلحة النووية.
بعد الثورة الايرانية عام 1979، وعندما تم احتجاز العاملين في السفارة الأميركية كرهائن، أوقفت الولايات المتحدة تزويد الوقود وتم غلق المفاعل. وفي 1988، وافقت الارجنتين على تزويد المفاعل بالوقود، ولكن ذلك فقط بعد تحويله الى يورانيوم مخصب عند مستوى 20%. ووصل الوقود في عام 1993 وكان من المتوقع ان يستمر حتى 2010.
بداية من 2003، ادت احتمالية ان ايران تسعى للحصول على قدرات اسلحة نووية الى ربط طلب طهران استبدال يورانيوم مخصب بنسبة 20% بتخلي البلد عن قدرتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم. وفشلت المفاوضات؛ وتم فرض عقوبات اقتصادية؛ لكن إيران استمرت في تخصيب اليورانيوم.
في فبراير الماضي، أعلنت إيران أنها وضعت قضبان وقود جديدة مصنوعة من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% الخاص بها في مفاعل طهران، وبعد ذلك بشهرين أعلنت ان المفاعل يعمل.
وكان أبريل مهما لسبب آخر. فقد سجل استئناف المفاوضات بين ايران وما يطلق عليها القوى الخمس +1 وهي بريطانا وفرنسا والمانيا وروسيا والصين اضافة الى الولايات المتحدة. ويتبع الجانبان سياسة خطوة بخطوة التي يمكن ان تؤدي في النهاية الى اتفاق. وحتى الان وبعد اجتماعين آخرين، لم يعلن سوى عن قليل من التقدم.
في غضون ذلك, وعلى الرغم من ان هناك قليلا من المحادثات الرسمية التي تجري استعدادا للاجتماع المقبل بين القوى الخمس +1 مع ايران، فان كلا من طهران وواشنطن تضغط بشكل علني من أجل تبني وجهة نظرها.
وقد انتهى اجتماع دول حركة عدم الانحياز الذي استضافته ايران في اغسطس الماضي ببيان يدعم برنامج إيران في تخصيب اليورانيوم لاغراض الطاقة الكهربائية السلمية وانتقد العقوبات.
مع ذلك فقد استمع الحضور في الاجتماع الى كلمة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وبحضور الرئيس محمود احمدي نجاد بشأن انصياع الإيرانيين لقرارات مجلس الأمن الدولي. وكان لذلك بعض التأثير. على سبيل المثال، فان رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج وفي الوقت الذي أيد فيه حق إيران في التخصيب، أعلن بأن طهران وبوصفها موقعة على معاهدة منع الانتشار، يجب عليها ألا تطور أسلحة نووية.
ومع اشتداد الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، من الواضح أن البيت الأبيض لا يستطيع تقديم أي تنازلات حيال إيران قبل نوفمبر المقبل. وقد أعلن مسئول كبير في ادارة أوباما مؤخرا أن استخدام إيران لليورانيوم المخصب بنسبة20% لانتاج الوقود”سوف يساعد على تبرير حجتها بانها تحتاج لانتاج كميات أكبر في المستقبل لبنائها المقرر لاربع او خمس مفاعلات جديدة تعمل بالماء الخفيف. وفي يوم ما، سوف يقدمون مبررا لانتاج 90% لوقود المفاعلات الفرعية او انتاج النظائر”.
وقد لا يكون مفاجئ ان يحاول الجمهوريون في الكونجرس الاستفادة من توقف المفاوضات والاستفادة من تلميح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بطرح قرار يخول أوباما استخدام القوة اذا لم توقف إيران برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
في مطلع اكتوبر 2002، وقبل شهر من انتخابات الكونجرس في ذلك العام، كان هناك مشروع قرار مصاغ من قبل الجمهوريين في مجلس النواب الذي كان يهيمن عليه الجمهوريون يجيز استخدام القوات المسلحة الاميركية في تنفيذ كل قرارات مجلس الأمن ذات الصلة فيما يتعلق بالعراق.”
وبعدما أقرها مجلس النواب وقبل أن يصوت مجلس الشيوخ الذي كان يهيمن عليه الديمقراطيون، جعل الرئيس بوش الابن تاييد القرار قضية انتخابية وعدل الصيغة التي تم اقرارها. ومهد ذلك الطريق أمام الهجوم الأميركي على العراق في عام 2003.
فهل يعيد التاريخ نفسه قبل 6 نوفمبر المقبل؟
والتر بينكوس*
* كاتب مختص بقضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية في صحيفة واشنطن بوست. خدمة واشنطن بوست ـ بلومبيرج نيوز خاص “الوطن”