التحالف الإسرائيلي الأميركي الذي لا يقدّر بثمن
لولا إسرائيل، كان على الولايات المتحدة نشر قوّاتها في المنطقة ردًا على الحضور الروسي في سوريا، وعلى ظهور داعش في سيناء، كذلك لكي تضمن استقرار الأردن. ولا تتعامل إسرائيل مع هذه المسائل من شدّة طيب قلبها، بل لأنّ لديها مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، وهي الحفاظ على الاستقرار والتقدّم بالقيم الديمقراطيّة ومحاربة الإرهاب. فحليف الدولة هو دولة تتشارك وإيّاها مصالحًا.
ها هما الولايات المتحدة وإسرائيل تضعان اللمسات الأخيرة على اتفاقيّة ستشد أزر التحالف بيننا لسنوات مقبلة. وتقضي آخر مذكرة تفاهم، التي سيبدأ العمل بها في العام 2018، بتزويد إسرائيل لعشر سنوات بمساعدات عسكريّة تبلغ حوالى 3.9 مليار دولار في السنة. لكن لا تكمن قيمة الاتفاقيّة الفعليّة في المساعدات السنويّة، بل في ما ستحصل عليه إسرائيل من تكنولوجيا الدفاع، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الأمني بين البلدين.
وسنبدأ بشكر الولايات المتحدة من كلّ قلوبنا. فهذه الاتفاقيّة مهمّة جدًا للحفاظ على أمن إسرائيل وضمان سلامة سكّانها. فنحن نعيش في أسوأ أنحاء العالم حيث يحيط بنا الإسلاميّون الأصوليّون، وأعزّ أمانيهم موتنا. ولذلك الاتفاقيّة عامل أساسي يساهم في قدرتنا على الدفاع عن أنفسنا.
وهذه الاتفاقيّة جزءٌ من تحالف إستراتيجي قديم وعميق بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي اتفاقيّة قائمة على أسس أخلاقيّة وعاطفيّة. فقد وقفنا معًا، جنبًا إلى جنب، في وجه أصعب تحديين واجههما الغرب منذ الحرب العالميّة الثانية وهما الحرب الباردة والحرب ضد الإرهاب. كذلك نتشارك الكثير من القيم نفسها مثل الالتزام الراسخ بالديمقراطيّة وحماية حقوق المرأة والمثليين والأقليّات، وكلانا يعي أنّه لا بدّ من الدفاع عن الحريّة، ولو حتّى ببذل الدماء.
وكسائر العلاقات التي تقوم بين البلدان، تفيد هذه الاتفاقيّة مصالح الطرفين الوطنيّة. والمصلحة الإسرائيليّة واضحة، فمن دون تقدّم إسرائيل على أعدائها نوعيًا وتكنولوجيًا، يغدو وجودها في خطر. وأمّا على الجانب الأميركي، سأل نقّاد جهرًا “ماذا تستفيد الولايات المتحدة من هذه الاتفاقيّة؟”
وطبعًا، الإجابة الفعليّة غير مرتبطة بالجانب الاقتصادي. وقال الرئيس السابق جون كينيدي:” دائمًا ما تكون الحريّة غالية الثمن، لكن لطالما دفع الأميركيّون ثمنها”.
ولا بدّ من ألّا يُنظر إلى الاتفاقيّة مع إسرائيل بمنظار المال الذي تنفقه الولايات المتحدة، بل المال الذي توفّره. فأظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد أنّ الحروب في العراق وأفغانستان تكلّف دافعي الضرائب الأميركيين من 4 إلى 6 تريليون دولار. ولا تكلّف مذكرة التفاهم مع إسرائيل سوى جزء صغير من ذلك. ويخفّف تمتّع إسرائيل بالأمن والقوّة كثيرًا من خطر أن تضطر الولايات المتحدة لأن تشارك في حرب أخرى في الشرق الأوسط، التي لن تكلّفها الكثير من المال فحسب بل ستحصد أرواح جنود أميركيين أيضًا.
وغالبًا ما تستطيع الولايات المتحدة من خلال تعاونها مع إسرائيل اتباع سياسة فاعلة ومؤثرة في الشرق الأوسط من دون أن تكون حاضرة عسكريًا على أراضيه. فمن دون عمل إسرائيل قاعدةً أماميّةً للغرب في الشرق الأوسط، من المرجّح أن تضطر الولايات المتحدة لمركزة حاملة طائرات واحدة على الأقل، بما فيها من جنود وأفراد طاقم يصل عددهم إلى 6500، في البحر الأبيض المتوسّط، واثنتين في الخليج.
كذلك من المرجّح أن تضطر الولايات المتحدة لبناء قاعدة جويّة أخرى كقاعدة إنجرليك في تركيا، وهي موقع تخزين عشرات الرؤوس النوويّة. وكلفة هذه الخيارات أعلى بكثير من كلفة مذكرة التفاهم مع إسرائيل، كذلك أكثر خطرًا على الولايات المتحدة.
وعادةً ما يقول النقّاد إنّ إسرائيل سبب حاجة الولايات المتحدة إلى أن تكون حاضرة عسكريًا في الشرق الأوسط. وفي أحسن الأحوال، قولهم هذا غير مُسند، وفي أسوئها خبيث. فلا دخل لإسرائيل في الحضور الأميركي في العراق و”الخليج الفارسي” وأفغانستان. ولم يزعم أسامة بن لادن أنّ إسرائيل سبب الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي، وحتّى داعش لا يدّعي أنّه مهتم بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ولولا إسرائيل، كان على الولايات المتحدة نشر قوّاتها في المنطقة ردًا على الحضور الروسي في سوريا، وعلى ظهور داعش في سيناء، كذلك لكي تضمن استقرار الأردن. ولا تتعامل إسرائيل مع هذه المسائل من شدّة طيب قلبها، بل لأنّ لديها مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة، وهي الحفاظ على الاستقرار والتقدّم بالقيم الديمقراطيّة ومحاربة الإرهاب. فحليف الدولة هو دولة تتشارك وإيّاها مصالحًا.
وبالإضافة إلى ما سبق، توفّر إسرائيل على الولايات المتحدة أموالًا وأرواحًا لن نتمكّن من ذكر تفاصيلها أبدًا. وإسرائيل قوّة استخباراتيّة خارقة في المنطقة. وجعلتنا تجربتنا المريرة أفضل خبراء الشرق الأوسط في الحرب السريّة ضد الإرهاب. والشرق الأوسط أحد أكبر المصدّرين للإرهاب في العالم، ولم يخفِ الإرهاب الإسلامي يومًا أيّ دولة هي “الشيطان الأكبر” باعتقاده.
ومن قساوة واقعنا أنّ آلاف الأشخاص، وربما ما يزيد عن ذلك، يجولون شوارع الولايات المتحدة بسعادة ومن دون قلق، ولن يعرفوا يومًا أنّه تمّ إنقاذ حياتهم من هجوم إرهابي عنيف يستهدف الولايات المتحدة بفضل التعاون الدفاعي والاستخباراتي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن المهم الإشارة إلى أنّ معظم الأموال التي تحصل عليها إسرائيل بموجب مذكرة التفاهم تبقى في الولايات المتحدة، وعمّا قريب ستبقى كلّ الأموال فيها، إذ ستشتري إسرائيل المعدّات من صناعات الدفاع الأميركيّة، وسيؤدّي ذلك إلى زيادة فرص العمل في الولايات المتحدة، كذلك ستحظى بفرصة غير مكلفة نسبيًا لتجربة أكثر الأسلحة تطوّرًا على أرض المعركة. وستصبح النظم المضادّة للصواريخ التي طوّرها البلدان جزءًا من نظم الدفاع الأوروبيّة والأميركيّة في “الخليج الفارسي”. كذلك، التعاون في مجالي الدفاع الإلكتروني والحرب الإلكترونيّة غايةٌ في الأهميّة لأمن الولايات المتحدة الاقتصادي والعسكري.
وبالرغم من كلّ ما سبق، لا أزعم أنّ مذكرة التفاهم اتفاقيّة تفيد الولايات المتحدة وحدها، بل أرى أنّها ليست اتفاقيّة أصلًا، بل هي إظهار لقوّة التحالف. ومن وجهة نظر إسرائيل، إنّها تجلّي حقيقة أنّ سيدة الحريّة لا تتخلّى عن أصدقائها أبدًا.
ومن أصعب اللحظات في ذاكرة اليهود المشتركة هي معرفتنا أنّه عندما أتوا ليقتلونا جميعًا، لم يُقدم أحدٌ على المساعدة. لذلك أُقيمت دولة إسرائيل، ولذلك لن نضع أعناقنا في أيدي الآخرين أبدًا. غير أنّ وقوف أكبر وأقوى دولة في تاريخ العالم إلى جانبنا غايةٌ في العظمة.
المصدر: فورين بوليسي – ترجمة الميادين نت