التحالفات الإنتخابية: “جعجع – جنبلاط – الحريري”.. ورابعهما المصلحة
موقع الخنادق:
تشغل التحالفات الانتخابية حيزا من الواقع السياسي والاعلامي حاليا في لبنان وإن لم تظهر بشكل كبير الى العلن حتى الساعة، لكن الكثير من المواقف محركها الاساسي هو الانتخابات النيابية المقررة في آذار المقبل.
ومختلف الافرقاء يبحثون في الغرف المغلقة بالتحالفات الانتخابية وكيف ستجري وعلى اي اساس؟ سواء على اساس التحالف العام الشامل لكل الدوائر ام على “القطعة” في دوائر دون اخرى؟ فالماكينات الانتخابية بدأت تعمل على وضع مخطط للتحالفات ووضع تصورات لتشكيل اللوائح ولو انه لم نصل بعد الى مرحلة تحديد أسماء المرشحين.
وأبرز من بدأ يطلق المواقف الانتخابية بشكل واضح سواء عبر التصريحات او الممارسات على الارض، هم من يصنفون بأنهم من غير حلفاء المقاومة لا سيما رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي أطلق أخيرا سلسلة مواقف تصعيدية ضد حزب الله قبل ان يحاول التوضيح انه تحت سقف تنظيم الخلاف مع الحزب، كذلك رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي افتعل مجزرة الطيونة، حيث اعتبر البعض ان لذلك أبعادا إنتخابية محاولا جرّ حزب الله الى فتن داخلية لرفع رصيده في صندوق الانتخاب عبر شد العصب الطائفي والمذهبي.
أيضا التكهنات تطلق حول وضع رئيس “تيار المستقبل” سعد الدين الحريري، وإمكانية خوضه الانتخابات من عدمها بظل التزامه الصمت المطبق، ما يفسر على أنه جسّ لنبض الشارع والقوى السياسية قبيل البدء بالعمل الانتخابي، وإن كان الحريري فعلا هو وتيار مأزومين انتخابيا وشعبيا وماليا وسياسيا.
واللافت انه مؤخرا صدرت سلسلة مواقف عن “الحزب الاشتراكي” ورئيسه حول طبيعة التحالفات المقبلة في الانتخابات وأن التحالف مع “تيار المستقبل” استراتيجي ويجب على سعد الحريري الترشح، كما تحدث “الاشتراكي” ان التحالف مع “القوات” طبيعي، وهنا لعل جنبلاط يذكر نفسه وبعض القوى في هذه الظروف بجو مجموعة “14 آذار” لانها تفيده في أزماته الانتخابية التي يعاني منها حتى في منطقة الشوف، فهناك معلومات تتحدث ان لائحة جنبلاط المنوي تشكيلها لخوض الانتخابات في الشوف لن يكون وضعها مريحا، وهناك امكانية لخسارة لمزيد من المقاعد في المعقل التاريخي لزعامة آل جنبلاط.
وفي الانتخابات الماضية التي جرت في 2018 خسر “الاشتراكي” في الشوف عدة مقاعد لصالح “التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وتيار المستقبل”، وكان رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب قاب قوسين او ادنى من الفوز بأحد المقعدين الدرزيين في الشوف(احدهما يشغله نجل جنبلاط تيمور)، واليوم التوقعات تشير الى إمكانية كبيرة بخسارة جنبلاط لهذا المقعد لصالح وهاب نفسه الذي يتوقع ان يتحالف في الانتخابات مع رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” طلال ارسلان (ثاني اكبر حزب وزعامة تاريخية للدروز في لبنان).
وفي سياق متصل، لا بد من الاشارة الى ان إمكانية غياب “تيار المستقبل” عن الانتخابات في اقليم الخروب(قضاء الشوف) يعني ان هناك من سيملأ الفراغ وبالتالي إمكانية خسارة جنبلاط للمقعد السني الثاني في المنطقة الذي يشغله اليوم النائب الاشتراكي بلال عبد الله(سني من بلدة شحيم).
لذلك كله نرى جنبلاط يحاول الحديث مبكرا عن التحالف مع “القوات”، بينما الاخيرة ردت عبر نوابها بأن التحالفات لم تحسم بعد وكلام جنبلاط يندرج او ينطلق من المظلة الكبرى أي “14 آذار” التي كانت تجمعهم على الرغم من أفولها اليوم، بينما يحاول البعض بث الروح فيها من جديد بين فترة واخرى انطلاقا من مصالحه.
لكن يبقى السؤال الى أي حد هناك مصلحة لسمير جعجع بالتحالف مع جنبلاط بشكل عام وخاصة في الجبل؟ فجنبلاط يريد التحالف مع “القوات والمستقبل” كي يضمن حصوله على المزيد من الاصوات التفضيلية(وتأمين اكثر من حاصل انتخابي) لمنع حصول أي خرق في المقعدين الدرزيين في الشوف بشكل اساسي ومن ثم محاولة زيادة عدد النواب الفائزين من لائحته التي يرغب بتشكيلها “القوات والمستقبل”.
علما ان جعجع في الانتخابات الماضية رفع عدد مقاعد كتلته النيابية واعتمد في ذلك بشكل اساسي على عدم نسج تحالفات كبيرة في مختلف المناطق، إنما رشح شخص او اثنين في كل دائرة يمكن له ضمان الفوز فيها(وتأمين حاصل انتخابي او اثنين بحسب كل دائرة) بشكل لا يؤدي الى شرذمة أصوات مناصري “القوات” والمؤيدين، فلماذا يقبل جعجع بإعطاء أصواته الى غيره؟ بينما هو ايضا يسعى لزيادة كتلته النيابية ونحن على أبواب الانتخابات الرئاسية كي يقول للداخل والخارج انه قوي ولديه كتلة نيابية قوية وبالتالي يطرح نفسه كمرشح قوي للرئاسة.
كما ان جعجع يعتبر انه الاقوى في علاقاته الخارجية مع السعودية واميركا وبالتالي يمكنه الاستفادة من هذا الدعم سواء ماليا او سياسية واعلاميا، واستغلال أيضا ما يسمى “المجتمع المدني” للحصول على المزيد من الاصوات وخرق الساحة المسيحية انطلاقا من تشويه صورة “التيار الوطني الحر” الحليف الاساسي لحزب الله، ولذلك نرى جعجع وكتلته وكل حلفاء أميركا والسعودية يحاولون التصويب الدائم على حزب الله وجره لمشكل داخلي بهدف الاستثمار الانتخابي في الساحة المسيحية، بالاضافة الى رفع رصيد جعجع خارجيا امام السعودية ودول الخليج وايضا الادارة الاميركية.
فلا مصلحة مباشرة للقوات للتحالف في الانتخابات النيابية مع جنبلاط المحشور والحريري المأزوم بكل مشاكله الداخلية والاقليمية لا سيما مع السعودية وبالتحديد اكثر مع ولي عهدها محمد بن سلمان، وحتى لو تشكل تحالف “جعجع-جنبلاط-الحريري”، هل سيكون تحالفا صادقا وينتج عنه تعاونا حقيقيا أم أن الامر هو محاولة مصلحية للاستفادة من أصوات الآخرين؟ خاصة ان الثقة بين هؤلاء الأطراف الثلاثة مهزوزة خاصة بين جعجع من جهة وجنبلاط والحريري من جهة ثانية.
وبالتالي كل فريق يبحث عن مصالحه اولا واخيرا وقد أثبتت التجارب ان هذه الاطراف السياسية لا تبحث سوى عن منافعها الضيقة حزبيا وشخصيا وطائفيا، فجنبلاط يريد المحافظة على زعامته الدرزية، بينما جعجع يبحث عن زيادة حصته النيابية لعله يفاوض على مركز رئاسة الجمهورية، بينما الحريري يحاول البحث عن نفسه وتياره وزعامة بناها رفيق الحريري في يوم من الايام، وهذا الانكفاء الحاصل ما هو الى دليل تراجع او ضعف في مكان ما لان القوي لا يغيب عن الساحة بهذه الطريقة ويترك جمهوره وبيئته في أحلك الظروف والازمات التي يمر بها لبنان، ولا ينفع الحريري كل التبريرات عن غيابه وتصويره انه يدرس الواقع الانتخابي او انه سيعود في اللحظة المناسبة.