البيان الوزاري وحفلات التسليم والتسلّم فولكلور لبناني
جريدة البناء اللبنانية-
علي بدر الدين:
لا أعتقد أنّ اللبنانيين يبدون أيّ اهتمام أومتابعة لاجتماعات لجنة البيان الوزاري، التي تضمّ ما يقارب نصف أعضاء الحكومة ومستشارين ومقرّبين، لأنّ التمثيل فيها يجب أن يطابق قانون ٦ و٦ مكرر، يعني أن تحتشد الطوائف والمذاهب والأحزاب والزعامات والسلطات على طاولة واحدة، لإعداد هذا البيان، الذي من المفترض ان يحدّد مسار عمل وبرنامج الحكومة للمرحلة المقبلة، ولكنه لا يطبّق أو يترجم على الأرض، الا في حالات استثنائية ولخدمة مصالح الطبقة السياسية والمالية.
«كثرة طباخي» البيان الوزاري، لا تقدّم ولا تؤخر، لأنها «طبخة بحص»، حتى لا معنى لها، لأنّ البيانات الوزارية للحكومات، أقله منذ اتفاق الطائف، متشابهة في الشكل والمضمون، وقاسمها المشترك أنها لم تكن يوماً هي ميزان الحكومات ومعياراً لعملها، وينتهي مفعولها عند تشكيل حكومة جديدة لتجديد مفرداتها والمصطلحات، وإعادة نسخها وملء الفراغات بما يناسب توجهات الحكومة الجديدة ويخدم مصالحها.
بصريح العبارة انّ هذه البيانات اصبحت «لزوم ما لا يلزم» ويمكن اعتبارها فولكلوراً لبنانياً، أو مجرد عادات وتقاليد وأعراف، لا يمكن التخلي عنها، لأنها ضرورة ولا بدّ منها لاكتمال مشهد الحكومة وشرعنتها وقوننتها ولحفظها في «أرشيف» رئاسة الحكومة علّ الخلف يستفيد منها.
الأسوأ من هدر الجهد والوقت والمال على البيان الوزاري، هو بدعة عمليات التسليم والتسلم بين الوزراء القدامى والجدد، والتي تشغل الرأي العام ووسائل الإعلام، وكأنها حدث استراتيجي سيغيّر موازين القوى السياسية والطائفية والمذهبية والسلطوية، ويقلب «الميمنة على الميسرة» وبالعكس، وكأنّ الوزير الجديد قادم إلى الوزارة على صهوة جواده كفرسان العرب، محمّلاً بالخيرات والبنزين والمازوت والدواء والغذاء والرغيف، ويستعجل الوصول لإنزال حمولته، التي لطالما انتظرها شعب لبنان العظيم، ومن أجل تعويضه عما فاته، وحلّ به في أيام الوزير السابق، علماً أنّ الوزراء الذين تشكلت منهم الحكومة الجديدة أو وزراء الحكومة السابقة، هم من طينة واحدة وعجينة واحدة ومجبل واحد، وأنّ السلوك سيكون مشابهاً، مع هامش ضيّق من أمل ضئيل ناتج عن أجواء التفاهمات والتسويات الخجولة المحلية والإقليمية والدولية التي تطفو على سطح المنطقة ومنها لبنان، ليس حرصاً عليه، بل لتحقيق مصالح ونفوذ وحصص على الخريطة الجيوسياسية الجديدة التي ترسم للعالم.
إنّ عمليات التسليم والتسلّم هي فعلاً مسرحية هزلية بل مسخرة، حيث تنضح بالمجاملات، وتطلق وعود «المنّ والسلوى»، في نسخة «طبق الأصل» عن وعود من سبقه من وزراء الحقائب أو الحقيبة ذاتها.
المضحك المبكي في آن، انّ الوزير المغادر يعدّد من دون خجل من الشعب ومن نفسه الإنجازات التي حققتها وزارته، والوزير الجديد الذي يشبههه، شاءت الصدف والأقدار، ان يحطه «الباراشوت» في موقع وزير، ويبدأ بإطلاق أطنان من الوعود والأمثال والتجارب التي يحملها معه وهي عصارة رحلاته السياحية والعملية حول العالم، رغم تلك الادّعاءات الفارغة، فإنه يُصرّ على متابعة نهج الوزير الذي سبقه، الذي يحصد الشعب نتيجة ما زرعه من إهمال وحرمان وخيبات أمل وعجز وفشل.
الأكثر إيلاماً، وهدرا للوقت الضيق أساساً، هو انتظار انتهاء اجتماعات لجنة إعداد مسودة البيان الوزاري، وتحويلها قبل ٤٨ ساعة إلى مجلس النواب للإطلاع عليها ودرسها ومناقشتها، وعلى ضوء ذلك يصوّت على منح الحكومة الثقة من عدمها وهو حكماً سيمنحها الثقة. وكيف للكتل النيابية الا تمنح الثقة لحكومة هي مَن رشحت وزراءها، وهؤلاء الوزراء هم الذين مثلوها في لجنة إعداد وصياغة البيان الوزاري، لنقل مواقف الكتل وما تريده إلى اللجنة المعنية.
ورغم ذلك، فإنّ بعض هذه الكتل تطلق مواقف شعبوية واضحة، في محاولة منها لتسجيل النقاط على غيرها، من خلال ربط منح ثقتها للحكومة بتعهّدها بتنفيذ هذا الشرط أو ذاك، مع أنها شريكة، في كلّ كبيرة وصغيرة وشاردة وواردة في الحكومة، أسماء وحقائب وحصصاً وفي البيان الوزاري تمثيلاً ومضموناً.
انّ ما يحصل منذ ولادة الحكومة، وسياسة السلحفاة هي المعتمدة، وكأنّ لبنان وشعبه ودولته ومؤسساته يعملون بانتظام كساعة «بيغ بن»، وأنّ كلّ شيء يسير على أحسن حال وأكمل وجه، وكلّ الخدمات وضرورات الحياة متوفرة للمواطن، من الكهرباء إلى الماء والدواء والغذاء والمحروقات والطحين والأمان والاستقرار والعيش الرغيد.
لا أيها «السادة» الحاكمون، كفاكم، استغباء، وإهمالاً وحرماناً وتفقيراً وتجويعاً وظلماً وتسلطاً واستبداداً وإذلالاً ونهباً وفساداً وجشعاً وطمعاً. كفى بطونكم تخمة و»تكرّشاً»، وكفى خزائنكم وحساباتكم المالية في لبنان والخارج تراكماً للثروات والأموال وكأنكم ورثتموها عن أجدادكم وآبائكم، أو تصبّبتم عرقاً لجمعها، إنها أموال الدولة والشعب استحصلتم عليها بقوة السلطة والنفوذ والترهيب و»المافيات» التي تسرح وتمرح و»تضرب» في كلّ زمان ومكان، لتبقي على السوق السوداء، الأكثر ربحاً للأموال وأماناً ونهباً لها ولكم.
ولتعلموا أيها الحكام، وأنتم تعلمون ذلك، «أنّ دوام الحال من المحال»، وعلى الظالم تدور الدوائر ولو بعد حين.