البصمة السعودية في أزمة ميانمار
ذكر السفير الإيراني في ميانمار أننا نشهد تفعيل بعض التيارات المتطرفة بين صفوف المسلمين في بورما، وأبرزها جيش تحرير أراسان المدعوم من السعودية (أراسا).
وأعرب السفير عن قلقه إزاء آخر التطورات في البلاد، وأبدى تخوفه من تأثير عدة عوامل على الوضع الحالي للمسلمين في البلاد مثل ضعف حكومة “سوتشي” وتموضع القوة الحقيقة بيد الجيش وامكانية اسقاط “سوتشي” بالتعاون مع البوذيين، وخشي من أن تتحول هذه الخلافات في ميانمار إلى مشكلة بين المسلمين والبوذيين في كل البلاد.
وقال محسن محمدي، وهو سفير إيران لدى كل من تايلاند وميانمار ولاوس، في لقاء أجري معه أن “بدء موجة جديدة من العنف ضد المسلمين في ميانمار أثارت مخاوف في العديد من الدول والمنظمات الدولية”.
وقال: ومن الواضح أن الأسباب الأساسية لهذه الأزمة وأسباب العنف ضد المسلمين الروهينغا تعتمد على الفهم الكامل للحالة العامة للمسلمين وتاريخهم، إضافة إلى الوضع السياسي والسياسي في ميانمار.
كما وأوضخ السفير الإيراني أن عدد المسلمين في ميانمار يتراوح ما بين 4 إلى 5 ملايين مواطن: من بين السكان الشيعة الذين يتراوح عددهم بين 10 و15 ألف نسمة من البلاد، والسكان الذين يعتبر تفكرهم قريبا جدا من شيعة أهل البيت، والذين يبلغ عددهم أكثر من 600 إلى 500 ألف نسمة، ومن الجدير بالذكر أن هناك أيضا أتباعٌ إيرانيون يتواجدون في هذا البلد ولكن بأعداد قليلة جدا.
وأضاف السفير الإيراني: يعود السبب وراء تواجد الأتباع الإيرانيين في بورما إلى زمان الحركة التجارية قبل 500 سنة، وترى اليوم عوائل مختلفة مثل “كاشاني، شيرازي، بهباني، أصفهاني، ويزدي” تقيم في بورما، لايزالون حتى الآن يستخدمون بعض المصطلحات والكلمات الفارسية، ويفتخرون بانتمائهم إلى وطنهم الأم إيران، كما ويوجد مقبرة قديمة للإيرانيين العاصمة الميانمارية، تمتد هذه المقبرة على مساحة 4 هكتارات، يوجد فيها ما يقارب المئة مزار مزينة بالنقش الإيراني، والتي يقال أن القنصل الإيراني “أحمد أصفهاني” أنشأها في العام 1856 ليستفيد منها الشيعة المسلمون في ميانمار، وواحد من القبور يعود للقنصل الإيراني في ميانمار “علي أكبر شيرازي” والذي توفي في العام 1929 ودفن في تلك المقبرة.
الروهينغا، أكبر قومية عرقية مهمشة في العالم
أشار “محمد خاطر” إلى أن المجتمع الإسلامي في ميانمار كان يسعى دائماً لعدم تأثر مسألة الروهينغا على علاقاتهم مع السلطة الميانمارية التي يشكل البوذيون فيها الأغلبية العظمى، وهم قلقون من تحول هذه الأزمة مع الحكومة الميانمارية إلى مواجهة وجهاً لوجه مع البوذيين في البلاد.
إن الفوضى وأعمال العنف التي تشهدها ميانمار في الآونة الأخيرة تنحصر في منطقة آركان، ولحسن الحظ أنها لم تتحول بعد إلى صراع بين المسلمين والبوذيين وسط المجتمع الميانماري.
ومن هذا المنطلق يتوجب على جميع الدول التي تطلق مواقفاً تخص الوضع في ميانمار ومن ضمنها إيران أن يأخذوا هذه النقطة في عين الاعتبار.
واشار الدبلوماسي الايراني الى أن “الروهينغا هم اقلية عرقية يتراوح عددها بين مليون ومليون وثلاثمائة ألف في ولاية راخين (اركان سابقا) في غرب ميانمار”، وأضاف قائلاً: على الرغم من الأدلة القوية على تاريخ وجود المسلمين في منطقة أركان من الماضي البعيد، فإن حكومة ميانمار لا تعترف بهذه الأقلية العرقية كما تدعي بأنهم مهاجرون أتوا إليها من بنغلاديش وترفض منحهم الجنسية.
كما وتعد بنغلادش واحدة من أفقر دول العالم، وتتبع سياسة قاسية تجاه المهاجرين إليها، وهم يرفضون قبول المزيد من اللاجئين المسلمين القادمين إليها من ميانمار.
ومن هذا المنطلق فإن الروهينغا لا يملكون جنسية أي بلد، وإن هذا العامل إضافة إلى عوامل أخرى كالفقر والحصار الاقتصادي في منطقة راخين، أدت إلى تعرضهم إلى أنواع مختلفة من الظلم والاستبداد من المجتمع البوذي في هذه المنطقة، وعليه فإن الروهينغا يعدون من أكبر القوميات المهمشة والمضطهدة في العالم.
واعتبر أن أحد العوامل الرئيسية التي تضغط على المسلمين في منطقة الروهينغا هي الفقر والحصار الاقتصادي وقال: احتلت بريطانيا بورما في العام 1824، وضُمت إلى حكم الهند، التي كانت في ذلك الوقت مستعمرة بريطانية، وعاد المسلمون إلى هذه المنطقة التي تعد من أكثر المناطق في ميانمار خصوبة في التربة، ولهذا السبب، أصبح الاستيلاء على الأراضي الزراعية الخصبة في المنطقة التي يعاني فيها الفقر أحد أسباب الصراعات الثنائية بين البوذيين والمسلمين، التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.
وقال السفير الإيراني رداً على سؤال حول وضع المسلمين في ميانمار في ظل الحكومة الجديدة: فاز ولأول مرة في الانتخابات الديمقراطية في ميانمار العام الماضي، حزب المعارضة من الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، برئاسة “أونغ سان سوتشي” ونجح في تشكيل حكومة جديدة.
ولكن وفقا لدستور هذا البلد، والذي تم وضعه خلال فترة قوة الجيش، يرفد إلى كلا المجلسين ما يقارب ال 25% من العسكريين وأشخاص آخرين دون انتخابات، وبالتالي فإن 25% من مقاعد البرلمان تذهب إلى العسكريين فيما يذهب 75% من المقاعد الأخرى إلى باقي الأحزاب، وأي تغيير في الدستور البورمي يتطلب موافقة ثلاثة أرباع أعضاء المجلس + 1 الأمر الذي يعني بأن زعيمة البلاد تحتاج إلى موافقة كل أعضاء البرلمان إضافة إلى عسكري واحد لكي تستطيع تغيير مادة في دستور البلاد، وذلك يعد أمراً غير منطقي بطبيعة الحال.
إمكانية إطاحة العسكريين بحكومة “سوتشي” بدعم من البوذيين
واشار السفير الإيراني لدى ميانمار: في الواقع إذا كانت السلطة في البلاد تعطى على أساس الانتخابات فإن الزعيمة “سوتشي” يجب أن يكون لها 80% من سلطة هذا البلد.
وفي الوقت الحالي وبناء على أفضل التوقعات فإن “ستوتشي” لا تملك سوى 60% من سلطة ميانمار
وفي الحقيقة فإن الوزارات المؤثرة في البلاد، مثل وزارة الداخلية والدفاع وشؤون الحدود تقع تحت سلطة الجيش، وهذا دليل على ضعف وتقهقر موقف السيدة “سوتشي”.
ولذلك، وعلى الرغم من ظن المسلمين أن وضعهم بتولي “سوتشي” سدة الحكم سيكون أفضل، وأن الحكومة ستمعن النظر في مطالبهم، ولكن هذا الأمر لم يحصل، و”سوتشي” التي يتوجب عليها بطبيعة الحال وحفاظا على هيبتها في المحافل الدولية، أن تكون على استعداد لحل مسألة المسلمين الروهينغا، يبدو أنه يتعين عليها أن تأخذ في الاعتبار رغبات الفصائل القوية في البلد، أي الزعماء العسكريين والبوذيين.
وأضاف السفير الإيراني: تعود جذور الأزمة والعنف ضد المسلمين في ميانمار إلى الفقر والصراع العرقي وسياسات البلد، من ناحية، ومن ناحية أخرى، إلى التعقيدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذا البلد.
واعترف محمدي بأن “إمكانية الاستخدام العسكري للأزمة في توسيعها وخلق مشاكل خطيرة للسيدة “سوتشي” للإطاحة بحكومتها في نهاية المطاف بمساعدة البوذيين المتطرفين، هو أمر قابل للتصور”.
كما يجب عدم التغاضي عن العلاقات القوية بين القوات العسكرية الميانمارية مع الصين والتي تملك نفوذاً سياسياً واقتصادياً كبيراً في هذا البلد وتسعى الى الحفاظ عليه.
يأتي هذا في الوقت الذي تعد فيه الصين الدولة الوحيدة التي ترحب وتدعم علناً بإجراءات حكومة ميانمار فيما يسمى بعملية السلام والاستقرار في منطقة “راخين”.
عهد جديد من الصراع بين المسلمين البوذيين
وردا على سؤال حول العنف في ميانمار أشار “محمدي” إلى خصائص الصراع بين البوذيين والمسلمين في العامين الأخيرين، قائلا: نشهد اليوم تنشيط بعض الحركات الإسلامية المتطرفة وإقحامها في هذا الصراع.
وتشير التقارير الواردة من مصادر موثوقة في المجتمع المسلم في ميانمار إلى نشاط مجموعتين متطرفتين في منطقة “راخين”، الأول هو حزب “عطا الله أبو عمار جنوني” والذي ينشط باسم (ARASA)، حيث يتلقى دعمه وتمويله من السعودية، وقائده ولد في السعودية وكبر وترعرع في باكستان، حيث شكَّل هذه المجموعة في “راخين” بعد أن أتم تدريباته العسكرية في باكستان.
أما المجموعة الأخرى فهي مجموعة “عبد الحكيم”، وهي في الواقع طرف وذراع عسكرية أنشأتها القوات العسكرية والأمنية في ميانمار، وتخضع هذه المجموعة بالكامل لقيادة الجيش وقوات الأمن في ميانمار، وهي لا تفوت أيّ فرصة لقتل مسلمي الروهينغا أو حتى غيرهم من عامة الناس، وقد أصبح على وجه التحديد ذراعا حقيقيا للجيش وقوات الأمن في ميانمار.
وفي اشارة الى أحداث العنف الاخيرة في ميانمار، قال محمدي: أعلن يوم الجمعة المصادف 3 شهريور 1396 هجري شمسي مجموعة مسلحة مرتبطة “بحركة اليقين” تعرف باسم ” الجيش الحر قسم آركان الروهينغا” مسؤليتها عن الهجوم على 30 مقراً للشرطة والجيش الميانماريين.
وأضاف: بأن البوذيين وقوات الشرطة رداً على تلك الهجمات أقدمت على أفعال وحشية ومنافية لمبادئ الإنسانية في المنطقة، والتي أدت إلى مقتل ألف شخص وتهجير ما يقارب ال 400.000 آخرين وذلك بحسب احصائيات مجلس الأمن الدولي.
وقال السفير الإيراني في ميانمار: للأسف الشديد فإن رد المجتمع الدولي لم يرقى إلى مستوى هذه الفاجعة العظيمة، وشهدنا نوعاً من التمييز والإهمال من جانب القوى العظمى والمنظمات الدولية والمؤسسات الدولية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بهذه الأزمة، كما كان أداء منظمة التعاون الإسلامي كان سلبياً للغاية.
وفي الوقت نفسه، أدى صمت السعودية إلى تعزيز فكرة ارتباط المتطرفين المسلمين بالهجمات على مراكز الشرطة في ميانمار.