“البأسما” وجهنم القمم
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
في بلادنا مثل شعبي يقول: “المصاري تُطعم في جهنّم بأسما”.
و”المصاري” هي التعبير الدارج عن المال بكل أنواعه، وفي هذا تذكير بالدور العظيم الذي لعبته ـ وتلعبه ـ مصر في تاريخ المنطقة على امتدادها، هذا الدور الذي بات الآن منزوياً ومهمّشاً، إن لم يكن قد وصل إلى حدود الاضمحلال!
أما “البأسما”، فهي تعبير عن “أكلة فخمة” في سالف الزمان في بلادنا، وقوامها الثلج، يوضع فوقه الدبس البلدي، فتكون أكلة مميّزة، وخاصة في فصل الصيف، مع ندرة الحصول على الثلج، لا بل استحالة ذلك، بسبب عدم توفر الآلات التي تجمّد المياه، أو بسبب بعد المسافة بين قرانا، وبين رؤوس الجبال، حيث تستبقي الطبيعة الأم بعض ثلوجها من عام إلى عام.
المهم في الموضوع هو استذكار الدور الذي يمكن أن يلعبه المال في المجتمع، فهو يقدر على إدخال “البأسما” إلى جهنم ذاتها، وإطعام من يملك الأموال منها، حتى ولو كان محاطاً بالنيران من كل جانب.
الذين يغرّهم المال، ويبنون سياساتهم على أساسه، ويفرّطون بالمسلّمات والمبادئ، ويسمحون باستباحة القوانين الدولية ومواثيق المؤسسات العالمية والجامعات الإقليمية، ويفرّطون بكراماتهم الذاتية وكرامات بلدانهم من أجل دولارات أصحاب الدولارات من المتسلّطين على ثروات النفط، هؤلاء يقولون، ما الضير في أن نأكل “البأسما” في عزّ الربيع العربي، الذي تحوّل إلى صيف ملتهب، يأخذ في طريقه الأخضر واليابس.
هؤلاء، لا بد من تنبيههم إلى أنهم ما زالوا في جهنم، التي تأكل الأخضر واليابس، والتي تشوي الوجوه والجلود، وتطّلع على الأفئدة.
جهنم التي وضعوا أنفسهم فيها، من خلال انسياقهم وراء مخططات أعداء الأمة، طمعاً بأموال أصحاب العروش والكروش، لن ترحمهم، لأنها مجعولة لمن هم من أمثالهم، يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فكل أموال الكون لا تستطيع ـ مثلاً ـ أن تستعيد فلسطين، إذا لم يكن أبناؤها يسيرون على خط تحريرها، بالمقاومة والبذل والتضحيات، (وهم كذلك)، لا بل قد تتحول الأموال إلى حائل بين أبناء شعب فلسطين وبين أرضهم، عندما يدفع هذه الأموال من هم من عملاء الصهاينة وأذناب الأميركيين، الذين لا يحرّكون ساكناً إلا بأمر، ولا يدفعون قرشاً إلا أن “يوقّع سيّد البيت الأبيض على الشيك”.
أموال هؤلاء تتحول من نعمة إلى نقمة، وعطاياهم تصبح ريح سموم، تحرق القدس وتمحو فلسطين على الخارطة، لأنهم يدفعون بهدف، والهدف ليس مصلحة أمتنا بكل تأكيد.
وكل أموال الكون لا يمكن أن تنقذ بلداً عظيماً وقادراً ـ مثل مصر ـ من الأزمة التي هو فيها، إن لم يتوحّد أبناء هذا البلد، ويؤطروا جهودهم، ويرفضوا محاولة شراء ذممهم ومؤسساتهم التي بنوها بعرق جبينهم، لأن بهذا، وبهذا فقط خلاصهم ونجاتهم من العمل كعبيد عند “السيّد الخليجي” الذي هو مجرّد عبد عند الصهيوني والأميركي.
وبالمقابل، فإن كل أموال الكون لا تستطيع أن تغيّر واقع التفاف شعب ـ كالشعب السوري ـ خلف قيادته، من أجل القضاء على الإرهابيين الذين يعيشون على أنبوب تغذية ملوّث برمال صحراء لا تعرف من حضارة دمشق النزر اليسير. قد تستطيع أموالهم أن تقتل وأن تدمّر، ولكنها لا تستطيع أن تقضي على إرادة شعب رفض الانسحاق تحت إرادة أصحاب العروش والكروش، شعب وهب فلسطين أغلى ما يملك، وسيبقى يهب العرب جميعاً الشعور بالعزة والصمود والتصدي والممانعة، وكل المعاني التي يريدون أن يجرّموها، ولكنها تبقى عنوان كل نبل في أمتنا.
“البأسما” في جهنم شعور خادع، لا يمحو آثار النيران التي تحيط بكم، يا من تريدون أن تحوّلوا قممكم إلى منافث نار على سوريا وعلى لبنان وعلى العراق وعلى الجزائر، وعلى دول منطقتنا من أقصاها إلى أقصاها.